الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
\"الداعشية\".. ماركة لكل عنف مذهبي

في المقال السابق أتينا بنماذج من مثقفي الزمن الماضي، لم يهيمن عليهم شعور ديني أو طائفي، وإنما مارسوا الثقافة خارج كل العناوين عدا عنوانها، وبالتأكيد كان للأجواء الحضارية تأثيرها، يقابله انحناء أمام الحالة السياسية والاجتماعية المتردية في هذا الزمن، صار المثقف محجماً لدوره في حدود الطائفة أو الدين، وبطبيعة الحال ليس كل مَن عبر عن معاناة أهل طائفته أو دينه يُتهم بالطائفية، لكنها التهمة الأسهل، بينما يؤخذ باهتمام عندما يعبر السني عن معاناة الشيعي أو الشيعي عن معاناة السني؛ وهذا ما يُرجى تحقيقه، وهنا تُهتك الموضوعية ويُهتك المثقف نفسه وسط الصراخ الطائفي، ويُتهم الطرفان بالخروج على الطائفية على أنه خروج على الأهل، وبهذا الاتهام حلت الطائفية محل الوطنية.

قرأت ثلاث مقالات: للكاتب والطبيب السعودي عبد العزيز السماري: «ما هذا الإرث الشيعي المتزمت؟ وهل يعترف المثقفون الشيعة بوجوده؟»، («الجزيرة» السعودية، 28 أغسطس 2014)، والسماري من الكُتاب الذين فضحوا التكفير والإرهاب. قال: «خلال هذه الفترة، قام المثقفون المنتمون للتيار السني بنقد التطرف السلفي، وخرجت الكتب والمقالات التي تنتقد حركات السلفية المتطرفة، وتكشف أسرارها، ولا زال الموقف الثقافي السني، لأن صح التعبير، يفضح مختلف أوجه التطرف الديني في المنطقة، لكن الغائب الأكبر في هذا المشهد هو المثقف المنتمي للتيار الشيعي، والذي يكاد يختفي تماماً في حراك النقد للتطرف الشيعي ما عدا قلة».

وكتب الكاتب والروائي العراقي إبراهيم أحمد («إيلاف»، 13 أغسطس 2014): «داعش باسم السنة وداعش باسم الشيعة والناس بينهما!». وإبراهيم أحد النُّخبة الثَّقافية لا يمت بصلة للطائفية، وكان حاله كحال الآخرين، في النفي والتشرد، وعاد مبتهجاً بالتغيير لكنه أحبط كغيره بعهد جديد. قال: «كتبة النظام الحالي ومذيعو فضائياته، يتحدثون كل يوم، أن داعش باسم السنة لو حكمت العراق فإنها ستمنع المسرح والسينما والغناء والموسيقى والباليه والشطرنج، والفن التشكيلي.. إلخ، وتشيع السواد والكآبة في حياتنا! هذا صحيح، ولا ريب فيه! لكن ماذا في عراق اليوم غير تحريم هذه الضرورات، والتي حللتها بل أوجبتها كل حياة مادية أو روحية صحيحة»!

أما الكاتبة حصة بنت محمد آل الشيخ، فكتبت (في «الرياض» السعودية، 28 أغسطس 2014) «إشكالية النبتة والتداعي»، قائلة بالجرأة التي أقرأ لها: «أختار أجزاءً علها تكفي لتكوين رؤية عامة تشمل دروس الكراهية والمذهبية، وعصبية ما يسمى بـالفرقة الناجية والمعصومة، حيث يسمح لنفسه بأن يدعو الناس بأنهم زعماء الروافض، ويأبى أن يطلقوا عليه زعيم النواصب». يقول هذا الداعي، والحديث للكاتبة: «أبا صحن البغدادي هو قائد أبو غريب فعل الأفاعيل في أهل السنة، ثم اكتشف هؤلاء العلماء بأن هذا القائد شيعي سعودي من القطيف أحد قيادات القاعدة التي نشأت عنها داعش، فلما علم أننا سنقتله قال: يكفيني شرفاً أنني نحرت بيدي هذه أكثر من ألف ناصبي. القاعدة بحسب الواعظ صارت صفوية وزعيمها ابن لادن؟! والحضور سكوت يسمعون المحاضرة».

