الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
نداء إلى محامي العراق وقضاته الكرام

نداء إلى محامي العراق وقضاته الكرام

خلال السنوات التسع المنصرمة احتل نوري المالكي منصب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية العراقية، كما أصبح بحكم منصبه قائداً عاماً للقوات المسلحة. وقد أقسم اليمين الدستورية في الدفاع عن الوطن والالتزام بالدستور العراقي والحفاظ على مصالح الشعب ومكافحة الإرهاب والفساد. ولكن وفي فترة حكمه التي دامت طوال تسع سنوات تقريباً اُرتكبت بالبلاد الآلاف من الجرائم البشعة بحق المواطنين والمواطنات بالعراق واستشهد مئات الآلاف منهم وجرح وعوق أضعاف ذلك. وادعت الحكومة في حينها أنها شكلت لجان تحقيق لمعرفة الجناة. ولكن حتى يومنا هذا لم يعلن عن نتائج التحقيق حتى الآن. كما اغتيل خلال الفترة ذاتها كوكبة كبيرة من خيرة مثقفي العراق على أيدي مجرمين قتلة لم يُعرف حتى الآن من هو القاتل رغم تشكيل لجان تحقيق رسمية من جانب الحكومة. وكل المعلومات المتوفرة تشير إلى إن أجهزة الأمن والقوات الخاصة التي هي تحت أمرة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة قد مارست أساليب تعذيب شرسة بحق المعتقلين على ذمة التحقيق والسجناء وممارسة الاعتقال الكيفي، وهي انتهاك صريح للائحة حقوق الإنسان وتحريم التعذيب بكل أشكاله، إذ إن العراق احد الموقعين والمصادقين على هذه الوثائق الدولية الملزمة.

ورائحة الفساد بالعراق تزكم الأنوف، إذ الفساد نظاماً سارياً ومعمولاً به، حسب تقديرات منظمة الشفافية الدولية، وشمل الغالبية العظمى أفراد النخب الحاكمة والعاملة في ما يسمى بالعملية السياسية. وأكد أكثر من مسؤول عراقي بأن الجميع متهم بالفساد إلا الشيوعيين. وهو أمر مخيب لكل مواطنة ومواطن من جهة، ولكنه مفرح أن تكون هناك قوى سياسية ما تزال نظيفة رغم الفساد والأوساخ المنتشرة حولها من جهة أخرى. وكان رئيس الوزراء العراقي يهدد بين فترو وأخرى بنشر الملفات الخاصة بالفاسدين والمفسدين والإرهابيين، ولكنه لم ينشر أي ملف سوى التهم التي وجهت لطارق الهاشمي. وبهذا يتحمل مسؤولية عدم اعتقال هؤلاء أولاً ومواصلة الفساد والقتل ثانياً.

ثم انتهك رئيس الوزراء العراقي الدستور العراقي حين فرض هيمنته على الهيئات المستقلة دستورياً وأخضعها للسلطة التنفيذية قسراً ودون وجه حق، ثم غاص في التجاوز حين انتهك الدستور وقانون البنك المركزي وأصدر أمراً عبر القضاء العراقي باعتقال محافظ البنك المركزي حل عودته من سفرة وظيفية اليابان بتهمة الفساد بحيث منعه من العودة، لأن عودته كانت تعني اعتقاله وهو رجل مريض. كما تم اعتقال نائب محافظ البنك المركزي الدكتور مظهر محمد صالح ومجموعة من خيرة موظفي البنك وأبعدوا عن وظائفهم أو أحيلوا على التقاعد أو طردوا ووجهت لهم تهم الفساد. وكل المعلومات المتوفرة تؤكد زيف الدعوى المرفوعة ضدهم. ثم دفع رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي القضاء العراقي إلى إصدار حكم جائر ضد الدكتور سنان الشبيبي قبل مغادرته منصب رئيس حكومة تصريف الأعمال بحبسه سبع سنوات.

إن من المهمات التي يفترض أن يضطلع بها فريق المحامين والقضاة دراسة الأحداث التي وقعت ببغداد في 25/شباط 2011 حين صادر رئيس الوزراء نوري المالكي حق الشعب في التجمع والتظاهر والتعبير عن الاحتجاج، وما تعرض له بعد ذاك مواطنات ومواطنو المحافظات الغربية من انتهاكات فظة على الحقوق وبدلاً من إعارة الانتباه ومعالجة المطالب التي طرحوها، وجه القائد العام للقوات المسلحة السلاح ضدهم وأدى إلى استشهاد الكثير منهم، مما ساهم في تعقيد اللوحة هناك واختلاط الأوراق واكتساح قوات داعش للفلوجة والسيطرة على مناطق أخرى من هذه المحافظات، بالإضافة إلى ما حصل من انتهاكات وجرائم بمحافظة ديالي وخاصة بمدينة بهرز من جانب المليشيات الطائفية المسلحة. وعلى امتداد حكم نوري المالكي استشهد الكثير جداً من المسيحيين والصابئة المندائيين والإيزيديين وغيرهم على أيدي عصابات القاعدة والمليشيات الطائفية الشيعية والسنة المسلحة في مناطق عديدة من العراق قبل وقوع مجزرة الموصل والهروب الجماعي للسكان المسيحيين والإيزيديين والعدد الهائل من القتلة والجرحى والمعوقين والنازحين.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة بشكل خاص لعب دوراً تخريبياً واضحاً في تدهور العلاقات مع إقليم كردستان العراق وتأجيج العداء والكراهية للشعب الكردي ونضاله المديد وعدم سعيه لحل الخلافات القائمة بالطرق السلمية والحوار الديمقراطي وفي أوقاتها، كما في موضوع المادة 140 من الدستور أو موضوع قطع الرواتب عن موظفي ومتقاعدي وبيشمركة الإقليم، أو مشكلة النفط وعدم إصدار قانون النفط وغيرها، والتي نعتقد أن الإقليم ارتكب من جانبه أخطاءً غير قليلة في هذا الصدد أيضاً وكرد فعل غير مبرر.  

