الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب

في مقدمة كتاب لم ينشر آنذاك لكارل ماركس تحت عنوان " مساهمة في نقد فلسفة الحق لهيغل" الذي كتبه في عام 1843، أشار كارل ماركس في المقدمة التي نشرت في عام 1844 في مجلته "الحوليات الألمانية الفرنسية" والصادرة بالتعاون مع آرنولد روج دون إلى أن :"المعاناة الدينية هي في آن واحد وفي الوقت نفسه، تعبير عن معاناة حقيقية واحتجاج على المعاناة الواقعية. الدين هو تنهيدة المخلوق المضطهد، قلب عالم لا قلب له، وروح ظروف بلا روح. إنه أفيون الشعب". ولقد سبق أن استخدمت هذه العبارة قبلئذ من قبل الروائي الفرنسي الثوري وسجين الباستيل ماركيز دي ساد عام 1797 في روايته "تاريخ جوليت"، الذي أشار إلى أن "الدين يفعل فعله كأفيون بشكل محض". لقد فُهمت عبارة ماركس من قبل بعض أتباع التيار الديني وفسرت بشكل مشوّه ومغاير لما قصده كارل ماركس. فقد اعتبر هؤلاء إن هدف ماركس من مقولته هو الإساءة والتشهير بالدين وبالمعتقد الديني، وكالوا الشتائم تلو الشتائم له وكفروا حملة أفكاره. ولكن قراءة متأنية ومحايدة لعبارة ماركس تقودنا إلى حقيقة أن ماركس لم يقصد في عبارته الاساءة إلى المعتقد الديني، بقدر ما كان يسعى إلى تبيان دور الدين في حياة المؤمنين الذين يؤمنون بأنه يخفف من معاناتهم ومن البلايا التي يصادفونها في حياتهم على يد البشر والطبيعة عندما يُشبّه كارل ماركس الدين بالافيون. فالأفيون استخدم ومازال يستخدم إلى الآن في التخفيف من آلام المرضى والمبتلين بالمعاناة.

إننا لو تخيلنا الآن أن الفرصة قد سنحت لكارل ماركس بالخروج حياً من قبره في مقبرة "هاي غيت" اللندنية، فستنتابه الدهشة والحيرة من حجم وبشاعة المآسي التي ترتكب باسم الدين في العالم، وتحديداً في العالم الإسلامي. إن ممارسات المتطرفين من أمثال داعش، وممارساته الوحشية والشذوذ الأخلاقي والنهب والتفنن في أفعال القتل إلى مديّاتها القصوى، وأقران داعش من المنظمات والمليشيات الدينية المسلحة ورجال التطرف الديني في عالمنا الاسلامي المنكوب وتخريفات بعض رجال الدين، لابد وأنها ستدفع كارل ماركس إلى إعادة النظر في عبارته المشهورة الدين هو أفيون الشعوب ووسيلة للتخفيف من معاناة الناس. فالبربرية والوحشية التي تمارس باسم الدين ستفرض على ماركس أن يطلق على هذا الدين الغريب العجيب الذي يعصف بأرواح شعوبنا ويدمر بلداننا صفة " سرطان الشعوب"، وليس "أفيون الشعوب". فسدى ولحمة ما نشهده من ممارسات وحشية لداعش والقاعدة وكل أنصار التطرف الديني والمذهبي هو ارساء تقاليد وأعراف قائمة على الوحشية وأساليب القتل والاعدام البربرية والعنف والنهب والتدمير والجهل والتخلف والخرافات والتعصب وتصفية كل من لا يدين بـ"دينهم" وتعطيل الحياة في مجتمعاتنا.

