1-5
المدخل
برز تنظيم داعش في النصف الثاني من العقد الأول بعد أن كان قادة وأتباع هذا التنظيم الجديد حتى العام 2004 تابعين لتنظيم القاعدة وباسم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" وسمي التنظيم أيضاً بجماعة "التوحيد والجهاد" بقيادة أحمد فاضل نزال الخلايلة (30 أكتوبر/1966 /7 يونيو 2006 م) وكنيته أبو مصعب الزرقاوي، عربي وأردني الجنسية. وكان في الوقت نفسه رئيس مجلس شوري المجاهدين في العراق الذي قتل في قصف بالطائرات الأمريكية المقاتلة، إذ تم تدمير المنزل الذي كان يقيم به بضربتين صاروخيتين بعد أن حددت قوات الاحتلال الأمريكي مكان إقامته ببعقوبة في السابع من حزيران/يونيو 2006. وكان عمله الأساسي يجري بالعراق ثم امتد إلى سوريا وتعزز هناك ليعود ويعمل بشكل أقوى ومستقل عن تنظيم القاعدة. وتميز بالشراسة المفرطة والهمجية إذ قام بنحر المواطن الأمريكي يوجين أرمسترونج أمام الكاميرا وبث الشريط عبر المواقع على نطاق واسع. وتولى حامد داود محمد خليل الزاوي الملقب بـ "أبو عمر البغدادي" زعامة التنظيم من بعده وبايع تنظيم القاعدة مجدداً وأصبح أميراً على مجلس شورى المجاهدين في العراق, ولم تدم زعامة هذا المسؤول طويلاً، إذ قتل في اشتباك مع القوات الأمريكية والعراقية في منطقة الغزالية بشمال غربي بغداد في العام 2006. فحل محله إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي ولقب بــ "ابو بكر البغدادي" في العام 2006 وأصبح زعيماً للتنظيم وأميراً على مجلس شورى المجاهدين في العراق. وهو الذي أعلن بعد اجتياح الموصل إقامة الخلافة الإسلامية وسمى نفسه بخليفة المسلمين.
اقترن وجود هذا التنظيم بعدة مسائل أساسية هي:
1. حصول التنظيم على دعم واسع النطاق ومتعدد الجوانب من جانب الدولة التركية وحكومتها بقيادة رجب طيب أردوگان ولأهداف واضحة وملموسة في مقدمتها الرغبة في العودة إلى الهيمنة على طريقة السلطنة العثمانية وخاصة التوسع صوب العراق بالنسبة لولاية الموصل القديمة وباتجاه سوريا أيضاً، إضافة إلى صراعها التقليدي مع إيران بالعراق. كما حصل هذا التنظيم على دعم مباشر وكبير ومتنوع من دولة قطر وأميرها السابق حمد بن خليفة أل ثاني وبقية أقطاب الحكم باعتبارهم يشكلون جزءاً من التيار الإسلامي السياسي المتطرف (جماعة الإخوان المسلمين) ومن المنخرطين في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، والتقت في التعاون مع تركيا لدعم هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإسلامية الإرهابية المتطرفة. كما حصل هذا التنظيم على دعم واسع من حكومات وتنظيمات إسلامية ومن وكبار الأثرياء بالسعودية ودول الخليج وأوروبا وغيرها.
1. كانت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية على علم بهذا التنظيم وبدور هذه الدول في مساندته وتطوير إمكانياته وتقديم أوسع أشكال الدعم له لتمكينه من تحقيق غايات تلك الدول. ولم تمنع الإدارات الأمريكية المتعاقبة ذلك بل ساندت الجهود المبذولة على هذا الطريق لتأمين حصول ما أطلق عليه بـ "الفوضى الخلاقة" في هاتين الدولتين وعموم منطقة الشرق الأوسط، على حسب تعبير وزيرة خارجية الولايات المتحدة في فترة وجود جورج دبليو بوش، كونداليزا رايز (1954م) رئيساً للبيت الأبيض.
