الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أبطال أم المصائب

وهل في هذا الزمن الأغبر صدمة أقوى ومصيبة أكبر وفاجعة أبشع من هذه الكارثة التي فقدنا فيها أكثر من عشرة آلاف جندي من قاعدة عسكرية واحدة ، والتي هرب فيها المسيحيون والأيزيديون والعرب والأكراد من ديارهم، واستبيحت فيها الأعراض والممتلكات، وطفحت فيها جثث أبنائنا فوق مياه دجلة، ونهبت فيها ثرواتنا، وتهشمت فيها قبور أجدادنا من الأنبياء والأولياء والأئمة، وتغيرت فيها معالم أقدم مدننا الحضارية ؟؟. بماذا نسمي هذه الكارثة الوطنية والإنسانية والعسكرية والسياسية والسيادية والبيئية ؟.

حتى نكسة حزيران التي ضاعت فيها سيناء وقناة السويس، وأطلق عليها الصهاينة (شيشيت ها ياميم)، وتعني حرب الأيام الستة. لم يفقد فيها العرب سوى (15000) جندي بين جريج وقتيل، فإذا كانت تلك الحرب الخاسرة هي النكبة وهي النكسة في المعايير التاريخية ؟. ألا يفترض أن نسمي آخر نكباتنا بأم المصائب، وذلك امتدادا لخسائرنا المتعاقبة في (أم المعارك)، و(أم الحواسم)، وأم البلاوي، وأم العتاوي. وإذا كان قادة نكسة حزيران من أمثال عبد الحكيم عامر وعبد المنعم رياض وزيد بن شاكر وأسد غنمة صاروا في العرف العسكري من القادة المتخاذلين، فبماذا ننعت (علي غيدان) و(عبود كنبر) و(مهدي الغراوي)، الذين اختاروا الانسحاب من ساحة القتال قبل جنودهم، ولجئوا إلى إقليم كردستان بطريقة مخزية لا تتوافق أبداً مع الأخلاق العسكرية، ولا تتماشى مع المآثر البطولية التي سجلها الجيش العراقي في سوح القتال ؟.

لقد أثارتْ بالأمس قضية سفر الفريق (علي الفريجي) جملة من التساؤلات. مصادر تقول: أن الفريجي لم يُسمح له بالسفر. ومصادر أخرى تقول: أنه سُمح له بالسفر بعد اخذ تعهدات منه بالعودة. وما بين هذا الرأي وذاك، أعادت هذه الحادثة مسلسل هروب القادة العسكريين في العراق منذ عام 2003 ولغاية وقتنا الحاضر، والتي بدأت بهروب وزير الدفاع الأسبق حازم الشعلان المتهم بقضايا فساد. ثم التحق به خليفته عبد القادر العبيدي الذي لاذ بالفرار بعد اتهامه بالفساد وهو الآن في مكان مجهول لا يعلم به إلا الله والضالعون بالعملية السياسية، ولا ننسى هروب قائد الفرقة 17 (ناصر الغنام)، الذي فر إلى ألمانيا تاركاً أرض المعركة ليسجل واحدة من اكبر الإهانات في تاريخ الجيش العراقي.

لقد اعترف الأعداء قبل الأصدقاء ببسالة جنودنا وثباتهم في المواجهات القتالية، وكانوا هم الأسود الضياغم، وهم الليوث الكواسر، والنسور الجوارح، لكن قادتهم في هذا النزال الخاسر كانوا من ورق، فمتى نضع القائد المناسب في التشكيل الحربي المناسب، ومتى نضع النقاط على الحروف ونسمي الأشياء بمسمياتها ؟، ومتى نضع الدعامات الوطنية القوية في بنيان جيشنا وحماة أرضنا، ومتى نلاحق أبطال أم المصائب من القادة الهاربين والمتوارين عن الأنظار ؟. ومتى نتعامل بحزم مع المتخاذلين الذين فقدوا شرفهم العسكري، وتسببوا في ضياع أبنائنا وسقوط مدننا وتشريد شعبنا وتدمير إرثنا الحضاري ؟

ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين

  كتب بتأريخ :  الخميس 25-09-2014     عدد القراء :  3129       عدد التعليقات : 0