ويركز أتباع هذا الدين كل شرورهم على المرأة وتهميشها وتحويلها إلى سلعة للنخاسة والبيع والشراء وممارسة تقليعة المتعة والمسيار والزواج العرفي أزائها، وشرعنة الاغتصاب حيالها تحت واجهة مفردة غريبة هي "جهاد النكاح" و "جهاد الشهوة"!!، وهي مقولات وهرطقات عجيبة و لا تجد مثيلا لها في النصوص الدينية. لقد حوّل انصار هذا الدين "الجنة" التي تُعد حُلم المؤمنين في المدينة الفاضلة الى مجرد جُحر للدعارة ومبغى عام يحلم به المشوهون جنسياً والمنحدرون أخلاقياً، ومن الذين لا هم لهم سوى اللهاث وراء الجنس المبتذل وسراب أربعين حورية وسبعين جارية كي ينفذوا غزواتهم الانتحارية ويزهقوا أرواح الآلاف من الأبرياء. ولقد بلغ البعض حداً من الابتذال والاسفاف المخجل، بحيث أن الدعي محمود المصري لم يجد في سيرة الرسول وفضائله سوى "أن قوة الرسول الجنسية تعادل 4 آلاف رجل!!!". وعلى هذا النهج يتحول اتباع هذا الدين حتى إلى سماسرة على زوجاتهم وأخواتهم. ومن المناسب الاشارة بهذا الصدد إلى خبر أشبه بالأساطير نشرته الصحافة التونسية عندما القت الشرطة التونسية القبض على زوج وزوجته كانا ضمن عناصر جماعة "داعش" الارهابية وهم يحاولان العودة إلى تونس عبر الحدود الليبية قادمين من سوريا، وإحالتهما إلى القضاء. وافاد موقع " المرصد" ان صحيفة الشروق التونسية نقلت اعترافات "داعشية" تونسية تبلغ الثلاثين من العمر، ووالدة لطفلين أحدهما في شهره الثاني، والتي سافرت بصحبة زوجها إلى سوريا "للجهاد ضد الكفار" ومارست سلوكاً لا اخلاقياً مع ما لا يقل عن 100 داعشي في 27 يوما قبل الفرار من جحيم القتال إلى بلادها بطرق ملتوية. ونقلت الصحيفة عن هذه الداعشية وأسمها نورهان اعترافاتها، التي ورد فيها إنها انتقلت إلى سوريا بصحبة زوجها، عبر ليبيا صوب تركيا، ومنها إلى مدينة أعزاز السورية، مشيرة إلى ان زوجها تنازل عند طلب "داعش" في المنطقة الخاضعة لقيادات تونسية أخرى، بوضع زوجته في خدمة عناصر الجماعة. وأضافت نورهان أن زوجها بعد محاولات للرفض لم يجد بُدّاً من الإذعان لطلب "داعش" خوفاً على حياتهما. وأصبح الزوج مسؤولاً عن تلبية طلبات عناصر الجماعة من زوجته. واشارت الى انها كانت تعمل مع 17 سيدة اخرى من جنسيات مختلفة، مصرية وطاجيكية وشيشانية ومغربية وسورية وفرنسية وألمانية وغيرها، مؤكدة انهن كن يخضعن لأوامر مشرفة ومسؤولة صومالية تدعى أم شعيب. واكدت نورهان، أنها استمرت في "جهاد النكاح" حوالى شهر قبل إصابة زوجها في إحدى الغارات، مما سهل لهما الانتقال إلى تركيا للعلاج، ومنها تنظيم فرارهما إلى تونس، عبر ليبيا، قبل القبض عليهما على الحدود من قبل الأمن التونسي.

ويسخر المفكر الاصلاحي الإيراني علي شريعتي في كتابه "التشيّع الصفوي والتشيّع العلوي" من هرطقات وخزعبلات وممارسات متطرفة ينتهجها التشيّع الصفوي، حيث يورد على لسان رجال الدين الصفويين هذه الرواية:" تمكن الإمام علي من تحويل الرجل المنافق على الفور إلى كلب؟؟، كما أنه وبنفحة واحدة وفي طرفة عين زوّج امرأة وأنجبت لزوجها أطفالاً، وسكنت مع زوجها تحت سقف واحد لسنوات عديدة، ومن ثم عادت إلى حالتها العذرية الأولى!!!؟. وهنا من وجهة نظري يبدأ مفعول الترياق الصفوي وهو يخدر الشيعي البسيط، كي لا يسأل عن السبب الذي لم يدفع الامام علي إلى تحويل معاوية إلى كلب، بدلاً من خوضه لحرب صفين مقابل معاوية وما نتج عنها من نتائج سلبية، أدت في النهاية إلى استقلال معاوية بحكم الشام وسرّعت في مقتل الامام واستشهاده في محراب الصلاة على يد الخوارج، وهو أحد افرازات معركة صفين". ولا يتسع المجال لإيراد آلاف القصص الغريبة والخزعبلات والتخريفات التي يوردها الآن بعض رجال الدين ودعاة "التشيّع الصفوي" في العراق من أجل "استحمار" المؤمنين البسطاء وتشويه سيرة الأئمة.

