الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تعالوا نتمنى

في مطلع كل عام نزاول لعبة التمنيات، كجرعة عقار نستقوي بها على حموضة الاحداث ونكد الايام، ثم ندسها في حشوة اضطراباتنا لنجعل منها اسئلة صالحة لحسن الظن، والى احتمالات لا تتعارض مع منطق الاشياء، والى تهانٍ نبيلة ونظيفة مثل دمع العين.

وفي كل عام، منذ نيف والفين، نعيد قراءة حكمة الطفل النبي، ونشوف منها احوالنا وامتعتنا وسجلاتنا، ونستشرف منها طالعنا وايامنا المقبلة، فنتساءل أي عالم عجيب حل فينا؟ واية زلازل عصفت بنا؟ وماذا ينتظرنا من عالم واعوام؟ ثم نتواكل على غريزة البقاء بمواجهة تحديات الفناء والردة لنعطي المسيح بعض دين في رقابنا يوم حضنا على المسرات، وان يكون خبزنا كفافا "وعلى الارض السلام".

وهكذا ارتبطت هذه المناسبة، بالتمنيات زالمستقبل، فلو تأملنا دلالة ان يتمنى الانسان خيرا فاننا سنجد هناك مشغولية في المستقبل، فليس ثمة امنية موضوعة على توقيت الماضي الذي استنفذ اماني كثيرة كنا قد اطلقناها عشية اعوام سقطت من التقويم، عدا عن ان في ماضينا، القريب، روائح غير طيبة.

تتخذ الامنيات شكل جرعة من عقار مسكّن، إذ نقف على صفيح ساخن، بين ان نستأنف مشوارنا على الخارطة، او ان نستقيل منها الى شراذم، فيما نحن متعددون في الانتماء والعقائد والاديان والملل والمراتب والاجور، وموحدون في الجغرافيا وفصيلة الدم وحنفيات الماء. نقبل بذلك لنربح انفسنا، او نرفضه لنخسر الحياة.

العام 2015سيكون عام مخاضات عسيرة.. اليست هذه قراءة بلاغية إخبارية مكررة؟ فهل لهذه المخاضات علائم؟ يقولون، نعم، ثمة مؤشرات مسبقة لاحداث وتحولات في تقاويم هذا العام إذ تسبق بلوغ الاجنة أجَلها بعلامة الانقباض على الرحم والتمرد على مساحته وقدره، ويقولون، لا مفر من الاستعداد لاستقبال الوليد، والسعي الى تغيير معدات المشهد وتجديد مضامينه، وبخلاف ذلك-كما يقولون- فاننا حيال مصير اسود كانت قد سبقتنا اليه امم نسيها التاريخ المكتوب.

تمنياتنا تتسع الى اغصان زيتون كثيرة، ورطب، لزوم ان نجددها ونتجدد فيها، بوصفها العلامة الدالة على اننا مخلوقات مسالمة، او على وجه الدقة، اننا ولدنا مسالمين قبل ان نتوزع الى اقدار متناحرة: ابرياء وجناة، مثلما توزع اصحاب يسوع الى ملائكة وشريرين .

********

"الى الجحيم.. ألمْ تشبعوا تصفيقا بعد؟".

محمد الماغوط

  كتب بتأريخ :  الإثنين 05-01-2015     عدد القراء :  4071       عدد التعليقات : 0