الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في الذكرى المئوية لعمليات الإبادة الجماعية العثمانية ضد الأرمن

العنصرية والحق والكراهية والتمييز الديني والمذهبي كانت هي السمات المميزة لسلوك أغلب، إن لم نقل كل، سلاطين وحكام الدولة العثمانية وسياسييها، وهي التي كانت وراء عمليات الإبادة الجماعية ضد الشعب الأرمني في العام 1915 التي تحل ذكراها السنوية في اليوم الرابع والعشرين من نيسان/ابريل من كل عام. كما كانت تلك السمات وراء المذابح الدموية الكثيرة التي تعرض لها الإيزيديون الكرد في الدولة العثمانية والتي يشار إلى إنها بلغت 72 مجزرة وسبي واغتصاب وتشريد وتهجير ضد الإيزيديين، إضافة إلى فرض الدين الإسلامي على بعضهم بالقوة الغاشمة. كما تعرض المسيحيون من الكلدان والآشوريين والسريان إلى مذابح مماثلة أيضاً. في أعوام 1894-1896 نفذت الجندرمة العثمانية مجازر بشعة ضد الأرمن بالدولة العثمانية حيث سقط فيها عشرات ألوف القتلى والجرحى وأضعاف هذا العدد من المهجرين والمشردين قسراً، وهي المذابح التي أطلق عليها بالمذابح الحميدية والتي شاركت فيها الفرق الحميدية التي أطلق عليها بـ "فرق الفرسان" أيضاً، وكان بينهم أكراد مجندون في هذه الفرق الحميدية. ولم تقتصر هذه المذابح على الأرمن وحدهم، بل شملت أيضاً مسيحيين كلدان وآشوريين وسريان، مما أعطى لهذه المجازر مضموناً عنصرياً ودينياً متطرفاً. ولم يكن السبب وراء هذه المجازر رغبة الأرمن في الانفصال عن الدولة العثمانية، بل كان نضالهم قد تركز في المطالبة بتنفيذ إصلاحات تمس أوضاعهم الإدارية والثقافية والاقتصادية. وكان جواب الدولة العثمانية بربرياً وقاد إلى قتل تلك الألوف المؤلفة من الأرمن، إذ تشير بعض المصادر إلى مئات ألوف القتلى والمشردين والمهجرين قسراً.      في 28 أيار / مايو 1914 أُعلنت الحرب العالمية الأولى، ضم طرفها الأول كل من بريطانيا وأيرلندا وفرنسا وروسيا، في حين ضم طرفها الثاني كل من الدولة ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية وبلغاريا، وفيما بعد الدولة العثمانية. وقد استمرت هذه الحرب الاستعمارية التي كان هدفها إعادة تقسيم مناطق النفوذ للدولة العثمانية، الرجل المريض، بين الدول الاستعمارية الأكثر قوة وقدرة عسكرية واقتصادية (بريطانيا وفرنسا) حتى 11 تشرين الثاني / نوفمبر 1918 وكانت خسائرها فادحة جداً. أجمالي الخسائر البشرية في الحرب العالمية الأولى المصدر Irving Werstein, “1914-1918: World War I”, Cooper Square Publishers; Inc, New York, 1964. راجع: قصة الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، موقع الفجر المدونات العربية. ومن الجدول يتبين إن الحرب كلفت البشرية 8,538,315 قتيلاً و 21,219,452 جريحاً و7,750,919 أسراً، أو ما مجموعه 37,508,686 نسمة. كما استنزفت الحرب أموالا طائلة حيث وصلت تكلفة الساعة الواحدة في نهاية الحرب عشرة ملايين دولار وبلغت التكاليف المباشرة لأعمال القتال والإنتاج الحربي أكثر من ١٨٧ تريليون دولا ر، فيما قدرت تكاليف وخسائر الاقتصاد المدني غير المباشرة بحوالي ١٥٢ تريليون دولار." (راجع: موقع مصراوي، بتاريخ  9 تشرين الأول /أكتوبر 2014). لم تكن الدولة العثمانية في بداية الأمر طرفاً في هذه الحرب، بل التحقت بدول المحور وضد الحلفاء في شهر نوفمبر من العام 1914، أي بعد مرور ما يقرب من ستة شهور على بدئها. وكان وجود أرمن يحاربون في الجيوش الروسية من جهة، وتقهقر القوات العثمانية في مناطق القوقاز من جهة أخرى ذريعة عدوانية للاتهام الأرمن بالخيانة العظمى والتوجه صوب تصفية وجوده بالدولة العثمانية، فكانت تلك المجازر الرهيبة التي راح ضحيتها عدداً يتراوح بين 1,0 - 1،5 مليون من الأرمن، ومعهم جمهرة من المسيحيين الآشوريين والكلدان والسريان. ونسبة