الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الجريمة المنظمة.. السياسية

لا يمر يوم، وربما لا تمر ساعة، في العاصمة بغداد بخاصة، دون ان يلقى بجثة مجهولة الهوية الى نهر او مفرق طرق، ودون ان تداهم مجموعة ملثمة متجرا أو مسؤولا أو مكتبا تجاريا، ودون عملية اختطاف تطال احد المواطنين، وتشمل نساء وأطفالا، ودون عملية نصب يقع في شراكها مواطنون القت بهم حظوظهم العاثرة على طريق الجناة، ودون ان نطالع على واجهات الاعلام وقائع لجريمة مروعة لا تحدث إلا في العالم السفلي لدولة تحكمها العصابات المنفلتة، ولا يأتمن فيها المواطن على حياته وممتلكاته وادنى ضمانات عيشه الكريم الآمن.

يستطيع المراقب، بسهولة، ان يرصد بان الغالبية الساحقة لهذه الجرائم المدبرة التي تشهدها العاصمة، ومدنا اخرى مثل بعقوبة والبصرة، تجري في وضح النهار وتحت سمع وبصر مفارز الشرطة ونقاط السيطرات العسكرية التي لا تبعد الواحدة عن الاخرى بضعة عشرات من الامتار، ولا يكون القول بان هذه العصابات محمية من بعض حلقات الامن الحكومية ومسؤولين نافذين في المنظومة الامنية بمثابة افتراض او تجنٍ على تلك السلطات، فبين ايدينا بيانات وتصريحات رسمية تعترف بوجود فساد في حلقات امنية وعسكرية نافذة تغطي مثل هذه الجرائم بل وتؤكد تورط افراد وضباط في جرائم تحمل توصيف الجريمة المنظمة، وتتجاوزها الى البُعد السياسي الموصول بالصراع الطائفي والفئوي، وهو الطور الاخطر في ملف الجريمة المنظمة المنفلتة، مع وجود بصمات عن مافيات كلاسيكية محمية تدير طاحونة الجريمة المنظمة من غسيل الاموال وتهريب النفط والاغتيالات بالكواتم وتجارة المخدرات الى تقديم الخدمة للجماعات الارهابية المسلحة، وقبلها تقديم خدمات التعبئة والاستزلام والارشاء في الانتخابات النيابية لصالح متنافسين يشار لهم بالبنان.

وزير الداخلية، اعلن يوم الجمعة الماضي من مدينة ديالى ان “هناك من يستغل الوضع الاستثنائي للبلد ويستغل مسمى الحشد الشعبي والتنقل بعجلات غير مرقمة ويقومون بعمليات خطف او خرق للقانون” وقبل هذا كانت وسائل الاعلام قد نشرت وقائع عن جرائم شنيعة ترتكب ضد اتباع اديان وطوائف باسم جهات ومليشيات، وجرائم اخرى تدخل في باب الفساد ترتكبها قيادات امنية وسياسية نافذة، وجرائم مسجلة على مجموعات تتعاطى السياسة والتهريب وتجارة السلاح وتدبير الاغتيالات وتتخذ من عواصم الدول المجاورة مراكز ادارة لها، وهو الطور الاخطر في الجريمة المنظمة اذْ تتداخل، عضويا، في شبكات الصراع السياسي وتضاعيفه.

ولعل اكثر شنائع الجريمة المنظمة، السياسية، ما يتعلق بغييب المسؤولية عن الجرائم المرتكبة بين اكثر من جهة، فيما كل طرف سياسي ينفي تورطه فيها واتهام الطرف الآخر بارتكابها، عدا ما يتعلق بارواح الناس وحالة التهديد الدائم لحياتهم المدنية، وتسجيل القتل اليومي على عاتق جهة مجهولة، في ظل اضطراب الاحوال الامنية، وغياب منظومة الملاحقة والمراقبة والتجريم، وقبل ذلك غياب التصورات لمثل هذه الجرائم واخطارها، في حين تشكل الدول المبتلاة بالجريمة المنظمة مراجع قضائية واجتماعية فاعلة ومتخصصة لبناء نظام من التشريعات والاجراءات الوقائية للجم هذه الجرائم ومنظماتها واغلاق الاقنية السياسية التي تتنامى عبرها.

الشرطة الجنائية الدولية التابعة للامم المتحدة تقول ان الإجرام المنظم هو عبارة عن مؤسسة إجرامية ذات تنظيم هيكلي متدرج و محكم تمارس أنشطة غير مشروعة من اجل الحصول على هدف مادي غير مشرع مستخدمة في ذلك العنف والقوة والفساد”.

وهكذا، ففي مستنقع الفساد ترتع الجريمة المنظمة، وتحمل من هناك “الباج” الذي يرخص لها الدخول الى السياسة.

“إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي ...

ولم تستحِ فافعلْ ما تشاءُ”

ابو تمام

  كتب بتأريخ :  السبت 22-11-2014     عدد القراء :  4125       عدد التعليقات : 0