سأقول معكوس ما قالته «حصة آل الشيخ»، لأن القتل واحد باسم المذهب والدين، إن أحد القادة أراد تبرير مذبحة مسجد مصعب بن عُمير بديالى، والتي نُفذت بعشرات المصلين السنّة (22 أغسطس 2014)، إن «داعش» قامت بالمذبحة لإثارة الفتنة! وآخر اعتبر المقتلة التي حصلت ببهرز (22 مارس 2014)، بديالى أيضاً، من فعل «القاعدة»، مع أن المنفذين اتضح بأنهم من مليشيات معروفة. إنها نقاوة الطائفة وطهوريتها من فعلة الإرهاب، لذلك لا يعترف أعيان الجماعتين بأنه ليس هناك مليشيا دينية دفاعية، وأخرى هجومية، وإنما الطرفان يخترقان المواطنة.

لستُ بصدد الرد على ما جاء في المقالات، بقدر ما أتجاوب مع ملاحظة السماري وإبراهيم أحمد، وأُذكّر بعدد غير قليل من علماء دين شيعة انتقدوا التطرف الشيعي السياسي وثقفوا بنزع المذهب من الحزبية؛ بل تصدوا لـ«ولاية الفقيه». كذلك علينا ذكر حقيقة أن مثقفين شيعة، وهم ليسوا قلة، قتلوا بيد «داعش» شيعية. ألم يقتل حسين مروة (1987) بيد «داعش» مبكرة؟ ألم يقتل المثقف كامل شياع (أغسطس 2008) بهجمة داعشية أيضاً؟ أليس تحريم الغناء والموسيقى ببلد الغناء (البصرة/ الحلة) عملا داعشياً؟ أليس إلغاء تدريس الفنون في المعاهد هجوماً داعشياً؟ ألم يحصل هجوم على طلبة الجامعات، وما زالت هذا الجامعات تحت الضغط الدِّيني الميليشاوي؟

إن المذهب الشيعي كغيره، فيه المختلف والمؤتلف، ولا أفسر وجود تسميات لمليشيات مرتبطة باسم الجلالة وباسم النبي والأئمة، وهي تمارس العنف، تحت أنظار السلطة، إلا بداعشية تساعد على تفريخ دواعش مضادة، لذا لا يسلم العراق، مما هو فيه، دون الاعتراف بوجود دواعش ليست محتكرة على السنة، تضطهد الشيعة قبل السنة، وبوجود فكر داعشي يلعب فيه المقدس دور الملهم، حيث يظهر شيخ منبر فيفتي بقتل أعضاء حزب موجود على الأرض، أو يفتي فقيه حزب السلطة بقتل فئة من الناس!

صدرت فتاوى من مراجع دين لقتل أكثر من عشرة آلاف معتقل (يوليو 1963)؟ بماذا يُفسر ذلك؟ أليس بالداعشية؟ وماذا فعل الصفويون (1501-1732م) لتشييع الإيرانيين، وتعميم السب المؤذي للطائفة الأخرى، وحصر أسماء المذهب الآخر ببغداد لتصفيتهم؟ أليست تلك داعشية مبكرة تُقابل عمل الوهابين القادمين من نجد عند اجتياحهم العراق (القرن 18 ميلادي)، و«الإخوان» بعد ذلك؟ أو ما فعله السلطان العثماني بمَن خالف طائفته؟ علينا الاعتراف بأن الجميع ابتلى بالداعشية، ذلك إذا صلحت المفردة للتعبير عن العنف الديني.

شعرت فيما أوردته المقالات الثلاث، وغيرها المئات ولكُتاب آخرين، بحرص على محاربة الإرهاب، ودعوة للتضامن لتجفيف منابعه الفكرية والحركية. إذا فكرنا في دحر الإرهاب هناك ما هو أهم من العمل العسكري، فهذا يزحزح الإرهاب للحظات، والتجارب معروفة، لابد من النظر في المحفزات.

إن عبث مليشيا، بقيادة معممين، بقبر بتكريت على سبيل المثال، مشهد مفزع لسكان المحافظة، وهو يخلق طوابير من الإرهابيين. وإن استعراض مليشيا علانية داخل بغداد يبرر للطرف الآخر الإبقاء على مسلحيه، لأنه يشعر بأنه في معركة طائفية عبثية لا تقاس بسواها. ناهيك عن ممارسات دينية ومدارس حوزوية بلا رقابة على مدى القرى والقصبات، فماذا تغذي هذه غير الثقافة المذهبية وتجسيدها في المدارس الرسمية والدوائر الحكومية كممارسات؟ كل ذلك دعائم للعنف الطائفي.

 

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 08-10-2014     عدد القراء :  3711       عدد التعليقات : 0