إن هذه النزعات هي ليست بالأمر الجديد في التاريخ الانساني وفي الفقه الديني على اختلاف ألوانه. فمثل هذا الدين يجد طريقه بين أوساط العامة خاصة في فترات الردة وشيوع الاستبداد الديني والظلامية والأمية والخرافة، ومنها في مراحل من تاريخنا العربي والاسلامي، رغم أن ما يجري الآن هو الأبشع في تاريخنا. فلقد أشار إليها المفكر هادي العلوي في كتابه "التعذيب في الاسلام" الذي استند إلى مصادر تاريخية تكشف عن مدى استغلال الدين والنصوص الدينية لتبرير الممارسات الشريرة لبعض المتاجرين به. كما تناول المفكر المصري محمد عبده قبل أكثر من قرن ممارسات التيارات الدينية والمذهبية المتطرفة عندما قال إن هؤلاء: "جاءوا إلى الإسلام بخشونة الجهل يحملون ألوية الظلم ولبسوا الإسلام على أبدانهم". كما تناول المفكر الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي إلى مآل الدين على يد الجهلة والمتطرفين في أكثر من مناسبة، حيث يورد ما يلي:" صار المسلمون لا يفهمون من الدين سوى القيام بالطقوس الشكلية ثم يرفعون أيديهم بالدعاء : اللهم انصر الدين والدولة. إنهم يريدون أن يفتحوا العالم ولا يريدون أن يفتحوا بلادهم أو ينقذوها من براثن المرض والجهل والفاقة".

داعش والنص الديني

يتجاهل هذا التيار المتطرف العدمي والفوضوي موضوعة "الخيار" المنصوص عليها في النص الديني، ودعوات الخالق للمؤمنين على الالتزام بها. فهذه الموضوعة ترد مرات عديدة في القرآن، ففي سورة البقرة تنص الآية 256 على أن :"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم". ويشار في سورة الأنعام:" ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ". ويضاف إلى ذلك ما جاء في سورة الكافرون:" قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ". وعلى هذا المنوال يرد في سورة الكهف:"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا"( 29).

ولكن المتطرفين عندما يتجاهلون دعوات الخالق المار ذكرها، يتجاوزون على صلاحياته من خلال العمل بنصوص هي من اختصاص الخالق وحده عندما يواجه البشر في الآخرة كما هو وارد في النص الديني . فهم يتعكزون علي آيات تبيح لهم فرض إرادتهم وسفك دماء من لا يتفق مع أطروحاتهم ونهب وسرقة المال العام والخاص وانتهاك أعراض الناس، في حين أنها تمارس من صلب اختصاصات الخالق فقط ، والذي لم يكلف ولم يوكل داعش أو غير داعش ولا أي من المعممين بفرضها على خلق الله. فعلى سبيل المثال جاء في بعض النصوص مايلي:"هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قًطّعت لهم ثيابٌ من نار يُصّبُ من فوق رؤوسهم الحميم. يُصهرُ به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد. كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍ أعيدوا فيها. وذوقوا عذاب الحريق" (سورة الحج 19-22)، أو ما جاء كذلك "إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً" (النساء 56) . أو ما ورد:" من ورائه جهنم ويسقى من ماءٍ صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ" ( سورة إبراهيم 15-17). إضافة إلى ما جاء في سورة الدخان(43-48):" إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم. كالمهل يغلي في البطون. كغلي الحميم. خذوه فعتلوه إلى سواء الجحيم. ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم".

كما يستند المتطرفون إلى كوم من الأحاديث التي يشك في صحتها، سواء أكانت للنبي أو لأصحابه، كتلك التي يورد أكداس منها أبو هريرة، علماً أن هناك أكثر من مصدر يشير إلى اعتراض النبي في حياته على تدوين أحاديثه. فقد روي عن الدارمي والترمذي و النسائي وعن أبي سعيد الخدري قول الرسول:" لا تكتبوا عني شيئا سوي القرآن، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه". وروى الدارمي - وهو شيخ البخاري-عن أبي سعيد الخدري أنهم:"استأذنوا النبي في أن يكتبوا عنه شيئا فلم يأذن لهم". كما روي عن زيد بن ثابت أنه دخل على معاوية، فسأله عن حديث وأمر إنسانا أن يكتبه، فقال له زيد:" إن رسول الله أمرنا ألا نكتب شيئا من حديثه"، فمحاه معاوية.

