الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في لغة السجال والنقد

لا احب عبارات الوعظ لكثرة ما ابتذلت على يد الواعظين، ولا اللغة التعليمية الابوية فرط برودتها وتعاليها، ولا إزجاء النصائح المشكوك في ان يتقبلها المنتصحون، لكني أؤمن، الآن، بان السجالات الجارية حول المآل الذي تتخبط به بلادنا وصلت الى حالة من الاسفاف، والتشرذم، والنرجسية، وانعدام الذمة، وغياب حكمة الحوار والتروي، والانحراف الى اغواء تسقيط الآخر وتحشيد السيوف عليه، بحيث تحتاج الى الوعظ والتعليم الابوي والنصيحة والتحذير والتدبر ولفت النظر وكل ما يلزم لوقف هذا الهوس الهابط الى الهوة، لكن ليس مني، أو من جهتي، على اية حال،  فسأكتفي بتوصيف هذا المشهد الذي لا يختلف احدٌ على انحطاطه، وتبشيع ادواته، التي هي بشعة في الاصل.

ساعترف ان شريحة من المتعلمين، ونخبة من الشبيبة المهمشة الساخطة، وبعض الاهواء المحلية ترحب بمثل هذه الكتابات والمعارك واعمدة الدخان المرتفعة من حرائق التشهير والتعدي على المقامات والاعراض والسِيَر، بل ان الكثيرين يصفقون لابطال الحملة ويرسلون لهم برقيات التاييد "سيروا ونحن من ورائكم" ويتفاعلون مع كومة الإساءات ويحفظون الارقام والنصوص والاساءات عن ظهر قلب، وكل ذلك  يدخل في ملازم لحظة الالتباس التي تعصف في البيئة السياسية والثقافية العراقية، وتجرها الى المستنقع.

صديق (طبيب) صارحني القول بانه كفّ ان يقرأ لي، او يتابعني على شاشات التلفزيون. قال انا زعلان عليك. وقال: اغلقُ التلفزيون حيثما تكون انت في الحوار. وقال: لماذا يا أخي لا ترفع صوتك او تضرب على الطاولة أو تشتم هؤلاء الـ...؟ الى متى تحللون بالعقل.. اي عقل ينفع معهم؟ قلت: اذا كان الناس يفقدون عقولهم، ويهينونها، فهل يصح ان نجاريهم بان نلقي بعقولنا الى بالوعات الصرف الصحي؟ قلت: بربك، ماذا يعني بالنسبة لشعب ان يفقد اصحاب العقول من ابنائه عقولهم؟.

ولعمري، يقول الجاحظ "إنّ العيون لتخطئ، وإنّ الحواس لتكذب، وما الحكم القاطع إلا للذهن، وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل؛ إذ كان زماماً على الأعضاء وعياراً على الحواس" ويزيد "وإنما سُمّي العقل عقلاً وحجراً لأنه يزمّ اللسان ويخطمه ويشكله ويربثه ويقيد الفضل ويعقله عن أن يمضي فرطاً في سبيل الجهل والخطأ والمضرة" وفي سجالاته مع الاخرين يصل الجاحظ الى الخلاصة الثمينة التي عدت في مصاف الخلاصات الراسخة في تجارب بناء المجتمعات الحية بالقول "أنّ قيام السلطة لتنظيم المجتمع البشري أمر ضروري، وأنّ العقل مصدر هذه الضرورة".

اقول، ان اللجوء الى المنطق العقلي، في تصويب الحاضر العراقي ضروري في الظروف الاعتيادية، وفي كل زمان، وهو اكثر ضرورة عندما تتدحرج العقول عن مكانها، وتحل محلها نشارة الخشب.

********

"البعض نحبهم لأننا لا نجد سواهم".

جبران

  كتب بتأريخ :  الجمعة 03-10-2014     عدد القراء :  3744       عدد التعليقات : 0