2. تميز هذا التنظيم بالتطرف الصارخ والهمجية المفرطة والتوحش في سعيه لـلهيمنة على العراق وسوريا و"تطهير الدول الإسلامية!" من أتباع الديانات الأخرى، إضافة إلى التخلص من الشيعة باعتبارهم (رافضيين) ومرتدين عن الإسلام، ومعاداة كل المسلمين المختلفين معه في الشريعة الوهابية وابن تيمية المتطرفة" بممارسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية والتهجير القسري. واعتبار الأسرى من النساء من أتباع الديانات غير الثلاثة (الإسلام واليهودية والمسيحية) سبايا تحل لهم ويمكن بيعهن في سوق النخاسة واغتصابهن وقتل الرجال منهم. وفرض الجزية والخراج على أتباع الدين المسيحي واليهودي أو تحولهم إلى دين الإسلام أو الموت أو التهجير القسري لهم وهروبهم من البلاد. ويشمل هذا حسب تقديرهم الإيزيدية والصابئة المندائية وغيرهما. فهذا التنظيم المتطرف اتخذ من المذهب الوهابي وابن تيمية أيديولوجية متطرفة له واتخذ من الأساليب الفاشية القديمة والحديثة ومن تلك التي مورست في الإسلام قديماً وحديثا من قبل القوى الأكثر تطرفاً فيه. فهي بهذا المعنى قوى سياسية فاشية دموية في أساليبها ولصوصية في أفعالها وإسلامية في دعواها ورفع راية محمد في اجتياحها لحدود الدول واستباحتها باسم "إعادة الفتح الإسلامي"!!
3. التعاون والتحالف الوثيق مع حزب البعث العربي الاشتراكي، تنظيم عزت الدوري، إضافة إلى بعض التنظيمات الإسلامية السنية الأخرى. وقد التحق الكثير من الضباط وضباط الصف البعثيين من الجيش والشرطة والاستخبارات البعثية وفدائيي صدام حسين بهذا التنظيم وشكلوا القوة العسكرية الموجهة والقائدة في المعارك التي تدور بالعراق وسوريا.
4. وضع التنظيم هدف إقامة ما أطلق علية بـ "الدولة الإسلامية" و "الخلافة الإسلامية" وتطبيق أسس شريعتهم النكراء بالمناطق التي يجتاحونها وخاصة تدمير الجوامع والمراقد والآثار القديمة والتماثيل والنصب التذكارية ودور العبادة لأتباع مختلف الديانات والمذاهب، أي تدمير حضارتي وادي الرافدين وسوريا معاً.
5. حصل هذا التنظيم على تأييد قوى إسلامية سياسية متطرفة في مختلف الدول العربية وذات الأكثرية الإسلامية أو تنظيماتها الموجودة والنائمة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة واستراليا وكندا وغيرها والتي بايعت ما يسمى بـ "خليفة المسلمين" ووافقت على "الشريعة" العدوانية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش)، وبدأت أو واصلت ممارساتها الأكثر همجية ضد أبناء وبنات أوطانها، كما نشاهد ذلك في الصومال والنيجر أو غيرهما. وقد تحول الكثير من قوى تنظيم القاعدة صوب هذه المنظمة الإرهابية الأكثر وحشية ودموية من غيرها. وهي التي تمتلك اليوم عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية وتبذخ في دفع الرواتب والهدايا لمن يتطوع لديها.
6. وبسبب هذه الإمكانيات المالية نشرت دعاتها في مختلف الدول الأوروبية والعربية والدول ذات الأكثرية الإسلامية لتحقيق ثلاث غايات: تتلخص الأولى بتأمين متطوعين جدد لها من خلال عملها أو هيمنتها على الجوامع والمساجد الموجودة في هذه الدول بمختلف الإغراءات ومن خلال ممارسة الدعاية لشريعتها وتوزيع القرآن على الناس في أسلوب تظاهرة اجتماعية وفي شوارع تلك المدن وفي الجوامع؛ وثانياً عبر منافسة بقية التنظيمات الإسلامية السياسية الإرهابية أو ما يطلق عليها بالمعتدلة من أجل كسب أفرادها لها؛ وثالثاً بذل المزيد من النشاط للحصول على المزيد من الأموال للتمويل الذاتي من جهة، ولتوفير الأموال للتنظيم المركزي من جهة ثانية، وبمختلف السبل التي تتوفر لها.
7. تنشيط عمل أجهزتها المركزية الدعائية والإعلامية وأتباعها في كل مكان من خلال تصوير وتوسيع نشر الأفلام القصيرة التي تصور عملياتها الإرهابية ونجاحاتها في قتل أو نحر "الكفرة المسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين أو الشيعية الرافضة المرتدين أو السنة المخذولين!!!" وسبي النساء ومنح حرية التصرف بهن جنسياً وبيعهن لأمراء الوحدات وللمتطوعين في قوات التنظيم عبر الإنترنيت وعلى نطاق واسع بما يمكّنها من كسب الشباب، إذ إنها تحاول تصوير ما يمارسونه ضد الإنسان في كل مكان وكأنه التجسيد الفعلي لبطولات المسلمين الحديثة التي لا مثيل لها إلا في بطولات الإسلام الأول في فتوحاته الاستعمارية القديمة! وأصبحت الأفلام التي التقطت بالموصل وسوريا أو التي تنشرها بوكو حرام نماذج صارخة تعبر عن هذا الأسلوب اللاإنساني والوحشي الذي تمارسه عصابات ووحوش داعش.