الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
يا ليتني كنتُ هِنديّاً !

كان الشاعر الزهاوي على جانب كبير من الظرف والفكاهة، وينقل لنا المؤرخ الراحل خيري العمري أن الملك فيصل الأول طلب من الزهاوي أن يكون على رأس الوفد الذي يستقبل شاعر الهند الكبير طاغور ، ولا تزال صورة الزهاوي وهو يجلس على أحد كراسي محطة قطار بغداد وقد داهمه النعاس تعدّ من النوادر ويُقال إنّ المصوّر أرشاك التقط هذه الصورة ، وأن عبد الغفور البدري صاحب جريدة الاستقلال أصرَّ على أن يضع الصورة في الصفحة الأولى نكاية بالزهاوي .

ومن الطرائف التي تروى عن زيارة طاغور لبغداد أن الزهاوي ألقى قصيدة في ترحيبه كان عبد المسيح وزير يترجمها بيتاً بيتاً للضيف الهندي ، وقد جاء في أحد أبياتها :

أيها الكهرباء أنتِ جوابي للجماهير عند كل سؤال

عندها التفت طاغور ليقول للحاضرين بأنه يكنُّ كلَّ الاحترام لعلوم الغرب، لأنها إرثٌ حقيقي صادق وسعيٌ روحيٌّ عميق ، وأنهم في الهند يسعون إلى الأخذ بهذه العلوم ،لأنها الطريق إلى المستقبل.

وعن الهند .. فقد دارت في الأيام الأخيرة حرب ضروس على مواقع التواصل الاجتماعي " فيسبوك " بعد أن خرج علينا أحد سياسيي الصدفة ، ليثير فاصلا من " الردح " الطائفي حين قال عن أهالي مدينة العمارة إنهم من الهنود ، حديث النائب والردود الغاضبة منه تجاوزت مسألة الشحن الطائفي لتدخل في باب السخرية من شعب وحضارة عريقة مثل الهند التي لا يزال البعض ينظر إليها على أنها بلاد الأفلام الميلودرامية وقصص الحب الحزينة وآهات شامي كابور ودموع مابالا . هذه الهند انقرضت على أرض الواقع واستبدلت بجيش من الأطباء والمهندسين ورجال اقتصاد وعلوم .. لكنها أيضا لم تتخلَّ عن النجم سلمان خان والحسناء أيشواريا التي لا تزال تسحر الملايين أينما حلّت.

وقبل أن نضع مقارنات بين الديمقراطية الهندية التي رسّخها رجال مثل نهرو وديمقراطيتنا العرجاء التي ترفع شعار " ما ننطيها " علينا أن نقرأ في كتاب غاندي " قصة تجاربي مع الحقيقة " كلمات المهاتما عن التسامح " أحسست أن تسامحي ينقل شيئين للذين يظلمونني ويسيئون معاملتي، أولاً: مدى قدرتي على تقبل الآخر، وثانياً: قناعتي بأن قوتهم ستسقط يوماً ما ".

لو أعدنا قراءة التاريخ مرة أخرى، لوجدنا أن المتسامح غالباً هو الذي يفوز، وأن الحوار هو الذي ينتصر غالباً على يـد رجال كلماتهم أقوى من المدافع، أفكّر طبعاً في غاندي ونهرو، ومانديلا ولي كوان وسليفا والاسباني أدولف سواريث الذي استطاع ان يمحو من ذاكرة شعبة ايام فرانكو السوداء .

لا نعرف من أيّ شعوب نسخر ونحن الذين نقضي سنوات عمرنا في جدال هل نجعل من يوم السقيفة عطلة رسمية أم أنّ يوم الغدير أحقّ بذلك ؟

جاء هنري كسينجر إلى أميركا صبياً ولم يصبح مواطناً أميركياً ، إلا بعد أن بلغ الثامنة عشرة من عمره ، لكنّ هذا لم يمنع البيت الأبيض من أن يسلّم مفاتيح سياسته الخارجية بيد هذا الألماني القصير القامة ، بعد كسينجر حملت البولونية أولبرايت هموم الخارجية الأميركية ، فيما سُلّم للأفغاني زلماي خليل ملفاً خطيراً ومهماً مثل ملفّ العراق .

ولا أريد أن أُذكّر جنابكم الكريم بأن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي ابن مهاجر من المجر ، ولم تقم قائمة الإعلام ولا الفضائيات حين قالت الحاجة الكينية سارة عمر، جدة الرئيس الأميركي أوباما: اللهمّ أدخل حفيدي أوباما الإسلام.وقد جعلت فرنسا رشيدة داتي وزيرة للعدل من دون أن تسألها لماذا ولدت في المغرب.

لقد ألغت الأنظمة الحديثة الحدود الجغرافية ، وأصبح البحث عن الأصول اختراعاً عراقياً بامتياز ، حُرم مئات الآلاف من العراقيين من حقوق المواطنة وهُجّروا وبيعت ممتلكاتهم ،لأنّ القائد المؤمن كان يشك في أصولهم !

سيظلّ العراق بلاداً فوق الإثنيات والطوائف ،ولن نخذل العلامة الأثري حين قال مُرحبا بطاغور:

بغداد ثغر صاغه الله باسماً لكل أديب حطَّ فـيها رواحله

  كتب بتأريخ :  الإثنين 03-11-2014     عدد القراء :  4005       عدد التعليقات : 0