ولكن وأبشع من كل ذلك ما حصل بالموصل ومناطق أخرى بكركوك وصلاح الدين من غزو واجتياح في فترة حكم نوري المالكي وقيادته للقوات المسلحة العراقية. وكذلك ما حصل في معسكر سبايكر، إذ ارتكبت أبشع الجرائم التي كلها تدخل ضمن التطهير العري والإبادة الجماعية وضد الإنسانية. إن ما ارتكب من جرائم في تلك المنطقة يفترض أن يمنع المسؤولين في هذه الفترة عن السفر وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق بأسباب هروب القوات المسلحة من الموصل وتسليم معسكراتها وما فيها من أسلحة وتعاد ومعدات لعصابات داعش وترك أهل الموصل من المسيحيين والإيزيديين والشبك وغيرهم رهينة بأيدي هذه العصابات. إن كل ذلك يتطلب التحقيق وصولاً إلى الحقيقة. لهذا أهيب بمحامي العراق وقضاته الكرام أن يبادروا إلى تشكيل فريق عمل مختص بجمع المعلومات والوثائق حول ما حصل بالعراق خلال السنوات العشر المنصرمة وخاصة في فترة وجود نوري المالكي على رأس السلطة التنفيذية.

على وفق المعلومات المؤكدة أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته ورئيس حكومة تصريف الأعمال قد اصدر، قبل تسليم السلطة للدكتور حيدر العبادي وفي آخر أيام حكمه الكارثة، مجموعة كبيرة من القرارات لتثبيت أتباعه ومريديه والمحسوبين على قائمته وحزبه وبالضد من الوضع الدستوري الذي لا يمنحه مثل هذا الحق، وبالتالي فهي إجراءات نعتبر ضد الدستور، ومنها تعيين على العلاق، محافظاً للبنك المركزي العراقي، التي هي من صلاحيات مجلس النواب العراقي حصراً. لهذا يتطلب الأمر من اللجنة التحقيقية المقترحة التحري الجاد عن تلك الإجراءات وإبطالها ومعاقبة المسؤول عن إصدارها.

إن من يشارك في عضوية لجنة التحقيق المقترحة ومن يدعم ويساعد جهودها ويوفر المعلومات الضرورية لها سيساهم في الوصول إلى الحقيقة ومعاقبة المسؤولين عن كل ما حصل بالعراق خلال الأعوام المنصرمة أولاً، وربما يساعد ذلك، رغم ضعف الأمل بسبب طبيعة النظام الطائفي والمحاصصي الساري، على منع تكرار ما حصل حتى الآن وعلى أيدي من وضع العراق وشعبه أمانة في عنقه وأساءوا وساهموا لما وصل إليه العراق حالياً ثانياً، خاصة وأن هؤلاء الذين أخرجتهم الاحتجاجات من الباب عادوا إليه من الشباك ليحتلوا مواقع مهمة بالدولة العراقية ومؤسساتها، وخاصة في السلطة التنفيذية والتشريعية، رغم فشلهم الذريع ورفضهم من قبل المجتمع وخاصة بعد أحداث الموصل، وكأنهم لم يفعلوا شيئاً مخالفاً للدستور ومصالح الشعب العراقي.

أتمنى على القوى الوطنية والديمقراطية العراقية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والجماعات والقوى السياسية النظيفة وبنات وأبناء الشعب العراقي دعم هذا المقترح وتأييده والعمل على إنجاحه لصالح العراق وشعبه وليس للانتقام من هؤلاء الناس الذين اساءوا لشعب العراق والوطن، بل لتحقيق العدالة.

الدكتور كاظم حبيب

برلين في 10/9/2014

إلى الجهات التالية للاطلاع والدعم والمساعدة:

مراكز البحث العلمي بالعراق

منظمات حقوق الإنسان بداخل العراق ولخارجه

منظمة العفو الدولية/ لندن

لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بجنيف

  كتب بتأريخ :  الجمعة 12-09-2014     عدد القراء :  4053       عدد التعليقات : 0