الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الاعلام المعادي.. قف

لا احب عبارة "الاعلام المعادي" واحذر كثيرا من استخدامها، ليس لأنها مستهلكة، وقوانة قديمة، ولا لأنها تذكرنا بحملات اعلام صدام على كل اقنية وخدمات اعلامية تنتقد وتفضح سلوك الدكتاتور على انه إعلاما معاديا، بل، ولسبب بسيط، ان لا وجود لإعلام معادٍ في واقع الامر، فكل خدمة اعلامية تعادي جهة او زعامة او سياسة ما، هي معادية من زاوية تلك الجهات، على تناقض مواقعها، واختلاف جنس الخدمة المتداولة في هذا الميدان.

حتى الاعلام التجاري، فان توصيفه كإعلام معادٍ، يفتقر للدقة الموضوعية، أخذا بالاعتبار ان هذا الاعلام يخدم، عادة، اكثر من جهة، بحسب فاتورة الاتعاب، ويوالي اكثر من طرف، بحسب اشكال الحماية، فهو معادٍ لتلك وصديق لهذه، والنتيجة، ان هذا الاعلام يبيع الحملة عليه (من خصومه) كإعلام معاد، الى أصدقائه، فيرفع سعر العرق الذي يهرقه في الدفاع عن صاحب النعمة، ويسعى الى إثارة خصومات ومعارك مستمرة، ويسرّه ان يتلقى تهديدات او إحالات للقضاء، فإن ثمة جهات تعهدت بشد ازره والذود عنه.

والشكوى من الاعلام المعادي تظهر، في غالب الاحيان، حين يجد الشاكون انفسهم في موقف الضعف من مواجهة الاعلام الذي يهاجم اداءهم وسلوكهم ومواقفهم، بالحق أو بالباطل، ويعجزون عن تقديم سياق اعلامي منافس وفعّال ومُقنع، ليكون ساترا رصينا يتولى صد اختراقات الاعلام الآخر، والحق، ان لا قيمة للشكوى حين يكسب الاعلام "المعادي" الجولة لأن الشكوى هنا تفاقِم ازمة الشاكي، وفي العام الماضي، القت الشرطة الكولومبية القبض على اكبر مهرب ايطالي للمخدرات، هو روبيرتو بانونزي، ونقلت الصحافة عنه القول .."انا ضحية الاعلام المعادي" فكان ذلك بمثابة مديح لأصحاب تلك التقارير الصحفية الاستقصائية التي لاحقت جرائم بانونزي، ومنافذ تحركاته.

موضوع الاعلام المعادي يشمل قطعا الاعلامي المعادي، وقد صدرت في الاونة الاخيرة قوائم باسماء "الاعلاميين المعادين" جنب "الاعلاميين الاصدقاء" من مصادر مختلفة تبدو في الظاهر انها وهمية أو عفوية، لكن التمعن فيها يُرشد الى حقيقة انها مسربة من جهات تسعى الى تهديد كتاب الراي الذين ينتقدونها، أو إرشاء غيرهم، ومرة، قبل سنوات، وجدت اسمي موصوفا بـ"إعلامي معادي" مع حوالي خمسين من الكتاب والاعلاميين والسياسيين، مع سيل من البذاءات والشتائم والتلويح بالقصاص.. لدرجة اعتبرت هذا الاتهام وساما.. وليس كل اتهامٍ وسام.

***********

"ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ ... يَجدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالا"

المتنبي

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 28-10-2014     عدد القراء :  3930       عدد التعليقات : 0