الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل من جديد في الصراع على السلطة ببغداد؟

تتطور الأحداث بالعراق بسرعة فائقة يصعب ملاحقتها أحياناً أو وضع اليد على العوامل المحركة لها والنتائج أو العواقب والتداعيات المحتملة الناشئة عنها. والصراع المتفاقم على السلطة هو حديث الساعة بالعراق وهو الحدث الأكثر خطورة على المجتمع واتجاه تطور الأوضاع بالبلاد إذ يحمل معه توجهاً لنزاع مسلح.

فالقوى التي بيدها قيادة السلطة ببغداد، وأعني بذلك البيت الشيعي. تتصارع في ما بينها على الدور القيادي في السلطة ولا يهمها أن تتدحرج رؤوس الكثير من أبناء وبنات الشعب. دعونا ندخل إلى البيت الشيعي ونرى ما يجري فيه؟

سيرى الداخل إليه فيلماً قاتماً تتحرك فيه القوى الفاعلة باتجاهات متعارضة, فحزب الدعوة يعيش صراعاً متفاقما بين جناحين رئيسين هما جناح نوري المالكي المتشدد والراغب في استعادة السلطة بأي ثمن كان، وجناح حيدر العبادي الراغب من خلال وجوده على رأس السلطة تحقيق نجاحات جديدة من أجل تقليص حجم العواقب الوخيمة التي تسببت بها سياسات  نوري المالكي خلال السنوات التسع التي حكم فيها العراق واستبد بقراراته وبالشعب ووضع جزءاً عزيزاً من الوطن تحت رحمة عصابات الموت والتدمير، عصابات داعش حتى الآن. ورغم إن العبادي يمتلك تأييداً داخلياً وإقليمياً ودولياً، فأن وضعه ما يزال قلقاً بسبب بطء حركة الإصلاح التي وعد بها العراق حين اقسم اليمين الدستوري، وهذا البطء ليس بسببه وحده، بل بسبب المقاومة التي يواجه بها من جناح الملكي وقيادة الحشد الشعبي من جهة وبسبب شركاء المالكي السنة من أمثال أسامة النجيفي وصالح المطلك وبقية القطط السمان.

حيدر العبادي يرى ضرورة التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة الراهنة لتأمين المزيد من الضربات الجوية لعصابات داعش من جهة، والحصول على المزيد من السلاح المناسب من جهة أخرى، والتوسط لصالح تخفيف الصراع بين السلطة وسكان محافظات غربي العراق من جهة ثالثة بأمل الوصول إلى ثقة نسبية متبادلة، إضافة غلى سعيه للتوفيق مع القيادة الكردستانية من جهة رابعة، وهو  محق في هذه التوجهات، إذ لا بدائل أخرى لديه. وهذه التوجهات تصطدم بالرفض من جانب المالكي وجناحه بهدف إفشال جهود العبادي وتأمين وقوع انتكاسة سياسية وعسكرية في إدارة المعركة ضد داعش. وإذ يؤيد مقتدى الصدر وجود العبادي في السلطة، يقف في الوقت ذاته ضد التعاون الضروري والملزم مع الولايات المتحدة ودعمها للعراق والذي يرى فيه احتلالاً رغم وجود اتفاقية بين البلدين تفرض مثل هذا التعاون والتنسيق العسكري. كما إن مقتدى الصدر، يرفض تسليح أبناء العشائر في المحافظات الغربية بذهنية طائفية ويرفض تسليح قوات البيشمركة بذهنية إسلاموية، سواء أكان عبر الحكومة العراقية أم عبر  الولايات المتحدة مباشرة. وبهذا الموقف يضعف مواقع حيدر العبادي في السلطة من جهة، ويساند عملياً، شاء ذلك أم أبى، التآمر الذي يقوده حالياً تحالف نوري المالكي مع هادي العامري وقيس الخزعلي ضد العبادي. ولكن مقتدى الصدر ترك الحبل على الغارب بالنسبة لمجموعة من جماعته التي تشارك في تحمل مسؤولية السلطة التنفيذية، حيث يسود الفساد المالي في أوساطها ولا يتوجه بالسؤال لهم : من أين لكم هذا المال وهذه العقارات ودور السكن أو حتى القصور وأنتم كنتم لا تملكون شروى نقير قبل وصولكم إلى السلطة ببغداد؟ لنتذكر أغنية عفيفة اسكندر التي غنتها من إذاعة صوت أمريكا في أوائل الخمسينات من القرن الماضي والمتسائلة من أين لكن هذا؟ فتجيب: هذا من فضل ربي: فتسأل ثانية " قابل الله نزلة الك بالزنبيل!  

