الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
همنغـــواي و\"قواعد العشق الأربعون\"

ذات ليلة من ليالي الشتاء دوّت رصاصة من بندقية عتيقة لتنهي حياة أشهر كتـاب القرن العشرين"ارنست همنغواي"، وكان قبل ذلك بساعات يجلس ليكتب، يدون تأملاته: "يوما واحدا من دون ان اكتب.. يعني الأبدية" كان ذلك عام 1961.

لا أذكر عدد الكتب التي قرأتها أو تصفحتها، عن همنغواي او"بابا همنغواي" كما أسماه الصحفي الاميركي"هوتشنر" في كتابه الذي يعد ابرز سيرة ادبية كتبت بأسلوب روائي.. كان فيها الصحفي الشاب والمغمور آنذاك يحاول إقناع صاحب العجوز والبحر أن يمنحه من وقته خمس دقائق فقط من اجل الحصول على إجابة لسؤال طرحته الصحيفة تحت عنوان "ما مستقبل الأدب؟"لتتحول الخمس دقائق، في ما بعد إلى رفقة كان فيها الصحفي الخجول قد تحول الى ظل للكاتب العجوز.

أتذكر أنني منذ سنوات، لم امر على كتب همنغواي وكنت مثل كثيرين اعتقد ان الاحداث قد تجاوزتها، وان الزمن هو زمان التركية اليف شفق صاحبة "قواعد العشق الأربعون" التي ترجمت إلى ما يقارب الثلاثين لغة، ووزع منها في الإنكليزية فقط اكثر من مليوني نسخة، والرواية تعرض في جانب منها التجربة الروحية للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي الذي قال عنه همنغواي يوما وهو يقرأ اشعاره بالإنكليزية"عندما تقرأه تطير في الهواء".

ظل صاحب"وداعاً للسلاح"يشغل العالم حياً وميتاً، وحتى سنوات قريبة لم يخلُ عام من دون صدور كتاب عنه. وجميع هذه الكتب تتحدث عن سر هذا الرجل وكيف أنتجت"قريحته"كل هذه السطور والعبر والمشاهد والمواقف التي توزعت بين الدفاع عن الجمهورية الاسبانية وعشق مصارعة الثيران، وبين هواية صيد الحيتان، وكتابة الريبورتاجات الصحفية لمجلة لايف، ويحدثنا الناقد رجاء النقاش في مقال ممتع عن همنغواي إنه استطلع آراء عشرات القراء كان معظمهم يعتقد أن همنغواي قناع لأكثر من مؤلف، إذ لا يمكن لرجل واحد أن يمتلك كل هذه القدرة على تصوير الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد، فهو مثل كلكامش رأى كل شيء وكتب عن الضعف الإنساني والحب والحرب.. لكنه كان وسيظل بارعا في تصوير الأسى البشري.. يسأل هوتشنر في"بابا همنغواي"كم يوجد في"لمن تدق الأجراس"من حوادث حقيقية اجاب"البابا": ان كل الكتب الجيدة تشترك في صفة واحدة، وهي انها تحكي الوقائع بطريقة اصدق مما لو كانت هذه الوقائع قد حدثت بالفعل.

في كل أعماله يطرح همنغواي السؤال الأزلي من هم الكتاب الحقيقيون؟ وما هو دورهم؟

حاول سارتر في كتابه"دفاعاً عن المثقفين"، الذي صدر عام 1965، أن يعطي تعريفاً للكاتب:"أن ما يجعل من كاتب ما مؤثرا هو قدرته على تجاوز الحقل الضيق لاختصاصه، الكاتب الحقيقي هو الشخص الذي يتدخل في ما لا يعنيه، ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة"، يمكن أن نسأل: هل تشكل دعوة سارتر إلى كاتب سياسي، أم أنها كانت استجابة منطقية لقضايا عصره الملتهبة المستمرة حتى اليوم؟ سواء أكانت العلاقة قوية أم واهية، فإنها بالتأكيد انعكاس لذلك الالتزام الأخلاقي الذي لا وجود للكاتب من دونه. وقد نسأل أيضاً: ما هو دور الكاتب في مجتمعات لا ثقافة فيها ولا تميل إلى إنتاج كتاب وقراء حقيقيين؟ أو ما هي وظيفة الكاتب في مجتمعات تجتهد سلطاتها في تدمير العقل وتبديد الحقيقة؟

لا جواب إلا في ملحمة الصحيح، التي أعارها همنغواي عقله وقلمه وشخصه.

ربما لم يكن صاحب السيرة الباريسية الممتعة "وليمة متنقلة" يريد حقا الوصول الى تعريف لدور الكاتب الحقيقي، كل ما كان يتمناه ان تنتهي الحروب التي تغرق العالم في الظلام، ليكمل ملحمته الإنسانية التي انهاها بجملة مؤثرة:"افضل شيء في الحياة، فرص كسب معارك الناس البسطاء".

  كتب بتأريخ :  الجمعة 26-09-2014     عدد القراء :  3942       عدد التعليقات : 0