الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
توافق.. لا محاصصة

في كل الاحوال، ستضم الكابينة الحكومية الجديدة، ممثلين عن كتل سياسية كسبت السباق الانتخابي والعدد الكبير من مقاعد مجلس النواب، وستكرر قاعدة الشراكة الفئوية (وليس الاغلبية) في توزيع الوزارات، وسينأى عدد صغير من النواب، متحالفون ومستقلون، خارج الكابينة، الى المعارضة البرلمانية، قد يزيد عددهم بحسب مؤشر الخلافات تحت قبة البرلمان حيال القضايا المطروحة، فيما ستتكون على الهامش منطقة رمادية، بلا ملامح، يلعب فيها الشركاء جميعا، وتتصاعد منها اعمدة دخان، وتسقط عن طاولاتها تحالفات، وتنعقد اخرى.

اقول، ستكون هناك شراكة ما في كابينة الحكومة، مع الاخذ بحذر شكل تطبيقات هذه الشراكة بين ان تكون حقيقية او شكلية او محاصصية او توافقية، لكن احدا من صُنّاعها لم يخف انها ستكون على وفق الشراكات السابقة التي شكا الجميع منها، ومن مآلها، الامر الذي يدفع المراقب الموضوعي الى طرح السؤال الإستباقي التالي: ما الذي سيمنع تكرار الشكوى من اللعب خارج فروض الشراكة وبالضد من الوعود والتعهدات والضمانات المعلنة وغير المعلنة؟ علما بان مثل هذه الشكوى طالعناها، وبلهجات مختلفة، في الايام الاخيرة من جهود تشكيل الحكومة.

ينبغي التذكير بالبديهية التي تبدو باردة لكثرة ما قيل فيها، وهي استحالة حكم العراق في مرحلته الحالية، والتحكم في مصيره ومستقبله وشكل نظامه السياسي، من قبل جماعة او كتلة بهوية فئوية، وان نتائج الانتخابات على خلفية الاستقطاب الطائفي والقومي، والتهديدات الامنية والارهابية، تفرض نوعا من التوافق السياسي لاعادة البناء وعبور المرحلة، وان اقنية البدائل عن هذاالتوافق وخياراته مسدودة بالكابح البرلماني، او بالصفقات بين فرقاء الاكثرية.

التوافق في التطبيق ليس بالضرورة مبدأ للمحاصصة. هذا ما يمكن رصده في غالبية حكومات العالم التي تتشكل من ائتلاف احزاب الاكثرية البرلمانية، فيما المحاصصة صارت وصفة عراقية فريدة (دخلت علم السياسة) في بعدها الطائفي والفئوي. فالتوافق عملية تقريب وتجسير لوجهات النظر والمطالب والمشاريع والشروط المتباعدة والمتصارعة وفق سياسات تستهدف نزع فتيل حريق قد يشب في اية لحظة وتجنيب البلاد المزيد من الانشقاقات والحروب، والمحاصصة تقسيم للفرص والوزارات والمواقع والنفوذ والوظائف الحكومية وملازم الثروة والجاه بين المتحالفين. الاول، ينطوي علىتضحيات مبررة ببعض المصالح، والثاني على تشبث، غير مبرر، بالامتيازات. الاول، يتقرب من معالجة حالات التهميش بالنسبة لمكونات او فئات وكفاءات، والثاني يكرس حالات التهميش بالتراتبية لمكونات وجماعات وكفاءات.

والتوافق، احيانا، وفي الظروف الاعتيادية(اقول، الظروف الاعتيادية) قد يضر بمبدا الديمقراطية، لانه يعطل واحدا من اركانها المتمثل بالتصويت الحر لنواب الشعب على المشاريع المطروحة، فتبتلع الخيارات الكبيرة التي تتشكل في الكواليس خيارات اقل حجما، وربما اكثر تعبيرا عن المصالح العامة، لكن ينبغي الاستدراك هنا بالقول ان للتوافق، كمبدأ في ادارة الخلافات، فضلا في تجنيب البشرية وبلدان الكثير من الويلات، ويعود اليه العقلاء لوقف صراعات دموية.. وقد يعود اليه مجانين ركبوا رؤوسهم ردحا من الزمان، فاكتشفوا عبث الاوهام التي يمتطونها، وبعضهم يكتشفها بعد فوات الاوان.

“الصفة اللامبدأية هي ان يغذي احدهم تمساحا لا يعرف انه سيأكله يوما ما”

حكمة يونانية

  كتب بتأريخ :  السبت 06-09-2014     عدد القراء :  3672       عدد التعليقات : 0