الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
القانون من حسين جميل إلى محمود الحسن

كان حسين جميل وهو يقف وسط قاعة المجلس النيابي، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائصه هذه البلاد.. كان رجل الآفاق في القانون وفي السياسة، حارساً لمصالح الناس الذين انتخبوه ، وحين أصبح رئيسا للجنة القانونية النيابية عام 1948 وقف ليعلن ان لا مستقبل للعراق دون منح المواطنين جميعا، الحق في ممارسة الحريات، وأول هذه الحريات حق التظاهر ، وإصدار الصحف، وتمكين الشعب من ثرواته ، هكذا كان هذا القانوني البارع ، شجاعا في الدفاع عن قضايا الناس ، لم ينحز الى طائفته، لكنه انحاز بشدة إلى عراقيته، حتى قال عنه احد ألد خصومه نوري السعيد "لم اجد نائبا أكثر فهما للقانون منه"، كان هذا زمن عمل فيه ساسته من اجل مصلحة الأوطان، لامن اجل مصالحهم.

كان ذلك عصر إعمار المدن والنفوس.. فيما اليوم نعيش عصر خراب النفوس قبل البلدان.. عصر حروب الطائفية والمناصب واللهاث وراء المغانم والمكاسب.. عصر النواب فيه يضحكون على معاناة الفقراء.. لا أريد ان أذكركم بقصة الفديو الشهير الذي قام ببطولته واخراجه وكتابة السيناريو والحوار له النائب محمود الحسن، حيث شاهدنا فيه"الفقيه الدستوري" يقف وسط مجموعة من المواطنين البسطاء يملي عليهم شروط العيش بأمان ورغد، بخدعة بسيطة، توزيع أوراق قيل إنها سندات تمليك أراض، واكتشفنا فيما بعد ان الرجل مارس الابتزاز والخديعة ، وبدلا من ان يقدم للمحاكمة كوفئ بكرسي تعويضي في البرلمان . هكذا اريد لنا ان نعيش في ظل وضع انقلبت فيه السياسة من فن خدمة الأوطان الى فن خدمة الجيوب.. لم يعد لرجال مثل حسين جميل مكان.. فنحن نعيش مع ساسة أصبحوا من الجبروت والقوة بحيث يجبرون المؤسسات والدولة على اختيارهم، متعللين بدعم قواهم السياسية للحكومة، أو بموافقتهم على الانخراط بالعملية السياسية والتي يعتبرونها"منَّة"يمنون بها على الشعب المغلوب على أمره.

حين قرأت خبر تكليف النائب محمود الحسن برئاسة اللجنة القانونية البرلمانية ، أيقنت أننا مُصرون على ممارسة الكوميديا، والضحك في أصعب المواقف، وبغير ذلك أظن أنه من المرهق جدا محاولة فهم الخطوة التاريخية المباركة التي قررت فيها البرلمان تكليف بهذه المهمة التي تتطلب سياسي يحترم القانون ، لا يعزف على القانون.

الذين يعرفون الرجل جيدا سيقولون، انه سيلقي خطبة في البرلمان يشرح فيها إنجازات ائتلاف دولة القانون ، وسيقول البعض أنه سيتحدث عن منافع التكليف الشرعي للمناصب، فالعراقيون يتذكرون كيف خرج عليهم ذات مساء ليقول: "انه لا يسعى لكرسي البرلمان لكنه تكليف وعليه تنفيذه"وحين واجه ترشيح نوري المالكي لمنصب رئيس الوزراء، اعتراضا من بعض الكتل السياسية رفع إصبعه محذرا الجميع من أن عدم وجود المالكي في المنصب سيجر البلاد إلى مزالق الخطر ويطيح بالعملية السياسية. سيلقي الحسن كلمته"الرشاشة" في مجلس النواب، وأتمنى ان يضمنها إرشادات عن كيفية توزيع سندات اراض مزورة ، وأتمنى اكثر أن يعيد على مسامعنا نصائح الذهبية من ان الاحتجاجات والتظاهرات ضد الفساد مضرة ولا تجدي نفعا، لان دولة القانون وضعت العراق في مصاف الدول المتطورة

حتما لن يتغير شيء نحو الأحسن، لأننا في لحظة خارجة عن التاريخ، نسينا أن في هذا المكان – البرلمان – كان هناك مقعد جلس عليه رجل عراقي اسمه حسين جميل لم يتحدث يوما بلغة الطائفية والمحسوبية وإنما بلغة العراق الواحد.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 19-11-2014     عدد القراء :  3999       عدد التعليقات : 0