الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مسؤولية البعثيين

كسائر المدن البريطانية ومدن غرب أوروبا، خلدت لندن الى السكينة في يوم الميلاد، فلا وسائط للنقل العام تتحرك ولا محال تجارية مفتوحة الأبواب .. الجميع انسحب الى البيوت .. أمضوا يوم العيد مجتمعين، عوائل وأصدقاء.. انه يوم الأكل والشرب وتبادل الهدايا والتمنيات بأيام قابلة أحلى من الأيام المنصرمة.

أمس كان يوم عطلة الـ"بوكسينغ داي" المتمم لعطلة الميلاد، لكن المدينة استعادت فيه حيويتها وصخبها، فهذا هو يوم الاندفاع الى المحال التجارية الكبرى لشراء السلع بأسعار مخفّضة، فقد انتهى موسم ويتعيّن التهيؤ لموسم جديد .. الناس سعداء بالميلاد وهداياه ولمّته وبتخفيضاته أيضاً .. بدت الأسواق أمس كما لو أنها لم تشهد حركة بيع وشراء نشيطة عشية العيد .. الواقع انه مظهر من مظاهر الإقبال على الحياة في مجتمع لا يشغله شيء أكثر مما يشغله التمتع بحياة سلمية هانئة وتحسين شروط هذه الحياة.

العراقيون كان يمكنهم أن يحيوا حياة مثيلة، مفعمة بالحيوية والنشاط والأمل وبرغد العيش، ليس بفضل النفط وحده، فثروة المياه والزراعة كانت كفيلة بجعل العراق، كما كان على مدى قرون في العصور الغابرة، دولة غنية مثل بريطانيا ومجتمعاً متمدناً ومتحضراً مقبلاً على الحياة ومتعها ومنتجاً لمزيد من الثروات المادية والفكرية.

في سبعينات القرن الماضي بدا ان العراق قد أوشك على أن يستعيد ماضيه "التليد"، بيد ان حزب البعث الذي تولى السلطة ووعد الناس بتعويضهم عن قرون التخلف المنصرمة ما لبث، خصوصاً تحت قيادة صدام حسين، أن نكث بوعده، واستخدم الثروة الهائلة المتدفقة من آبار النفط في إقامة نظام استبدادي، أضيرت فيه حتى القوى السياسية التي تشاطر البعث في فكره القومي، بل كان البعثيون أنفسهم ضحايا لوحشية صدام في عهده وفي العهد التالي.

العراقيون جميعاً دفعوا ثمناً باهظاَ لذلك النزوع الدكتاتوري الاستبدادي الذي لم يعمل البعثيون ما يؤدي الى وقفه وتغيير المسار الذي قاد الى حروب داخلية وخارجية كارثية، ويتضاعف الآن هذا الثمن بسبب موقف قيادة البعث وبعض البعثيين من النظام الجديد، وكذلك بسبب الفشل المريع لقوى الإسلام السياسي في إقامة نظام يكون بديلاً لدكتاتورية صدام .. إنهم يقيمون الآن دكتاتورية لا تقل في الواقع سوءاً عن تلك الدكتاتورية.

بعد نحو إحدى عشرة سنة على سقوط نظامهم لم تصدر عن البعثيين أية إشارة على انهم قد راجعوا تجربتهم واستوعبوا دروسها لينظروا الى المستقبل بعين أخرى .. انهم يصرّون على ان العيب في غيرهم وليس في نظامهم الذي لم يخلّف للعراق غير الدمار التام الشامل، وهذا خلل كبير في نمط تفكيرهم قادهم الى التحالف مع أكثر المنظمات الإرهابية تطرفاً (القاعدة وداعش).. انهم مسؤولون عما آلت اليه أحوالنا، وهم يتشاطرون مع قوى الإسلام السياسي المسؤولية عن الخراب الحاصل الآن.

أن يراجع البعثيون تجربتهم بموضوعية وتجرّد أمر مهم من أجل انفسهم ومن أجل العراق ومستقبل شعبه، وليمكنهم، كما غيرهم، أن يؤمنوا لأنفسهم مكاناً تحت الشمس.. فقط في عراق آمن ومستقر ومتطور في ظل نظام ديمقراطي حقيقي.

  كتب بتأريخ :  السبت 27-12-2014     عدد القراء :  2916       عدد التعليقات : 0