الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
عودة إلى فكر البعث والإسلام المتشدد: أياد السماوي نموذجاً - الحلقة الثالثة

أياد السماوي وإساءاته لي وللحزب الشيوعي العراقي

أؤكد من جديد بأن الحزب الشيوعي العراق ومنذ تأسيسه في 31 أذار/مارت 1934، وحتى قبل ذاك حين كانت هناك حلقات ماركسية في بغداد والبصرة والناصرية وغيرها تشكل منها هذا الحزب العتيد، تحول إلى مدرسة شعبية للنضال الوطني والديمقراطي وفي سبيل مصالح الشعب الكادح، الطبقة العاملة والفلاحين وفئات البرجوازية الصغيرة والطلبة والمثقفين، التي خرجت عشرات ألوف المناضلين الشجعان الذين قدم الكثير منهم زهرة شبابه بل وحياته في سبيل قضايا الاستقلال والسيادة الوطنية والديمقراطية وضد الاستغلال الإقطاعي والرجعية وضد العنصرية والشوفينية والطائفية والتمييز الديني والتمييز ضد المرأة وفي سبيل التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. وأكرر يشرفني أني التحقت بالحزب الشيوعي العراقي في فترة مبكرة من صباي حين كنت ما أزال في الصف الثاني في ثانوية كربلاء. وإذ أحمل فكراً ماركسياً فأنا مدين لهذا الحزب بالكثير من المعارف والخبرات التي اكتسبتها سواء حين عضواً في القاعدة أم كادراً حزباً في ظروف العمل السري والعلني أم حين كنت واحداً من القياديين في الحزب حتى العام 1990.  

وهذا الحزب الذي يحقد عليه السيد أياد السماوي ويقطر سموماً ضده من جهة، ويتباكي على شهداء الحزب الذين سقطوا في ساحات النضال الوطني والاجتماعي وفي سبيل مصالح الشعب والكادحين منه على وجه الخصوص ليدين الحزب من جهة أخرى، هذا الحزب، الذي يعتبر اليوم أعرق حزب عراقي قائم على الأرض العراقية ولم ينقطع يوماً واحداً عن النضال في كل الظروف والأحوال السيئة التي مرَّ بها العراق، وهو مفخرة لكل الناس الوطنيين والديمقراطيين والطيبين من أبناء وبنات الشعب العراقي بكل قومياته الذين يعون معنى الوطنية والنضال الوطني. ولم يكن غريباً أن يرفض المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الموسوي إدانة الحزب الشيوعي العراقي في العام 1947/1948 حين طلب منه ذلك مؤكداً وطنية هذا الحزب. إن أعداء الحزب قبل الأصدقاء يعترفون لهذا الحزب نضاله الوطني في سبيل مصالح الشعب العراقي. وكانت مواقفه الوطنية سبباً في استشهاد قيادته الأولى وأعضاء مكتبه السياسي والكثير من قادته في العام 1949 بعد أن حصل الجزر في الحركة الوطنية العراقية في أعقاب وثبة كانون المجيدة التي أسقطت معاهدة بورتسموث التي أرادت وزارة صالح جبر عقدها مع بريطانيا وبعد أن شكل نوري السعيد وزارته العاشرة في شتاء العام 1949 واحتفظ بوزارة الداخلية لنفسه، إذ كان واحداً من الأهداف الأساسية لهذه الوزارة السعيدية هو تنفيذ أحكام الإعدام بحق قيادة الحزب الشيوعي العراقي بأمل تصفية الحزب ولكن المناضلون الشيوعيون أسقطوا هذا الهدف الشرير.

1.   حول سياسات الحزب الشيوعي العراقي

لن أسرد تاريخ وتراث الحزب الشيوعي النضالي فالكثير من العراقيات والعراقيين الواعين يعرفون ذلك جيداً. لقد كان الحزب الشيوعي ضحية في الصراع مع حزب البعث والقوى القومية اليمينية المتطرفة، وليس كل القوميين، حين نفذت تلك القوى انقلاب شباط/فبراير 1963 وحين وقعت القيادة المميزة للحزب الشيوعي العراقي في قبضة العدو الشوفيني والعنصري والمعادي للشيوعية والتي على إثرها استشهد الكثير من أعضاء القيادة والكوادر وأعضاء وأصدقاء الحزب في قبضة العدو الشرير وقتل أغلبهم تحت التعذيب الوحشي.

