نحن أمام شخص مزور للتاريخ ومشوه للحقائق ومليء بالحقد والكراهية للقوميات الأخرى ولحقوقها المشروعة والعادلة. نحن أمام شخص يعيد طرح فكر البعث الفاشي بصيغة أخرى وفكر الإسلام السياسي الذي يرفض حقوق القوميات الأخرى كما في تركيا وإيران وكلا النظامين ينتميان إلى الإسلام السياسي الطائفي: تركيا: أخوان المسلمين، وإيران الشيعة الصفوية، وهو ما يتجلى في فكر نوري المالكي الذي يدافع عنه وعن سياساته السيد أياد السماوي ومعه بقية وعاظ السلاطين في الداخل والخارج.
سأحاول أن أتناول بعض القضايا التي يحاول بها الإساءة لي شخصياً، ومن ثم أنتقل إلى القضايا العامة وموقفي من القضايا الأساسية بالبلاد ومنها القضية الكردية.
يقول أياد السماي بأن كاظم حبيب يتسلم راتبه كوزير متقاعد من مسعود بارزاني. وهذا محض افتراء وتجني على السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، وعليّ شخصياً. فمنذ سنوات أصدر السيد رئيس الجمهورية العراقية جلال الطالباني قراراً بمنحي تقاعد وزير، ولم يكن السيد مسعود البارزاني. وقد جاء هذا القرار بناء على عدد من الحيثيات التي يحاول البعض من هؤلاء الإساءة ونشر الأكاذيب على من لا يعرف كاظم حبيب ولا الحقائق، رغم أني قد كتبت عن ذلك وفي الحوار المتمدن وصوت العراق والناس ومواقع أخرى، ولكن القاعدة العامة التي سار عليها والتزم بها حزب البعث ومن والاه أو من تثقف في فترته وسار على درب أفكاره تقول "اكذبوا ثم اكذبوا ثم أكذبوا لعل بعض أكاذيبكم تعلق بأذهان الناس!!":
1. كنت منذ العام 1969 أدرس في الجامعة المستنصرية بدرجة أستاذ مساعد حتى العام 1975، وفي هذا العام جرى نقلي وتسيبي إلى المجلس الزراعي الأعلى بدرجة خاصة ومتفرغ وبعيداً عن التدريس في الجامعة والاحتكاك بمئات الطلاب سنوياً بالطلاب والتأثير فيهم علمياً. اعتقلت في العام 1978 بسبب نقدي الصارخ لسياسات البعث العامة والاقتصادية منها على وجه الخصوص وعواقب ذلك على العراق ونشر النقد في جريدة طريق الشعب، وبسبب اتهامي للبعث بالفاشية أمام عضو القيادة القطرية طاهر العاني بعد تنفيذ مجزرة إعدام 32 مناضلاً شيوعياً وديمقراطياً عراقياً بتهمة نشاطهم في القوات المسلحة. وأثناء الاعتقال وممارسة التعذيب ضدي، أحالني نظام في ربيع العام 1978. أحالني الحكم البعثي وأنا في المعتقل على التقاعد مع تخفيض درجتين وظيفيتين وحرماني من الراتب التقاعدي في آن.
2. بعد فترة من إطلاق سراحي ومغادرتي إلى الجزائر بشكل هادئ، وجهت لي حكومة البعث الفاشية تهمة إهانة الثورة ومجلس قيادة الثورة وأحيلت أوراقي محكمة الثورة البعثية، وكان الحكم في مثل هذه التهمة هو الإعدام.
3. عينت في جامعة الجزائر في العام 1979 بدرجة أستاذ في العلوم الاقتصادية لأبحاثي العلمية وحملي شهادتين دكتوراه في العلوم الاقتصادية D DSc. وبقيت في التعليم حتى صيف عام 1981. وكنت أمنح راتباً يفوق ما أتسلمه حالياً كوزير متقاعد.
