الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل، وكيف، يمكن الانتصار على تنظيم داعش الإجرامي عراقياً؟

من عواقب الذكرى الأولى لاجتياح الموصل

المواطنات والمواطنون الحريصون على وطنهم المستباح بالإرهاب والطائفية والفساد والمحبون لشعبهم المغتصب والمسبي حالياً ومنذ سنوات لا بد أن يطرحوا على أنفسهم هذان السؤالان: هل يمكن الانتصار على تنظيم داعش الإجرامي بالعراق؟ وإذا كان الجواب بنعم، كيف سيتحقق هذا الانتصار؟ أرى بأن إجابات بنات وأبناء الوطن عن هذين السؤالين ستكون متباينة على وفق عدد من العوامل الفاعلة والمؤثرة على الإنسان العراقي في هذه المرحلة الحرجة جداً من تاريخ العراق الحديث، منها مثلاً الخلفية الفكرية والسياسية والوعي الاجتماعي ومدى إدراك لواقع العراقي وما جرى ويجري فيه منذ عقود. ولكي لا أتطرق إلى من ناقشتهم في هذا الصدد واستمعت إلى وجهات نظرهم، أحاول هنا تسجيل رأيي الشخصي لكي لا أحمل غيري تبعات ما أفكر فيه وأكتبه وأنشره.

تشكلت لدي القناعة بأن الانتصار على قطعان داعش المتوحشة وطردهم من البلاد أمر ممكن. ولكن هذا الأمر خاضع لمسألتين أساسيتين تحدثت عنهما في كلمة قصيرة ألقيتها في التجمع العراقي الذي حصل في يوم الذكرى السنوية الأولى لوقوع الكارثة (10/6/2015) ببرلين وفي ساحة الكسندر بلاتس وقلت فيها: على كل مواطن ومواطنة بالعراق والخارج أن يفكر بالسؤالين التاليين وأن يجيب عنهما بكل صراحة ووضوح وهما:

أولاً: ما هي العوامل أو الأسباب الأساسية التي أوصلت العراق إلى هذا الحضيض وإلى حصول هذه الكارثة المرعبة، كارثة اجتياح الموصل ومناطق واسعة من محافظة نينوى ومن ثم أجزاء من كركوك وصلاح الدين والأنبار وديالى؟

ثانياً: ما هي العوامل أو المستلزمات التي يفترض توفيرها لتحقيق النصر على هذا الطاعون الأصفر وتحرير أرض العراق من دنس الداعشيين الأوباش وإعادة عائلات شعبنا إلى مناطق سكناهم ثانية واستعادة من غادر العراق؟

في مقالي الأول الموسوم " في الذكرى السنوية الأولى لاجتياح الموصل وعواقبه! تحدثت بوضوح عن العوامل التي أدت إلى سقوط العراق في هذا المستنقع وشخصتها بوجود الاحتلال وعواقبه والنظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية والفساد العام والمليشيات الطائفية المسلحة كافة التي مارست الإرهاب بالعراق وفي ظل حكومة بائسة ورئيس حكومة اتحادية مارس سياسات طائفية واستبدادية وفاسدة ورعناء بامتياز. وهي السياسات التي جسدت وتجسد سماته الشخصية ورثاثة تكوينه الفكري والسياسي والاجتماعي حتى الآن. وإن استمرار هذه السياسة كفيل ببقاء العراق عرضة ومرة أخرى لما حصل بالموصل وفي مناطق أخرى من العراق.

وفي هذا المقال سأتحدث عن ضرورة إزالة العوائق والعراقيل الرئيسية التي كانت وما تزال تقف حجر عثرة جدية في طريق النضال السياسي والعسكري والإعلامي وتوفير مستلزمات تحقيق الانتصار على هذه الحثالة من المجرمين الأوباش الذين يعيثون بالعراق فسادا وقتلاً وتدميراً.

العوائق التي تواجه العراق تتوزع على عدد من المستويات الأساسية هي:

1) العوائق الفكرية المرتبطة بفكر القوى الإسلامية السياسية الشيعية والسينية الطائفية الحاكمة بالبلاد والتي تتصارع على السلطة حتى في هذا الوضع الشائن وغيبت عملياً هوية المواطنة العراقية لصالح الهويات القومية والدينية والمذهبية الفرعية وما نشأ عن ذلك من عواقب وخيمة. ولهذا فلا بد للعراق أن يعتمد مبدأ المواطنة العراقية المشتركة الموحدة والمتساوية. وهذا لا ينفي بأي حال وجود هويات فرعية محترمة ولكن لا يحق لها أن تقفز على الهوية الوطنية وتطعنها بالصميم. لا بد أن تسود في العراق القاعدة الأساسية القائلة "الدين لله والوطن للجميع".