وفي كل مرة كان الحزب الشيوعي العراقي ينهض ثانية ليواصل حمل راية النضال الوطني والديمقراطي في وجه أعداء الشعب والمناهضين للحياة الديمقراطية. فالشعب العراقي لم يبخل بمد هذا الحزب بالمزيد من المناضلين والمناضلات الذين كانوا كل مرة يعيدون بناء الحزب ويواصلون المسيرة النضالية بعزم وحرص كبيرين.

حين نستعيد فترة وصول البعث إلى السلطة ثانية في العام 1968 عبر انقلاب القصر رفض الحزب الشيوعي العراقي مدّ يد التعاون مع حزب البعث وأصر على أن يتخذ حزب البعث السياسات التي تخدم الشعب من أجل أن يدلل على تغيير نهجه الدموي والشوفيني إزاء الشعب والوطن الذي مارسه في انقلاب 1963. وخلال الفترة الواقعة بين 1968 و1971 تلقى الحزب ضربات قاسية من سلطة وأجهزة أمن البعث وخاصة في أكتوبر 1968 وفي أعقاب انتهاء مؤتمره الثاني 1970 والذي لم يذكر موضوع التعاون مع البعث بل أصر على مواقفه السابقة التي تدعو حزب البعث إلى تغيير نهجه الذي برز في العام 1963. لقد تعرض الكثير من رفاقه القياديين وكوادره إلى الاغتيال أو القتل تحت التعذيب، ولكن الحزب لم يتراجع عن موقفه، إلى أن حاول حزب البعث أن يبدو وكأنه قد غيَّر سياساته حين أقام العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا الديمقراطية وعقد اتفاقية آذار في العام 1970 واعترف بالحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق، ثم أصدر قانون الإصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1971 وكذلك قانون العمل والعمال ثم جاءت معركة تأميم مصالح شركات النفط الاحتكارية وأخيراً محاولة انقلاب المجرم ناظم كزار وإغلاق معتقل قصر النهاية، إضافة إلى عقد اتفاقية اقتصادية وسياسية مع الاتحاد السوفييتي في العام 1972 مما جعلت إمكانية التعاون مع حزب البعث ممكنة بالنسبة لقيادة الحزب حينذاك.

جاءت موافقة الحزب على خلفية هذه السياسات والإجراءات، علماً بأن الحزب الشيوعي لم يكن موحداً في الموقف من التحالف مع حزب البعث، ولكن غالبية القيادة كانت مع هذا التعاون، في حين كانت نسبة المتخوفين والمعارضين للتحالف مع البعث في القاعدة الحزبية وبين أصدقاء الحزب والقوى الديمقراطية العراقية أعلى وأوسع مما كانت عليه في قيادة الحزب وكوادره. ولم يكن هناك خلاف أو اختلاف بهذا الصدد، سواء أكان في المكتب السياسي أم في سكرتارية اللجنة المركزية. وحين نلقي نظرة على الفترة المنصرمة ومن جانبي استطيع القول وبكل ثقة بأن قرار التحالف مع حزب البعث لم يكن سليماً، رغم إني كنت مع هذا التحالف من منطلق فيه شيء من السذاجة بما يمكن توفير شروط أفضل للتأثير بالاتجاه الصحيح لتطور العراق وإبعاد الشعب عن تحمل كوارث جديدة. ولكن هذا الموقف بالنسبة لي كان خاطئاً ولم يدم التحالف طويلاً، إذ سرعان ما تعرض الحزب إلى المزيد من الضربات، خاصة بعد أن تصدى الحزب لسياسات النظام الدكتاتوري البعثي الداخلية والعربية والدولية. ومن ثم الهجوم على الحزب الشيوعي العراقي وقطع العلاقة مع حزب البعث وسحب وزيريه من الوزارة. وفي أكثر من مقال وفي كتابي الموسوم " الفاشية التابعة في العراق" انتقدت نفسي على موقفي حينذاك وأشرت إلى الخطأ الذي وقعنا فيه في التحالف مع حزب البعث.