البيئة الاجتماعية المشوّهة حاضنة لداعش وأخواتها

تعيش مجتمعاتنا، ومن ضمنها المجتمع العراقي، حالة من الفوضى الدينية والمذهبية واستشراء النزعات الفوضوية والارتماء في مستنقع الجهالة في عالمنا العربي والاسلامي الذي لم يأت من فراغ. فلقد أضحت هذه المجتمعات ذات تركيبة بنيوية هشة ومشوّهة ومريضة فكرياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وهذه الحالة المرضية هي التي أفرزت هذه الظواهر الشاذة وطغيان العنف فيها وتسطيح فكري ذي صلة بسلبيات تراكمت في تراثنا الديني والفكري. فالفئات الهامشية، أو ما يطلق عليها بالبروليتاريا الرثة والطفيلية، في مجتمعاتنا التي ازدادت حجماً غدت الحاضنة الاجتماعية لهذه الظواهر السلبية. فلا تبحث هذه الفئات ولا تجد لها أية فرصة للانخراط في النشاط الانتاجي، ولذا تتحول إلى قوى طفيلية تميل إلى الحصول على موارد سهلة المنال وبمختلف الوسائل غير السليمة وبدون نشاط انتاجي يهذب ويصقل سيرة البشر. هذه الظاهرة ليست بالغريبة على مجتمعاتنا التي تعيش فيها مجاميع هامشية وخاصة البدو الذين ينغمرون كما تشهد عليها الأحداث التاريخية في السطو والنهب والقتل والغزو وجني المكاسب المادية بدون "وجع رأس".

لقد سعى النبي غداة ظهور الدعوة الاسلامية إلى بث دعوته عن طريق ارسال مبعوثين له إلى قيصر الروم وقياصرة الفرس وملوك الحبشة كي يتبنوا الدين الجديد دون أن يستل سيفه أو خنجره. ولكن أتباع هذا النمط من التفكير الديني الفوضوي سرعان ما تخلو عن هذا النهج السلمي وعن المقولة القرآنية " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (سورة النحل). وهكذا بدأت بعد وفاة النبي موجة ما سميت بالفتوحات الاسلامية من قبل القبائل البدوية في الجزيرة العربية. وبدأ معها الحصول على الغنائم بيسر وبدون أي جهد، أي عن طريق السطو على الغنائم وخيرات الشعوب الأخرى إلى حد فرض الجزية والضرائب على أصحاب وأهل هذه الأمصار. وكانت لهذه الفتوحات والغزو نتائج سلبية على الفاتحين، حيث بدأت الخلافات تدب في صفوف المسلمين حول تقسيم الغنائم. وهكذا جيّشت زوجة النبي عائشة الجيوش لمقاتلة خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، وشن معاوية هو الآخر الحرب ضد خليفة المسلمين. وأودت هذه الخلافات بحياة ثلاثة من الخلفاء الراشدين هم كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب. وبدأت مع هذه الفتوحات عملية تشرذم الدين الجديد وتحوّله إلى مذاهب وشيع وفرق متناحرة ومتقاتلة لاحقاً، لا تتعاون فيما بينها على البر والتقوى، بل على الاثم والعدوان والتنافس على الغنائم. إنها أختلفت حتى في مظهرها وفي لباسها وعمائمها وأذانها وحتى نوعية طعامها، بل ولا تتفق حتى على موعد أداء المراسيم الدينية في أعيادها. فقد بلغ عددها في يومنا هذا إلى أكثر من 70 مذهباً وفرقاً وشيعاً إسلامية، على الرغم مما ورد في سورة المائدة:" اليوم أكملت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".!!!، فعلام هذا الاختلاف؟، في الوقت الذي يعلن الجميع التزامهم بالأركان الأساسية للدين الجديد وهي الشهادتين والصلاة والحج والصوم والزكاة؟؟.

