الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الشخصية الارهابية.. معاينة في العمق

لم تعد الشخصية الارهابية، الموصوفة بالتطرف والايغال بالتنكيل بالاخر، نموذجا عابرا، أو متطفلا، في المجتمعات التي تصنف على انها اسلامية، او شرقية، ويمكن القول انها نتاج بيئة تستمد شحنة العنف من عمق التاريخ، يشار هنا الى رسالة من انجلز الى كارل ماركس تعود الى مائة وعقدين من السنين وفيها يصف احوال بلاد اليمن إذ «يكفي ان تنشب مواجهة واحدة حتي يتم اخلاء البلد من سكانه».

لكن هذا لا يكفي لتأويل النوازع المتوحشة لزمر «متدينة» او «شديدة التمسك باصولها القبلية» كما لا يكفي القول بان هذه الزمر وقعت في سوء تفسير النصوص الدينية او سقطت ضحية مفسرين سهلوا لها الانزلاق الى احتراف اعمال القتل الجماعي وارتكاب جرائم تعف عنها الوحوش حيث نحتاج دائما الى ادوات تحليلية غير تقليدية تساعد في تفكيك ذلك التشابك بين ممارسة رذيلة القتل تحت ذريعة تحقيق الفضيلة والعدالة.

تعتقد كارين هورني مؤلفة كتاب صراعاتنا الباطنية الشهير ان القاتل من هذا النوع (الذي يقتل للقتل) يظن بان الضحية تابع لغيره، فيقتله او يروضه (يثير فيه الذعر) مثلما يروض البروفيسور هيجينز شخصية اليزا في رواية «بيجماليون» وتضيف القول «في تلك الحال تبرز قرون الشيطان اذا عبّر الضحية عن اية اشارة الى انه يرغب في الذهاب في سبيل حاله».

الموجات المتوحشة التي اغارت على البشرية كانت تبيد شعوبا لا تخاصمها، وتتلذذ في ممارسة هذه النزعة. كان المغول، قبل سبعمائة وخمسين سنة، يتفنون في التنكيل بمن يصدف ان يكونوا في طريقهم، وكان الشريقول المؤرخ الالماني بيرتولد شبولر- يتطاير من عيونهم واعطافهم وهم يغيرون على السكان الامنين من غير تحديد، يقتلون ويحرقون ، لكي يجعلوا من ذلك رسالة الى كل من تلقي به الاقدار على طريقهم، وكانت عقيدة المغول بسيطة قدر ما هي وحشية: «اقتل اكبر عدد من البشر ممن تحت متناول يديك لتخيف غيرهم فيستسملون لك .»

وفي النظريات الجنائية يشار الى ان الجريمة من جنس مرتكبيها، وان الاسلوب الذي يستخدم في ارتكاب الفعل الجنائي يُستدل به الى عقيدة المجرم وافكاره، ولعل الكثير من محللي اسباب واحوال ودواعي ارتكاب اعمال الابادة الانسانية يعرفون ان ابشع الجرائم واكثرها فظاعة ووحشية، ولا يجوز التهاون حيالها، هي الجرائم التي يقدم عليها الفاعل بحق انسان يعرف انه بريء، وليس بينه وبين الضحية خصومة او حتى سوء ظن، وان الاقدار والصدف جمعتهما في مسرح الجريمة، وقد توصف هذه الافعال بالجرائم الانسانية، ويوصف مرتكبوها بالمجرمين المحترفين.

هذا ما يحدث يوميا على يد عصابات القاعدة وداعش وفلول العصابات الانتقامية المتحدرة من القبائل او الاحزاب الفاشية.

المهم، ان ثمة عينات اجرامية بين ايدينا، قد تساعد، اذا ما اخضعت الى معاينة اخصائيي علم النفس الاجتماعي، في كبح هذه الموجة الانكفائية قبل ان تكرس نزعتها الاجرامية في التربة العراقية، الى الابد.

*********

«تعملت منذ زمن ألا أتصارع مع خنزير أبداً، لأنني سأتسخ أولاً، ولأنه سيسعد بذلك»

برنارد شو

  كتب بتأريخ :  الأحد 28-09-2014     عدد القراء :  3975       عدد التعليقات : 0