4. في العام 1981 تركت التعليم في جامعة الجزائر، رغم إلحاح وزارة التعليم العالي على بقائي، وغادرت إلى إقليم كردستان العراق للمشاركة في حركة الأنصار الشيوعيين العراقيين المناهضين لفاشية صدام حسين وحزبه. بقيت في حركة الأنصار ما يقرب من خمس سنوات من أواخر 1981 حتى شتاء 1984 وخريف 1987 وصيف 1988 في الكفاح المسلح ضد الدكتاتورية البعثية الغاشمة.
5. لو كان الراتب هو المحك لفكري ونهجي السياسي، لكان قد وافقت على سياسات البعث، كما انتهى إلى ذلك البعض من الناس، ولما رفضت العرض بالحديث أصلاً مع من أرسله صدام حسين وشبلي العيسمي في العام 1980 إلى الجزائر ليطرح عليًّ منصب وزير أو أي منصب أختاره فقط لكي أعود إلى العراق. أخبرت الشخص الذي أرسلاه لي بأني غير مستعد للحديث بهذا الموضوع أصلاً. وعلى أثر ذلك صودر بيتي ببغداد، ومن ثم توجهوا لإيذاء عائلتي انتقاماً مني فاعتقلوا وقتلوا بان أختي الطبيب عبد الصاحب هادي مهدي، وفيما بعد أخي الدكتور مهدي حبيب.
حين منحت هذا الراتب من قبل السيد رئيس الجمهورية، رجوت من بلغني ذلك أن يمنح لمن يستحق ذلك غيري ومن هم أحوج مني، ولكن قيل لي من السيد رئيس الجمهورية بأن هذا حقك المشروع.
الرواتب بالعراق، سواء أكانت تدفع ببغداد أم بمحافظات الإقليم أم بالمحافظات الجنوبية والوسطى والشمال، فكلها تدفع من الميزانية الاعتيادية للدولة العراقية، وهو حق مشروع لكل إنسان عمل أو يعمل بالدولة. فلو قام السيد أيا السماوي بحساب فترة دارستي ودرجاتي العلمية ابتداءً من البكالوريوس فالماجستير فشهاديتي الدكتوراه وسنوات تدريسي والوظيفة وسنوات السجن والإبعاد في العهد الملكي في الخمسينيات وما تعرضت له في زمن البعث المجرم وسنوات النضال في حركة الأنصار وفي المنفى والذي لم أطالب به، لزاد راتبي عما يجري الحديث عنه وكأن تسلمي راتباً بقرار من السيد رئيس الجمهورية إساءة لي. إن الحديث بهذا الموضوع وبالطريقة التي مارسها أياد السماوي ومن يماثله عيب عليهم خاصة وأنهم يحاولون اتخاذ ذلك ذريعة لشتمي وشتم رئاسة إقليم كردستان العراق. إنها فاقة فكرية بكل معنى الكلمة ولكن هذا هو مستوى النقاش لدى البعض حيث يصبح مهاترة لا غير!
يعتقد السيد أياد السماوي بأن موقفي من المسألة الكردية ومن حق تقرير المصير جديد وبدأ مع تسلمي لراتب بدرجة وزير متقاعد. هذه مغالطة سيئة ومشينة، إذ أن موقف الشيوعيين العراقيين الأممي والمبدئي والمشرف كان وما زال وسيبقى هو الاعتراف الكامل بحق الشعوب في تقرير مصيرها، ومنها الشعب الكُردي. وحق تقرير المصير كما أشرت في مقالي السابق يمكن أن يتخذ شكل إدارة ذاتية، أو حكم ذاتي، أو فيدرالية، أو كونفدرالية، أو حق الانفصال عن الدولة التي فيها هذه القومية أو تلك وإقامة الدولة الوطنية. وبالتالي فالفدرالية خطوة متقدمة من خطوات حق تقرير المصير. والشعب الكُردي وكل قياداته السياسية وأحزابه قرروا البقاء ضمن الدولة العراقي منذ العام 1992 حين اتخذ في البرلمان الكردستاني قرار إقامة الفيدرالية الكردستانية. ومنعت الحماية الدولية نظام البعث الدموي على شن حرب جديدة ضد الشعب الكردي.
