الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
شناشيل : المحاكمات .. لمن؟

كشف محافظ نينوى أثيل النجيفي أخيراً، لفضائية "سكاي نيوز عربية"، عن أن عدداً من ضباط الجيش قد أحيلوا إلى القضاء لمحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى، لأنهم سهّلوا على داعش الاستيلاء على ثلث مساحة البلاد، بمدنه المهمة كالموصل وتكريت وسائر بلداته وقراه الممتدة رقعتها من الحدود الغربية مع سوريا الى مشارف العاصمة بغداد.

إذا صحّ هذا، فهي خطوة صحيحة تماماً لتحديد المسؤوليات ولضمان ان القوات المسلحة التي تخوض الآن حرباً شرسة ضد داعش يُمكنها أن تحقق الهدف المنشود بهزيمة التنظيم الإرهابي وتحرير المناطق المحتلة وإعادة سكانها النازحين الذين يتجاوز عددهم المليوني نسمة.

نعم، الخطوة صحيحة لكنها ليست كافية أبداً.. ستظل قاصرة حتى لو شملت كل القادة العسكريين وسائر الضباط الذين أصدروا الأوامر للقوات بالقاء سلاحها وعدم أداء واجبها الوطني والمهني، أو فرّوا بأنفسهم وتركوا قواتهم لتقتدي بهم أو تواجه الغدر والقتل السهل... الخطوة ستظل قاصرة لأنها لن تنفذ الى العمق لتعالج الأسباب التي حملت الضباط وقادتهم على الاستسلام أو الفرار من ساحة المعركة من دون قتال.

أسّ المشكلة برمتها سياسي بحت.. الضباط وقادتهم الذين تصرفوا على نحو غير مهني وغير وطنية هم نتاج العملية السياسية غير السليمة القائمة في البلاد منذ 2003.. هؤلاء القادة والضباط عُيّنوا في مواقعهم من دون استحقاق مهني ووطني في الغالب .. نظام المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية والعشائرية والشخصية الذي اعتمدته الطبقة السياسية الحاكمة بديلاً عن الدستور وبالتعارض مع مبادئه وأحكامه، هو الذي جعل من ضباط مطعون في مهنيتهم ووطنيتهم يتولون مواقع قيادية ومناصب رفيعة، فتقدّم لديهم الولاء لأولياء نعمتهم على الولاء للوطن والعسكرية، وتفشّى الفساد المالي والإداري في صفوفهم على نحو لم يشهده تاريخ العراق، وندر مثيله في دول العالم الأخرى.

المحاكمات المنتظرة يجب ألا تقتصر على القادة العسكريين وسائر الضباط المتورطين في قضية الاستسلام لداعش أو الفرار أمامه، فهؤلاء يقف خلفهم قادة سياسيون (من كل الكتل النافذة في الحكومة والبرلمان) أصدروا إليهم الأوامر بإلقاء السلاح. وقبل هذا كان هؤلاء السياسيون هم الذين تمسّكوا بنظام المحاصصة الذي اخترعوه بأنفسهم ورسّخوا ممارسته واستقتلوا، ولم يزالوا، في سبيله، لاعتبارات شخصية وحزبية وطائفية.. وهؤلاء السياسيون هم الذين مهّدوا الأرض لأن يُصبح داعش قوة تستطيع التمدد على مساحة دولتين، العراق وسوريا، ويتطوع في صفوفها المقاتلون من عشرات الدول في مختلف قارات العالم.

الطبقة السياسية المتنفذة في الحكم منذ عشر سنوات تقع عليها المسؤولية الرئيسة في كل ما جرى في البلاد من محن وويلات وكوارث، ليس أولها احتلال داعش لثلث مساحة البلاد، ولن يكون الأخير.

المحاكمات العسكرية المرتقبة، إذا ما حدثت، تلزمها محاكمات سياسية موازية أو تالية ليصحّ الصحيح في نهاية المطاف.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 11-11-2014     عدد القراء :  2631       عدد التعليقات : 0