إن ظهور داعش والفئات الدينية المسلحة المتطرفة في السنوات الأخيرة ما هو إلاّ تعبير عن حالة الفوضى الفكرية والمأزق الاجتماعي بسبب ازدياد الفئات الهامشية التي تلهث وراء الغنائم وتعيش على المورد السريع بعيداً عن النشاط الانتاجي. وهي تتغذى وتعيش على الخزين التراثي المتطرف لكل الطوائف من أجل تمرير مشروعها. وهذا ما يحصل اليوم في مجتمعاتنا. فالنفط وهو مورد ريعي سهل المنال ويثير لعاب القوى الهامشية، أصبح مصدر نقمة وليس نعمة في مجتمعاتنا. فدول الخليج لا تُبنى من قبل ابنائها وبفعل نشاطهم الانتاجي، بل من قبل مأجورين من شعوب أخرى يتم استخدامهم حتى في إدارة البيوت. فلا تجد في المؤسسات الانتاجية على قلتها منتجين محليين، بل غالبية من العمالة المأجورة الرخيصة القادمة من دول أخرى. وهذا يحدث خلل في التكوين الفكري والبنية الاجتماعية. ولم تسعى الدول النفطية الأخرى إلى بناء مؤسسات وصناعة وطنية متطورة أو زراعة عصرية، بل اتجهت نحو التسلح والغزوات والصراعات بين الدول العربية والاسلامية واستنزاف ثرواتها الطبيعية واثارة الحروب البينية كما جرى في العراق في عهد البعث، أو تمويل وتسليح العصابات بغلاف ديني أو مذهبي كما يجري الآن في العراق وسوريا وافغانستان وليبيا وتونس والجزائر واليمن وباكستان ودول أخرى حيث، تقوم به جهات متنفذة في السعودية وقطر وبعض بلدان الخليج التي تتعرض للابتزاز تحت واجهات دينية ومذهبية وفتاوى لا تحصى من قبل شيوخ هذه الفئات الهامشية. وأصبحت بلداننا مناطق جذب للفئات الهامشية المحلية منها وغير المحلية بحيث أصبحت الفئات الهامشية في الشيشان والصومال وأفريقيا وحتى الصين تتسابق على التوجه إلى بلداننا، وأضحت أحد المصادر المهمة للانتحاريين ووحوش التطرف الذي يتاجر بالدين.

لقد وفرت هذه الفئات الاجتماعية المتخلفة في البلدان العربية والاسلامية بشكل عام الفرصة لأطراف دولية وإقليمية وداخلية لاستغلال هذه الفئات كمخلب قط مأجور في المواجهات الداخلية والخارجية. فقد استخدمت هذه المجاميع الدينية المتطرفة في اثناء الحرب الباردة وعند المواجهة بين الغرب والاتحاد السوفييتي في افغانستان. فقد أرست المواجهة في افغانستان معزوفة " الجهاد ضد الكفار". وجرى احتضان هذه المجاميع المتطرفة في الدول الغربية وتوفرت لها كل الامكانيات المالية والمادية الضخمة وفي إطار التسليح. وأدى هذا العمى السياسي لحكام الغرب إلى تحوّل التيار الديني المتطرف إلى قوة عسكرية ومالية لا تهدد الوجود السوفييتي في أفغانستان، بل وتهدد من احتضنها ودعمها كالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. هذه القوى التي سرعان ما قوى عودها وارتدت على الولايات المتحدة في هجومها على الولايات المتحدة في عام 2001. وأصاب الدول الاقليمية كالسعودية ودول خليجية أخرى نفس العمى السياسي حيث أغدقت الأموال على هذه المجاميع ولكنها لم تنج من شرور هذه الفئات. وتحوّلت باكستان التي لعبت دوراً في تدريب هذه الفئات وإمدادها بالمعلومات إلى ميدان للمواجهة مع المتطرفين. وقد أشار أحد المسؤولين السابقين في المخابرات الباكستانية:" أن باكستان لن تتمكن من السيطرة على تهديدات المتطرفين. لقد لقناهم وأقنعناهم أنهم سيذهبون إلى الجنة، وهذه قناعة يصعب تغييرها فجأة". وجرت نفس الممارسة في مصر حيث أصبحت المنبع الرئيس في توفير وتصدير العقول المتطرفة إلى بقاع العالم في عهد الرئيس السادات . ولكن سرعان ما راح السادات ضحية على يد نفس هذه المجاميع. وقام الرئيس السوري بنفس الورطة عندما حوّل سوريا إلى ممر ومرتع للمتطرفين وساحة لتدريبهم كي يزرعوا الموت والخراب في العراق بذريعة التصدي "للاحتلال" وأحتضن فلول البعث العراقي كي يشاركوا هذه الفئات الطائشة في خرابهم وغيّهم، إلى أن انقلبوا عليه وحوّلوا حواضر حلب والرقة والمدن السورية إلى ركام.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 07-11-2014     عدد القراء :  4272       عدد التعليقات : 0