ومنذ سقوط الدكتاتورية ونشوء النظام السياسي الطائفي المشين بالعراق مارس إبراهيم الجعفر ومن ثم نوري المالكي منذ العام 2004/2005 سياسات غير حكيمة من جانب الحكومة الاتحادية وردود أفعال من جانب رئاسة وحكومة الإقليم قادت إلى نشوء وضع استثنائي وغياب الثقة المتبادلة ومشكلات النفط والرواتب وما إلى ذلك مما دفع رئاسة الإقليم المطالبة بممارسة حقهم المشروع في تقرير المصير. حتى الآن لم يقرر الشعب الكردي ولا القيادات والأحزاب الكردية موضوع إقامة دولة كردستانية بل هم باقون على الفيدرالية، وهم ينتظرون من الحكومة الاتحادية سياسات أكثر وعياً بالمشاركة الفعالة في الدولة العراقية وبعيداً عن التمييز والتهميش والإقصاء. عندها سيجد الناس موقفاً آخر من الكُرد أيضاً.
واعتقاد السيد أياد السماوي بأن هذا الموقف لكاظم حبيب ناشئ عن هذا الراتب جعله يعتقد بأني مستكرد. أنا عربي القومية وعراقي المواطنة وسأبقى كذلك، ولكني أممي النهج والتفكير والمواقف وأرفض أن أكون قومياً شوفينياً كالتي تلبست السيد أياد السماوي وجعلته حاقداً وكارهاً للكُرد بحيث تصورني مستكرداً ويردد أقوال النظام السابق، نظام البعث في إساءاته للكُرد ولمن كان يقف مع الكُرد في الدفاع عن قضيتهم العادلة والمشروعة، في الاعتراف لهم بحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم وليس بوصاية من أمثال هذا السيد وغيره. كم يصبح الفرد بائساً في تفكيره حين يصبح إما قومياً شوفينياً أو طائفياً متعصباً أو الاثنين معاً.
حين طرح جو بايدن منذ سنوات فكرة إقامة سبع فدراليات وقفت ضدها وبحزم وكتبت عدة مقالات ضد هذه التجزئة. وحين طرح قيام ثلاث فيدراليات كردية وعربية شيعية وعربية سنية كنت ضدها بحزم أيضاً وناقشت السيد الفقيد عبد العزيز الحكيم حول طرحه لمشروع فيدرالية الجنوب "الشيعي". والآن أقف ضد مشروع جو بايدن ومشروع الفيدراليات الثلاث، ولكن أنا مع فيدراليتين في إقليم كردستان وفي باقي المنطقة العربية. ولكن وحين يرى الكُرد بأن العيش مع العرب لم يعد ممكناً بسبب سياسات الحكومة والأحزاب الحاكمة ببغداد، وليس العرب كجماهير، عندها ينبغي علينا إما أن ندعو إلى تغيير السياسات بما يساعد على العيش المشترك أو الموافقة على ممارسة حق تقرير المصير.
القدرة على التفاهم والتفاعل وتعزيز الثقة المتبادلة هو الطريق الوحيد للبقاء المشترك في الدولة العراقية وهي مسؤولية الطرفين، ولكن وبالدرجة الأساسية مسؤولية الحكومة الاتحادية، ولكن لا يقلل من أهمية دور ونهج وسياسات حكومة الإقليم. أنا من دعاة وحدة العراق بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه، ولكن حين يكون الحكام من أمثال صدام حسين ونوري المالكي يصبح العيش المشترك صعباً للغاية.
انتهت الحلقة الأولى وتليها الحلقة الثانية.
20/5/2015