أما إبراهيم الجعفري وحزبه (تيار الإصلاح الوطني)، فهو حائر بنفسه ودائخ، يفقد يوماً بعد آخر ذاكرته وقدرته على التركيز وخطاباته الجنجلوتية يفقد فيها "رأس الشليلة"... لا يرتاح للمالكي لأنه أخذ السلطة وقيادة حزب الدعوة منه دفعة واحدة، ولا يرتاح للعبادي أيضاً لأن الأخير أقل تشدداً من حيث السلوك الطائفي، الذي يلتقي بتشدده بامتياز مع نوري المالكي. وخشيته جعلته بعيداً عن وزارته ويقيم في داره المحمية!

أما السيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالعراق فهو يتحرك بقلق شديد وحذر أكبر، يتحرك بين مدينتي "نعم" و "لا"، يتحرى عن التوازن بين الاثنين، وهي خشية على المصالح التي تحققت للعائلة طيلة الفترة التي كان والده على رأس الحزب وليس عمه، راغب في تحسين الأوضاع ولكنه يخشى على فقدان البيت الشيعي للسلطة، وقلق من تغيير إيران لموقفها من حزبه. إنها معادلة لا تستقيم إلى في فوضى العراق والفساد المستشري فيه. وبالتالي فهو غير نافع للعبادي وغير مساند له.، وبهذا فهو عملياً يخدم بالمحصلة النهائية، إن استمر على موقفه بين "نعم" و"لا"، سياسة المالكي وجناحه، شاء ذلك أم أبى.

أما الدكتور أحمد الجلبي، مؤسس البيت الشيعي، وهو  الخطأ الفادح الذي ارتكبه وأسس ما يتناقض مع المجتمع المدني، فهو مرتاح لما استرده من أموال وعقارات وبساتين ..الخ بعد سقوط الدكتاتورية، ولا يريد خسارتها بأي حال، ولكنه يعض على النواجذ بسبب تشكيله للبيت الشيعي الذي كان يعتقد بأنه قادر على التأثير فيه باتجاه ليبرالي نسبي، ولكنه فقد كل تأثير فيه وأصبح خال من أي تأثير فعلي في الوقت الحاضر، ولم يعد حزب المؤتمر فاعلاً ومؤثراً في الأحداث السياسية العراقية بل فقد حتى الدور الهامشي له، ربما يؤيد عقلياً نهج حيدر العبادي في الإصلاح الجزئي للمسيرة الراهنة.

أما على صعيد المليشيات المسلحة التابعة لهذه القوى أو لإيران عملياً، فإنها، ورغم وجودها في تجمع الحشد الشعبي، أكثر تصارعاً على المواقع وأكثر إسناداً لأجنحتها السياسية في صراعاتها المستديمة وتشكل خطورة كبيرة بسبب امتلاكها لأحدث الأسلحة التقليدية.

وفي إطار هذا الصراع في البيت الشيعي تفجرت المشاعر العشائرية البدائية بين عشيرة ألبو فتلة وعشيرة ألبو گلل. العشيرة الأولى، التي منها حنان الفتلاوي التي شعرت بإهانة وجهت لها من بليغ أبو گلل أثناء ندوة تلفزيونية، وجهت تهديداً وإنذاراً لمدة 48 ساعة، إلى عشيرة أبو گلل التي ترتبط بتسوية الأمر وإلا فاحتمال بدء لعلعة أصوات الرصاص الذي يعلو فوق صوت الحكمة والمجتمع المدني. وهذا الصراع بين العشيرتين يعني صراعاً بين حزب الدعوة، الذي تنتسب له حنان الفتلاوي، وحزب المجلس الأعلى الذي ينتسب له بليغ أبو گلل. ألا ترون بأن العراق عاد إلى القرون التي سادت فيها العشائرية والفصل العشائري بدلاً من المدنية والمجتمع المدني الديمقراطي؟ إنها لمأساة وكارثة، إنها الرثاثة بعينها!!!      

وفي خضم هذا الصراع المتفاقم في البيت الشيعي بدأت قوى سياسية لا تخرج عن إطار البيت الشيعي، التي لا يمكن أن يخطئ الحدس بشأن تشخيص تبعيتها، بتصعيد عملية التآمر على الوضع الأمني وإشاعة الفوضى والصراع الطائفي، إنها محاولة لـ "ضغبرة الأوضاع" على حد التعبير الشعبي، من خلال تنشيط بعض القوى الأكثر جهلاً والأكثر عدوانية والأكثر إمعة في الركض وراء الحقد الطائفي والمرتبطة، كما يفترض أن يكشف عنها التحقيق المحايد والإنساني، بالقوى التي برهنت في السنوات العشر المنصرمة على إنها الأكثر تشدداً في الصراع الطائفي، والتي أشعلت النيران بدائرة الوقف السني بالأعظمية ووإحراق المنازل أو الهجوم على السكان ...الخ ثم رفع علامة النصر، وكأنهم استطاعوا تطهير العراق من رجس "داعش"، وإذا بهم يتحولون فعلياً إلى نفس الرجس والإجرام الذي يمارسه تنظيم داعش ولكن بهوية شيعية متطرفة وعدوانية.