عالية منهم كانوا من الأطفال والنساء أيضاً وطاردوا من تبقى بهم. لقد كانت هذه العمليات بمثابة إبادة جماعية أولى في القرن العشرين تمارسها الإمبراطورية العثمانية وتطهير عرقي وثقافي وحشي يجسد الكراهية والحقد الذي تحمله الذهنية العنصرية والتمييز الديني. وكان موقف الجيوش الألمانية، حليف الدولة العثمانية في هذه الحرب مساوماً وساكتاً عن الجريمة البشعة ولم تطلب الإمبراطورية الألمانية إيقاف هذه المجزرة البشرية الرهيبة. والخارطة التالية التي نشرها موقع الموسوعة الحرة تشير إلى مراكز التفتيش ومواقع الترحيل القسري ومناطق التصفية الجسدية ومناطق الهروب من الجندرمة العثمانية. الخارطة مأخوذة من الموسوعة الحرة، ويكيبيديا وتشير المعلومات المتوفرة إلى إن جثث القتلى شكلت تلاً عالياً مليئاً بضحايا عمليات الإبادة الجماعية، إضافة إلى الصورة التالية التي تشير إلى جثث قتلى الأرمن المرمية في القرى والأرياف والمدن الصغيرة على امتداد المناطق التي كان الأرمن يقطنون فيها. الصورة مأخوذة من الموسوعة الحرية ويكيبيديا إن سكوت العالم على هذه المجازر ولعقود طويلة دون إدانتها باعتبارها عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي وثقافي وديني يعتبر إساءة كبيرة ليس للشعب الأرمني فحسب، بل وللبشرية جمعاء، كان أنه كان وراء وقوع أعمال إبادة جماعية أخرى في العديد من دول العالم ومنها العراق ولأكثر من مرة ومنها الإبادة الجماعية ضد الكرد في عمليات الأنفال وحلبجة وضد الكرد الفيلية بالعراق، ومن ثم عمليات الإبادة الجماعية التي مارستها وما تزال تمارسها قطعان داعش الوحشية بالعراق ضد الإيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان. إن التضامن بين الشعوب في نضالها ضد الاستبداد والاستغلال والتطهير العرقي والثقافي والتغيير الديموغرافي هو الأسلوب الأمثل لمواجهة قوى الاستبداد والظلم والإرهاب وقطع الطريق عليها ومنعها من ممارسة مثل هذه الجرائم البشعة. فحين تقف مع الآخر في نضاله من أجل حقوقه ورفع الظلم عنه، سيقف الآخر معك حين تحتاج إلى دعم وتضامن في نضالك من أجل حقوقك المغتصبة. والعكس صحيح أيضاً حين لا تقف مع أخيك الإنسان، عندها لا يشعر بضرورة وحاجة الوقوف معك. إن من واجبنا أن نسمي الأشياء بأسمائها دون تردد أو تلكؤ. فالجريمة التي ارتكبت في العام 1915 ضد شعب الأرمن في الدولة العثمانية هي جريمة إبادة جماعية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، إنها جريمة حرب أيضاً وجريمة تطهير عرقي وتطهير ثقافي وهي ضد الإنسانية في آن. وعلى الحكومة العراقية وكل الحكومات العربية وكل حكومات العالم أن تعترف بذلك وأن تضع الحكومة التركية الوريث الشرعي للدولة العثمانية أمام مسؤولياتها باتجاهات أربعة: 1.   الاعتراف ببالجريمة التي ارتكبت ضد الأرمن في العام 1915 باعتبارها جريمة إبادة جماعية. 2.   الاعتذار للشعب الأرمني عن الجرائم التي ارتكبتها الدولة العثمانية والجندرمة العثمانية وعن اتهام الأرمن بالخيانة العظمى ورفع الحيف عنهم. 3.   الكف عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تعترف بما حصل في تركيا في فترة الدولة العثمانية والتي كانت جريمة إبادة جماعية. 4.   إعطاء تعويضات للعائلات الأرمنية التي تضررت من كل الجرائم البشعة التي مارستها الدولة العثمانية. وأدعو الرأي العام العراقي والعربي والمجتمع الدولي إلى التضامن المتين مع الأرمن وبقية المسيحيين ومساندتهم في مطالبهم العادلة إزاء الدولة العثمانية، وأن يتم الاعتراف دولياً ومن قبل الأمم المتحدة باعتبار ما وقع ضد الأرمن في العام 1915 وما بعده إبادة جماعية وتطهير عرقي وثقافي وديني.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 22-04-2015     عدد القراء :  5958       عدد التعليقات : 0