في التقييم الذي صدر عن الحزب الشيوعي العراقي في العام 1985 أشار إلى ما يلي:

"إن تجربة التحالف مع حزب حاكم كانت الأولى من نوعها في ممارسات حزبنا النضالية، وكان على حزبنا خوضها بثقة لا تتزعزع بقدرته على تحقيق مكتسبات هامة للجماهير ولقضية النضال ضد الامبريالية، وتعزيز مكانته في الحياة السياسية للبلاد، وبقدرته على الصمود والحفاظ عل استقلاله السياسي والتنظيمي والإيديولوجي".، مع إن الوثيقة تنتقد السلوك السياسي العملي للحزب في إطار الجبهة. وهو ما أشار إليه الرفيق والصديق جاسم الحلوائي في أكثر من مقال له منشورة في الحوار المتمدن حول تجربة التحالفات الجبهوية أو في مناقشاته مع بعض الكتاب. ولكني أختلف في هذا التقييم وأختلف مع العزيز أبو شروق، مع احترامي لتقييم الحزب وتقييمه، وأؤكد بأن التحالف كان خطأ فادحاً والتكتيكات التي مورست كانت هي الأخرى خاطئة أدت إلى تحمل الحزب عواقبها قبل غيره. وقد جرى هذا التحالف في فترة معقدة وفي أجواء محلية وإقليمية ودولية ضاغطة دفعت بالحزب إلى التوقيع على بيان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية وإعطاء التزامات ثقيلة غير مبررة بما فيها الابتعاد عن العمل في القوات المسلحة أو حل الشبيبة واتحاد الطلبة مثلاً.

من المستحيل أن نجد حزباً سياسيا فاعلاً ومؤثراً وبهذا العمر المديد الذي تجاوز 81 عاماً من دون أن يرتكب هنا وهناك بعض الأخطاء في مجرى العملية النضالية وفي ظروف قاسية جداً، وسواء أكانت تلك الأخطاء كبيرة أم صغيرة. وقد تحمل الحزب من جراء ذلك تبعات تلك الأخطاء قبل غيره. ولكن الحزب الشيوعي العراقي كان الحزب الوحيد من بين الأحزاب العراقية الذي امتلك الجرأة والشجاعة على انتقاد نفسه حين ارتكب خطأ هنا أو هناك. ولكن يشم الإنسان في مقالة السيد أياد السماوي رائحة كريهة، رائحة الشماتة لما تعرض له الحزب الشيوعي العراقي من ضربات موجعة، وفي ذات الوقت يتباكى ويذرف دموع التماسيح على شهداء الحزب، ولكن دون أن يجرأ بإدانة حزب البعث الذي ارتكب تلك الجرائم. إن حشر اسم الحزب الشيوعي العراقي في مقال كتبه السيد أياد السماوي ضدي وباتجاه الإساءة المتعمدة والوقحة لحزب وطني مناضل يعترف بذلك الأعداء والأصدقاء لا معنى له وغير مبرر، رغم إشارتي السابقة بأن لا صلة للحزب بمقالي أو أفكاري التي أعبر عنها في مقالاتي. إلا إن من امتلأ قلبه وعقله بالحقد والكراهية لا يستطيع إلا أن يكون هكذا، وهو ليس وحده بهذا الأمر فهناك بعض ضعاف النفوس أيضاً، ولهذا قررت الردّ عليه. النقد شيء ومحاولة الإساءة شيء آخر!

