الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
المالكي يخسر في تونس

كتب أبو القاسم الشابي خلال حياته الشعرية الكثير من القصائد، لكن قصيدة واحدة ظلت تتردد على ألسنة العرب جميعا، وتظهر كلما مرت المحن بهذه البلدان، أو كلما أصرَّ أبناؤها على الدفع باتجاه المستقبل. بالأمس وأنا أتابع انتخابات تونس شاهدت مئات الشباب وهم يرفعون لافتات كُتب عليها: إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بدّ أن يستجيب القدر، واستجاب القدر لتطلعاتهم لنستيقظ صباح اليوم على خبرٍ يؤكد ان القوى العلمانية والمدنية حققت فوزا كاسحا في الانتخابات، معلنين طي صفحة حركة النهضة الإسلامية. ولأنني مثل كل عراقي ، أمضي أيامي متسائلا عن أسباب فشلنا ونجاح سوانا.. ولماذا نحن نتقدم قائمة الدول الأكثر فشلا وفسادا وخرابا؟ والأهم لماذا يختار ساستنا"الأعزاء"السير على طريق الصومال وأفغانستان، ولا يقتربون ولو مرة واحدة من تجارب مصر وتونس والبرازيل التي أعاد الشعب فيها انتخاب ديلما روسيف، المرأة التي أصرَّت على ان تضع بلاد السامبا في نادي الثماني الكبار، لا في نوادي بلدان الطوائف والمناسبات الدينية والحزبية، وان تحقق مستويات عليا في النمو، لا في العطل التي فاجأتنا جمهورية واسط بانها قررت ان تجعل عطلة الاول من محرم اكثر من يوم.

بالأمس اختار أبناء بورقيبة السير على طريق الحرية والمساواة واثبتوا للعالم شجاعتهم في رفض هيمنة أحزاب الإسلام السياسي على مقدرات البلاد ، وحولوا الانتخابات إلى مشروع حضاري يليق بشعب أبو القاسم الشابي.

واثبتوا للعالم ان الربيع العربي ، ثورة مدنية أبطالها شباب مثل البو عزيزي ووائل غنيم ، ولا يمكن سرقتها من قبل إخوان مصر وثوار ليبيا وأشاوس داعش!

أتذكر إنني كتبت في هذه الزاوية مقالا قبل اكثر من عام قلت فيه: هل سيخدع التونسيون مثلما خدعنا، وهل تصبح أقصى أحلامهم موافقة المسؤول على افتتاح نادٍ اجتماعي للأدباء، أو السماح بإقامة حفلة غنائية على أحد المسارح، وهل ستنتهي تضحياتهم بمثل ما انتهت إليه تضحيات إخوة لهم في العراق لا يستطيعون القيام بتظاهرة أو مسيرة تندد بالفساد والقتل اليومي، إلا بموافقة السلطات الرسمية؟ وهل سيضع أولو الأمر في تونس قانونا للأخلاق العامة مثلما يصر رجال دولة العراق الجديد على تشريعه لنا، وهل سيستجدون الحرية مثلما نستجديها اليوم؟ وكنت أخشى على أشقائنا في تونس من شعارات حزب النهضة الاسلامي التي تنادي بدولة القانون، لأنها شعارات براقة سرعان ما يلتف الساسة حولها فيفرغونها من مضامينها الحقيقية، فينتشر الفساد المالي والإداري وتكشّر المحاصصة عن أنيابها لتتقاسم الأموال والمنافع لتحرم الشعب منها. فما مرّ بتونس مرّ في العراق من قبل،حيث بادرت النخب السياسية عندنا قبل الانتخابات بالعمل على تعزيز الخطاب الوطني واتخذت جملة من الإجراءات في إطار إشاعة مفهوم الدولة المدنية وروح المواطنة لدى قطاعات كبيرة من العراقيين. فما الذي حدث بعد ذلك؟ قرر أشاوسة السياسة نسف اللعبة الديمقراطية بأكملها والانقلاب على هذه الخطة، والعودة بالبلاد إلى زمن القرون الوسطى".

ظل العديد من قادتنا ومسؤولينا يسخرون من مصطلحات، مثل دولة المواطنة، والقوى المدنية، والحريات، باعتبارها تمثل فكراً انهزامياً، ولا تزال كلمات فخامة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي التي قال فيها إن "الأحزاب الإسلامية استطاعت أن تدحر الملحدين والعلمانيين وتهزم الحداثويين وتنتصر عليهم"، ماثلة في الذاكرة.

علينا أن نعلـِّم الناس أن تضحيات شباب تونس وآلامهم وصبرهم، أثمرت تغييرا كبيرا.. أن نقول للعراقيين جميعا إن أشقاءهم في تونس هم أبطال هذا العصر، الذين ربحوا معركة الحياة التي رفع لواءها أبو القاسم الشابي قبل أكثر من ثمانين عاماً.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 28-10-2014     عدد القراء :  3651       عدد التعليقات : 0