الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
العلاقة الجدلية ما بين العملية السياسية والمحاصصة

   ثمة جدل سياسي يدور حول مدى العلاقة بين كل من العملية السياسية في العراق، والمحاصصة. وبعبارة اكثر فصاحة، اية واحدة منهن نتاج الاخرى ؟. ويلزمنا هنا التعريف بالعملية السياسية من ابعاد الثلاثة. الاول: نهجها في بناء الدولة، بمعنى، ديمقراطي مدني، ام ثيوقراطي "ديني"، او لبرالي ليس له ضفاف. لان اية عملية سياسية لا تظهر بصورة واحدة في كل زمان ومكان، انما هي مرهونة بظرفها الملموس، وكذلك ما يحيطها من تأثيرالقوى المهيمنة على عتلات القيادة السياسية فيها. والثاني: مسارات حركتها، هل هي تمضي نحو التغيير الايجابي ام العكس؟. اما الثالث من ابعادها: فهو ،ما مدى دور الجماهير وقواها الديمقراطية فيها. ومع انها من حيث الشكل تبقى في مطلق الاحوال تسمى "عملية سياسية" بيد ان الذي يتيح لها حسن البقاء شكلاً ومضموناً هو، جوهرها الديمقراطي الضامن للعدالة الاجتماعية وتحقيق مصالح اوسع الجماهير.

   وهنا في بعدها الثالث الاخير، تتجلى اهميتها، ولكن يتوجب الحذر عند هذا المفصل حيث تحتدم المواجهة بين القوى الصاعدة والاوساط القديمة المهزومة. فاية عملية هي عملية تغيير وليست مجرد لمسات ترميم وتبديل الطواقم القيادية بشبيهات لها من حيث المنهج في ادارة الحكم، سواء كان ذلك سلباً او ايجاباً، ويأتي الحذر المطلوب، بفعل الخشية من تجاهل التمييز مابين قوى التغيير الحقيقية، والقوى المتحفزة للردة من فلول الانظمة الفاشلة المزاحة عن سدة الحكم، فضلاً عن المتصيدين الذين يتسمون بقابلية التلون واللعب على مختلف الحبال. بمعنى من المعان، تسلق الزمرالطفيلية الوصولية التي لم يمسها "حرها ولا شرها" وتربت في احضان دافئة للانظمة السابقة. ولا يهمها سوى مصالحها الذاتية، التي تقتضي افراغ اية عملية من مضامينها الديمقراطية التغييرية، وابقاء الاوضاع العامة في حالة فوضى، الامر الذي يوفر لها افضل الفرص للهيمنة والتسلط.

   ويجدر التنويه هنا الى حالة غالباً ماتبرز وهي، سلوك اطراف من قوى التغيير، لنهج التماثل مع المستبدين، في ممارسة الاقصاء والاستحواذ، والظلم، وتقاسم المغانم بنفوس فاسدة. هذا ما تجلى بأتعس صوره وعلى اكثر من صعيد في العراق راهناً. وكعادة العراقيين حيث لم يتركوا شاردة او واردة، الا واطلقوا عليها تسمية، فسميت بـ" المحاصصة"، التي سرت سريان النار بالهشيم في مختلف ثنايا العملية السياسية. ولم ينج منها اي مفصل، اذ غدا من الصعب بمكان ان تذكر العملية السياسة من دون ان تجد المحاصصة الطائفية تحديداً هي الاكثر طغياناً، وهي الوجه الابرز لها، وتأسيساً عليه صار المواطنون اذا ماارادوا تلمس العملية السياسية لا يجدون غير هياكلها المبعثرة على شكل حصص بين المتنفذين من الكتل الحاكمة.

   وعودة على بدء لنخلص الى استنتاج. بأن العملية السياسية امست هي المحاصصة لا غير، وشاهدنا الابرز هنا هي حالة الدستور، الذي لُحست مواده ذات النكهة الطيبة نسبياً. فبالرغم من كونه قد فصل وفقاً لمصالح طائفية واثنية، ما عدا بعض لمسات من الحقوق العامة، فقد سجلت التجاوزات عليه رقماً خارقاً. وهذا اذا ما دل على شيء انما يدل على عدم الاكتراث به كمرجع للنظام القائم. وليس هذا فحسب، بل ثمة شواهد عديدة اخرى على ذلك. منها قانون الانتخابات، الذي تم تجيره لصلح المتحاصصين، الهيئات المستقلة تهدمت اسوار استقلالها، واستحوذ عليها طرف سياسي معين او شملتها المحاصصة ايضاً، هذا وناهيك عن النهب المنظم للمال العام. واخيراً وليس اخراً، اكتشاف وباء الفضائيين المستوطن في كامل جسم مؤسسات الدولة دون استثناء.

   لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبا، لدى المواطنين العراقيين، الذين اخذ الكثير منهم يتندر بالقول: {اذا اردت عملية سياسية خذ محاصصة، واذا اردت محاصصة خذ محاصصة !!}. ولابد من الاشارة هنا الى ان من يدافع عن العملية السياسية قد بات وللاسف الشديد متهماً بتأييد المحاصصة المقيتة، ومن يلعن المحاصصة يحسب معادياً للعملية السياسية من قبل المستفدين منها !!. وهكذا امست تفهم العلاقة مابين العملية السياسية والمحاصصة. اي انها قد تماهت مع بعضها، بل وهنالك من يقول ان العملية السياسية قد اقصيت واستورثتها وليدتها "المحاصصة". ولكن في مطلق الاحوال يبقى الامل في التغيير الاخير الذي اخذ المواطنون يتلمسون محاسن باكورته.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 23-12-2014     عدد القراء :  4005       عدد التعليقات : 0