2) القوى السياسية الطائفية المتشددة والانتقامية التي تقف حجر عثرة في طريق التوجه صوب التغيير والعمل الجاد لتحقيق المصالحة الوطنية وتأمين الوحدة الضرورية لمواجهة قوى الإرهاب الداعشي. وهنا تبرز إلى الواجهة وقبل غيرها من القوى الكتلة الجديدة التي شكها نوري المالكي منذ إجباره على تسليم السلطة إلى الدكتور حيدر العبادي. هذه الكتلة تضم نوري المالكي (رئيس حزب الدعوة الإسلامية ونائب رئيس الجمهورية ومسؤول الحشد الشعبي)، وهادي العامري (قائد منظمة بدر المسلحة)، وقيس الخزعلي (قائد ميليشيات عصائب أهل الحق المسلحة) وعباس المحمداوي (أمين عام كتائب حزب الله بالعراق المسلحة)، إضافة إلى قادة ميليشيات مسلحة شيعية صغيرة وكبيرة أخرى دخلت كلها وبكياناتها وقادتها في الحشد الشعبي. ويقف على رأس هذا الحشد الشعبي قاسم سليماني بلا منازع. يضاف إلى ذلك وجود سرايا السلام المسلحة (ميليشيات جيش المهدي سابقاً) والتي يقودها مقتدى الصدر، رغم خلاف الأخير مع نوري المالكي بشكل خاص، ولكن قواته تتناغم مع بقية المليشيات في مواقفها العامة من إيران ومن دور قاسم سليماني في كونه الموجه والمشرف والقائد لهؤلاء وعلى رأس الحشد الشعبي الذي يقوده في الجبهة هادي العامري. ولا شك أن بين هؤلاء صراعات ومصالح ذاتية متباينة ولكنها تلتقي في العداء للسنة والكُرد والمجتمع المدني والديمقراطية من طرف، ولداعش من طرف آخر وتريد كلها السيطرة المنفردة على الحكم لفرض شريعتها على الناس! إن هذه القوى تعرقل أي إجراء مطلوب باتجاه التغيير والمصالحة أو تعزيز دور أبناء السنة في المعارك الجارية ضد داعش وتعطيل تشكيل الحرس الوطني أو تزويدهم بالسلاح وتحت حماية ورقابة القوات المسلحة العراقية. وتشير الكثير من المعطيات إلى وجود نية قوية لدى الثلاثي المشار إليه للتخلص من حيدر العبادي وتكليف إما هادي العامري أو العودة إلى نوري المالكي الخائب والذي ينتظر يومياً تنفيذ انتقامه ضد العبادي وضد كل من وافق على إزاحته من السلطة. ويمارس نوري المالكي دور القائد الثاني الموجه لهذا التكتل الجديد الذي يمارس كل شيء من أجل التخلص من العبادي والعودة إلى الحكم.

وقد توفرت لنوري المالكي فرصة ذهبية بتشكيل هذه الكتلة الطائفية المتطرفة بعد أن وفرت له فتوى السيستاني الأرضية الصالحة بإعلان جهاد "فرض كفاية"، فأصدر قراره بتشكيل الحشد الشعبي، إذ أصبح اليوم شبيهاً بقوات حزب الله بلبنان والتي تقاد من قادة عسكريين إيرانيين أيضاً، علماً بأن الكثير جداً من الدلائل تشير إلى مسؤوليته الرئيسية والأساسية عن اجتياح الموصل واحتلالها من قبل عصابات داعش. وهناك الكثير من التحليلات المهمة التي تشير إلى إن المالكي كان يرغب بوقوع مثل هذه الكارثة ولكن ليس على هذا الشكل من الاجتياح التام، ليعلن عن قدرته في مواجهة هؤلاء، إذ صرح في حينها إنه سيطردهم من الموصل خلال 24 ساعة فقط، عندها سيكون البطل الذي حرر أتباع المذهب السني من عصابات داعش!!! بئس الفكر وبؤس حامله وبقية حامليه!

3) إن هذا التحالف الجديد الذي يستند إلى قادة الحشد الشعبي، يعتمد أيضاً على حفنة غير قليلة من الإعلاميين ووعاظ السلاطين الكتبة المرتزقة الذين يسيطرون على أجهزة الإعلام الحكومية فعلياً ويمارسون الدعاية والإعلام الطائفي ويشكلون تهديداً خطيراً لوحدة العراق وشعبه. فلا بد من تفتيت وتشتيت هذه الكتلة وإعلامها الانتهازي المتلون، ولكن الثابت من حيث المبدأ على طائفيته الوقحة وسلوكه المشين في الدعاية للمالكي وجماعته. إن استمرار هذه الجماعة الإعلامية سيقود إلى خسائر فعلية، لأن الإعلام يشكل جزءاً حيوياً من المعركة السياسية والعسكرية والنفسية التي يفترض أن يخوضها العراق بنجاح، إذ لا يجوز التغاضي عنها.

4) إيجاد حل عملي وسريع لتشكيل الحرس الوطني ووضعها مع الحشد الشعبي الراهن تحت قيادة الجيش العراقي واختيار قيادات غير طائفية ومستقلة ومهنية ترفض التدخل بشؤونها من سليماني أو نوري المالكي وإزاحة بعض القيادات السابقة المسؤولة عن جرائم ارتكبتها قبل ذاك وتطهير الحشد الشعبي من الطائفيين الذين مارسوا القتل بعد تحرير صلاح الدين وتقديمهم للمحاكمة.

