الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ليس للشهداء قبور

«1»

تحث الخطى من أجل أن لا تخلف الموعد، فالمسافة التي تقطعها كي تصل إلى الشارع الرئيسي لا تتجاوز الخمس دقائق، ورغم إيهامك لروحك بأنك ما زلت شابا في مقتبل العمر، أو أنك مازلت نصيرا شيوعيا يتحمل الكثير من متاهات التعب والسير، إلا أن حقيقة تعب العمر تفرض قانونها المعرقل لكل خطوة تخطوها. مع هذا واصلت السير ما دامت للموعد حرمته وهيبته. فهو ليس ككل المواعيد، هو موعد من نوع خاص جداً، يفترض بمن يحضره أن يلتزم بأدق تفاصيله، وأن يحمل في روحه حبا من نوع خاص أيضا، حباً ليس كأي حب، تتمازج فيه مشاعر الفرح والحزن بمعيار واحد، يقترن الفرح بمعيار الافتخار والحزن بمعيار الفقدان.

«2»

الوجوه التي تتطلع إليها هي تلك التي عرفتها منذ كذا من السنوات، المكان تعرف تفاصيله مثلما تعرف لون عينيك حين تنظر في المرآة. كان الهمس يخترق حاجز الصمت الذي يلف الجميع، وأنت تسأل نفسك.. هل هو المكان.. أم هي أرواح من سكن هذا المكان؟ ربما كانت الإجابة صعبة حقا ولكن الذي جعلني على يقين تام من صواب الجواب، هي أرواح من سكن هذا المكان.

«3»

قالوا سابقا (إذا ضاقت الصدور فعليكم بزيارة القبور) ولكن القبور التي تزورها أنت هي التي تزرع في روحك الإصرار على مواصلة الطريق رغم وعورتها.

«4»

أن تقف لهم إجلالا يعني أنك تقف امتدادا لتاريخك الذي هو امتداد لتاريخهم وتضحياتهم مهما أختلف لونهم وبشرتهم، هم حملوا في أرواحهم حبك لهذا ترى نفسك منسجما مع كل أمنياتهم التي قدموا حياتهم من أجلها، والتي هي في حقيقتها أمنيات لا تتعلق بهم شخصيا بقدر ما تتعلق بما آمنوا به من أفكار. لهذا ترى نفسك بين فرح رفاقك الشهداء وأنت محاط بكل هيبتهم وجلالهم. هم ينثرون الورد على قبور بعضهم البعض، لا سيما وهي الذكرى العاشرة لاستشهاد رفيقهم سعدون.

«5»

كان الجمع كبيرا من الأحياء، وكان همس البعض منهم يدور حول مستجدات السياسة، فالعراق يحتل بأخباره درجة السلم الأولى، ولكن الذي لم ينتبه له احد هو أن الرفاق الشهداء خرجوا من قبورهم لكي يصطفوا إلى جانب رفاقهم. عندها تمنيت أن يكون صاحب رواية (ليلة الهدهد) معنا كي يعرف حقيقة الإساءة التي وجهها إلى الرفاق الشهداء، عبر الحقد عليهم وعلى حزبهم، فقد كانوا معنا يزرعون شتلات الحب بين جميع الرفاق.

فليست لهم قبور بل منزلة أكبر وأرفع في أرواح وضمائر رفاقهم.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 19-11-2014     عدد القراء :  2859       عدد التعليقات : 0