إن علينا أن لا نكتفي بتشخيص ما حصل كونهم سفهاء أو إنهم مندسون، بل إن وراء ما حصل جهات أخرى تريد التصعيد والصيد بالماء العكر، تريد تصعيد أجواء التوتر ليتسنى لها تنفيذ ما تسعى إليه بإزاحة العبادي من رئاسة مجلس الوزراء لصالح منافسيه أياً كان هذا المنافس أو ذاك. إن من قام بهذا الفعل الإجرامي لا يخرج عن إطار تلك المليشيات الشيعية المسلحة التي أصبحت اليوم جزءاً من الحشد الشعبي ولكن كل منها يحتفظ باستقلاليته وعدد أفراده والسلاح الحديث الذي يستخدمه والذي لا يأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، بل بأوامر الملكي ومن يعلمه السحر!! نحن نواجه قوى رثة هيمنت على العراق وحولته إلى كتلة من الرثاثة المدمرة، وهي رثاثة غريبة عن الإنسان العراقي باني واحد من مهود الحضارة البشرية المشرقة.

كما إن قوى داعش المجرمة قد استطاعت الوصول إلى قلب العراق، إلى العاصمة لتمارس المزيد من التفجيرات أيضاً، وبالتالي لتزيد من تأجيج المشاعر الطائفية المتأججة أصلاً.  

إن أوضاع العراق تنذر بالخطر الكبير بسبب الصراع الدامي الذي تخوضه القوات المسلحة والپيشمرگة وقوات متطوعة ضد عصابات داعش المتوحشة، وبسبب تفاقم المصاعب في تطهير أرض العراق منها ومن رجسها، ولهذا لا بد من إيجاد حلول عملية، لا بد من إنهاء وجود قوتين عسكريتين بالبلاد، قوة الجيش العراقي وقوة الحشد الشعبي الذي قوامه المليشيات الشيعية، ولا بد من معالجة هذه المسألة لكي لا نخلق حرس ثوري مماثل لما هو موجود بإيران بالعراق ويصبح لدينا جيش داخل الجيش. كمالا يجوز وجود دولة داخل الدولة، ولا يجوز وجود سلطتين تنفيذيتين ببغداد، لأن عواقب ذلك ستكون مريعة ومدمرة، وهي الآن على وشك التحول إلى نزاعات مسلحة إضافة إلى ما يجري في الرمادي وفي غيرها من المناطق. إن سلطة حيدر العبادي تواجه اليوم بسلطة نوري المالكي، نائب رئيس الجمهورية والمسؤول الفعلي عن الحشد الشعبي، وهو الأمر الذي يفترض أن ينتهي لصالح العبادي وليس كما يريد نوري المالكي وجناحه المتشدد.

إن المرجعية الشيعية التي اتخذت قراراً تشكيل الحشد الشعبي من المليشيات المسلحة، تتحمل اليوم مسؤولية اتخاذ القرار بأحد الاتجاهين التاليين وهما:

1.   إما الدعوة إلى حل الحشد الشعبي وطلب انتماء الأفراد الراغبين إلى الجيش العراقي والشرطة العراقية وإنهاء دور قيادات تلك المليشيات ومنع وجودهم في القوات المسلحة؛

2.   وإما جعل الحشد الشعبي جزءاً من الجيش العراقي، ولكن بصيغة تنظيمية أخرى أي عبر توزيع الأفراد على الوحدات العسكرية في الجيش والشرطة بحيث لا يشكل جيشاً داخل الجيش العراقي وبدون قياداتهم المتشددة طائفياً.

إن مهمة حيدر العبادي عسيرة وثقيلة دون أدنى ريب، ولكنه إن أراد أن يلتزم بالقسم الذي أداه في خدمة العراق وإنقاذه من الوضع الراهن، عليه أن يعتمد النهج الذي يعاكسه نوري المالكي ومن لفًّ لفه، أن يلتزم بما توحيه مصلحة الشعب العراقي وضميره وليس حزبه أو البيت الشيعي أو أي جهة أخرى، وأن يتخذ المواقف الثابتة والسريعة قبل فوات الأوان.  إن هذا هو الطريق الوحيد لتطهير العراق من رجس المجرمين القتلة أتباع داعش ومن يماثلها.

17/5/215

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 19-05-2015     عدد القراء :  3522       عدد التعليقات : 0