2.   حول الأنفال والجحوش (الفرسان أو أفواج وسرايا الدفاع الوطني ...الخفيفة , جحوش , صداميين أكراد )

لنبدأ أولاً ونشير إلى عدة مسائل جوهرية في موضوع الأنفال والجحوش ونؤكد ما يلي:

أ‌.   إن عمليات الأنفال التي انطلقت في شباط/فبراير من عام 1988 وانتهت في شهر تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام كانت من تخطيط وتنظيم وإشراف مباشر من قيادة حزب البعث وسلطته الدكتاتورية وصدام حسين وعلى حسن المجيد.

ب‌.   إن القوات المسلحة العراقية كانت المسؤولة عن تنفيذ هذه العمليات الإجرامية والمشرفة عليها، على وفق ما جاء في شهادات المتهمين والشهود في محاكمات الأنفال.

ت‌.   وكانت هناك مشاركة واسعة وكبيرة فعلاً من قبل الجحوش الكرد الذين أطلق عليهم النظام العراقي اسم "الأفواج الخفيفة أو سرايا الدفاع الوطني" وكان الناس يطلقون عليهم اسم الجحوش أو الصداميين الكرد. وقد بلغ عدد الأفواج 500 فوجا وليس 50 فوجاً، وعدد أفراد هذه الأفواج 480000 فرداً على وفق شهادة هاشم سلطان في محكمة الأنفال.

ث‌.   من المؤسف والمضر حقاً إن القيادة الكردستانية لم تحاسب قيادات تلك الأفواج وليس بالضرورة أفرادها الذين جندوا في تلك الأفواج باعتبار أغلبهم كان ضمن عمليات التجنيد الإجباري. إذ إن عدم محاسبة هؤلاء يقود إلى عواقب وخيمة على الشعب الكردي وعلى الجانب التربوي الأخلاقي والوطني. وليس هناك من لا يدين هؤلاء قادة الجحوش الذي ألحقوا أضراراً فادحة بالشعب الكردي وبسكان المجمعات السكنية من إساءات ونهب وسلب وقتل أيضاً.  

إن المسألة المركزية عند البحث في هذا الموضوع هي الإدانة التي يفترض أن تشمل جميع من شارك في عمليات الإبادة الجماعية للكُرد من منطلق الحقد العنصري والتطهير العرقي والثقافي للشعب الكردي أولاً وقبل كل شيء. وبعدها نطالب بمحاسبة كل الذين شاركوا في قيادة هذه العمليات من القوات المسلحة بمن فيهم قادة الجحوش الأوباش الذين خانوا شعبهم وساهموا في عمليات إبادة جماعية ضده. وما يؤخذ على القيادة الكردستانية هو قرار العفو عن هؤلاء قادة الجحوش "عفا الله عما سلف!" لم يكن مناسباً وسليماً في كل الأحوال، ويمكن أن يشمل العفو الجنود العرب والجحوش الأفراد من غير القادة ومن لم يرتكب جرائم فعلية بحق الناس الكرد أو غيرهم من سكان إقليم كردستان العراق. (من المفيد للجميع قراءة المقال الذي كتبه الكاتب والفنان التشكيلي والمناضل شمال عادل سليم، وهو ابن القائد الشيوعي العراقي عادل سليم، ونشره في جريدة ريگاي كردستان، جريدة الحزب الشيوعي الكردستاني، ويجده الراغب في مطالعته على الإنترنيت.  

إن المسؤول الأول عن تلك الجرائم هو صدام حسين وطغمته، وعلى رأسهم علي كيماوي، وحزبه وأولئك القادة الذين نفذوا تلك العمليات، سواء أكانوا من العرب أم الكرد أم من أية قومية أخرى، فالجرائم التي ترتكب لا يميز القانون بين المخططين والمنفذين لها سواء من كان منهم عربياً أم كردياً أم غيرهما.

بناء على رجاء الكثير من الأصدقاء الكرام سأنهي مناقشتي للسيد أياد السماوي بهذا القدر ولن أعود إليه.

انتهت الحلقة الثالثة وبها ينتهي المقال.  

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 27-05-2015     عدد القراء :  3615       عدد التعليقات : 0