5) ضرورة البدء الملحة بتحقيق مصالحة وطنية من خلال تشكيل حكومة وطنية جديدة بقوام جديد مهني بشكل خاص، حكومة يبقى رئيسها العبادي ولكنها لا تخضع لمثل هذه المحاصصة الطائفية والأثنية المذلة لكل العراقيات والعراقيين. لا يكفي الحديث العام عن ذلك، بل لا بد من فعل مباشر لتحقيقه وإلا سيستحيل توفير الأرضية الصالحة لتطهير العراق من عصابات داعش المسلحة حتى الأسنان والمتوحشة والمتعطشة للقتل والسبي والاغتصاب والنهب. وعلينا أن نؤكد بأن هذا التكتل الثلاثي نوري – هادي – قيس، وقاسم سليماني على رأسه، سيعرقل كل جهد حقيقي موجه لتحقيق المصالحة الوطنية ووحدة الشعب العراقي، فالفرقة هي المطلوبة والصراع هو المنشود لفرض الحل الطائفي الصفوي على العراق وجعل بغداد عاصمة الدولة الإسلامية شكلياً وطهران عملياً. ومن صرح بذلك كان وما يزال أحد كبار أقطاب الحكم بإيران ولم يكن زلة لسان بل التعبير الحقيقي عن الرغبة الجامحة والعمل المنظم والمخطط من أجله!

فمنذ سنوات كثيرة يجري الحديث عن المصالحة وتقدم المقترحات والبرامج وتعقد اللقاءات بين رؤساء الكتل والأحزاب دون طائل، لأن هناك تخندقاً متصارعاً شيعياً وسنياً لا من الشعب بل من قادة هذه الكتل والأحزاب ولهذا لم يصلوا إلى نتائج إيجابية. ولن يصلوا إن تواصل هذا التخندق الطائفي المشين وهذا الحماس الجامح والمؤذي لقاعدة المحاصصة.

6) إن أوضاع الجيش العراقي وبقية القوات المسلحة بشكل عام ما تزال بعيدة جداً عن المطلوب من عدة نواحي:

أ. غياب الفكرة الوطنية إذ حلت محلها الفكرة الطائفية والولاء الطائفي على حساب الولاء للوطن والشعب كله دون تمييز بين مواطنيه وبين أقاليمه ومحافظاته.

ب. ضعف التدريب العسكري والطاعة الواعية لدى القوات المسلحة. وهذا يعود إلى ضعف القادة العسكريين المهنيين وفساد الكثير منهم وطائفيته التي لا تسمح باحترامه وتعاملهم غير السليم مع أفراد القوات المسلحة.

ج. غياب القيادة المشتركة والموحدة لكل القوات المسلحة والفصائل والمتطوعين والپيشمرگة لخوض المعارك على وفق إستراتيجية وتكتيكات عسكرية وسياسية وإعلامية موحدة ضد عصابات داعش، وبدون ذلك يستحيل تحقيق النصر المؤزر والسريع عليها وتقليل التضحيات والتدمير الواسع وتقليص الخسائر الفادحة لتراث العراق الحضاري.

د. يبقى أمام الحكومة العراقية وحكومة إقليم كُردستان مسؤولية محاسبة كل السياسيين والعسكريين المسؤولين عن انسحاب القوات العسكرية من الموصل والرمادي والپيشمرگة من سنجار وزمار بتقديمهم إلى المحاكمة لنيل العقاب العادل لما تسببوا به من عواقب وخيمة على العراق والمجتمع. إذ بدون ذلك سيستسهل غيرهم ممارسة ما مارسه الذين سبقوهم ولم يحاسبوا لارتكاب السياسيين والقادة العسكريين أخطاء فادحة وربما خيانة الوطن وأفراد القوات المسلحة بغية النجاة بأنفسهم دون مقاومة.

7) لا بد من نهوض حركة شعبية واسعة وضاغطة تنظم من قبل القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني المدركة للحضيض الذي وصل الذي وصل إليه العراق والمستنقع الذي استقر فيه، والرثاثة الشاملة التي يعيش فيها وتحت وطأتها والموت الذي ينتظر الكثير من شعب العراق بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية الوطنية والدمار الذي يحيق بتراث حضارته القديمة، لتحقيق التغيير المنشود والمصالحة الوطنية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لا تعتمد المحاصصة المذلة للشعب وهويته الوطنية. فاستمرار الوضع البائس الراهن لا يموت فيه الحكام وقادة الأحزاب الحاكمة بل أبناء وبنات الشعب، سواء أكان ذلك في المعارك الجارية، أم في العمليات الانتحارية الجبانة والعربات المفخخة والاغتيالات، أم عبر عمليات الانتقام التي لم تتوقف حتى الآن.

12/6/2015

  كتب بتأريخ :  الجمعة 12-06-2015     عدد القراء :  3651       عدد التعليقات : 0