الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
سبايا «داعش».. سقيا لجد الفرزدق

كان العاشر من يونيو 2014 فاصلاً في حياة نساء أُصلاء الموصل، فما أن دخلت أرتال «داعش» حتى بدأ التفكير بفتح أسواق النَّخاسة، في الإيزيديات على وجه الخصوص، وهنَّ المنتميات إلى إحدى الدِّيانات العراقية، التي اتخذت من الجبال والوديان مسكناً، وانتصبت في بطن وادي قضاء الشَّيخان قُباب معبد «لالش» المخروطية بيضاً كثيابهم الدِّينية، واتخذت من جبل سنجار بأطراف الموصل موقعاً تاريخياً، وحدث أن احتموا بصخور هذا الجبل من هجوم العثمانيين (1918)، بسبب إيواء نساء أرمينيات، وقبلوا بالقتل والتشريد على أن لا يسلمونهنَّ (القصارى في نكبات النَّصارى والإيزيدية قديماً وحديثاً). ولكن الزَّمن دار وسبيت الإيزيديات، فلا أحد يلوذنَّ به ويقاتل دونهنَّ؟

بعد اجتياح جماعة «داعش» المتطرفة للموصل، وتهجير المسيحيين وكل مَن لا يرضخ لظلامهم، ولا يقبل بالتَّجنيد في صفوفهم. تحدثتُ مع رجل مسن وهو أحد نزلاء مخيم بـ«حركة» بأطراف أربيل، ما مشكلتك مع «داعش»، وأنت غير مقصود؟ أشار إلى أولاده الشَّباب في الخيمة المقابلة وقال: «هربت بهم، كي لا يجندوهم فيحملوا سلاحهم لقتل بقية النَّاس».

كان أفظع ما أسفر عن كارثة الموصل عرض الإيزيديات للبيع، وأظهر تنظيم «داعش» فيديوهات تصور تلك العروض، وخطب قادة الجماعة تقرُّ بسبي نساء المخالفين، وعُرضت أسعار للنِّساء متباينة حسب العمر والهيئة، وما تركه تنظيم «داعش» من فظائع بالموصل وغيرها مِن مناطق العراق وسوريا لا يُشك في ما تحدثت به ناجيات من أسْر رجال التَّنظيم.

مع أن زمن الاستعباد إثر الانتصار في الحروب قد ولّى، إلا أن الزَّمن عند المتطرفين لا قيمة له، ولا للإنسانية حظ في مقالتهم الدِّينية وسلوكهم، فراحوا يطبقون ما ورد في صفحات التَّاريخ تطبيقاً حرفياً، نازعين كل وصية بإحسان أو رأفة بإنسان. حاول الإسلاميون، ممن يحسبون أنفسهم على الاعتدال والوسطية، إبعاد الشبهة عن كل تنظيم إسلامي، بما فيه «داعش»! وظلوا لا يلومونهم على شيء سوى العجلة في إعلان دولة «الخلافة»! وأنهم شذوا بعض الشَّيء، أما هتك كرامة الإنسان بإعادة فتح أسواق «الرَّقيق»، للغنائم مِن النِّساء، فلعله عند الإسلاميين ليس تجاوزاً، وهل «داعش» ظهر مِن غير نسل الإسلاميين، من «إخوان» أو جماعات «جهادية»؟ وربَّما ظهر عقوق منه تجاه الآباء ولكنه يبقى الابن الشَّرعي للإسلام السِّياسي. فـ«داعش» من «القاعدة» و«القاعدة» معروفة الأب والجد، تنتهي بعبد الله عزام (اغتيل 1989) والأخير «إخواني» قلباً وقالباً.

لقد عادت بنا فعلة «داعش» بالموصل إلى ما قبل الإسلام، بعثت بالسيئ منه. وإذا ذكرتنا بوأد النِّساء -السبي في العصر الحديث يفسر قياساً بالوأد ما قبل الإسلام- فقد أحيت ردود الفعل عليها أيضاً ذِكر صعصة بن ناجية بن عِقال التِّميمي، جد همام بن غالب الفرزدق (ت 110 هـ). كيف حصل هذا؟

حصل أن أخياراً من الموصل تقدموا إلى سوق «داعش» لبيع الإيزيديات، وقاموا بشرائهنَّ بما عرضوا مِن سعر وزادوا عليه، والغرض كان إطلاق سراحهنَّ كي يلتحقنَّ بأسرهنَّ، لا نعلم عن عددهنَّ، ولا أسماء المحررين لهنَّ، ففي ذلك خطورة لمّن يعيش داخل دولة «داعش». لم نعتمد على ما جاء في الإنترنت من أخبار الأسيرات وإنما ممن شهد تلك المواقع، ففي عرف «داعش» ليست هناك مفردة «إنسان» وردت في الكتاب أو الحديث، وليس هناك «لا إكراه في الدِّين»، ولا آية مِن آيات الإنسانية عامة!

فضلنَّا التذكير بجد الفرزدق في زمن الوأد الحديث، وكان يشتري البنات اللاتي يقع عليهنَّ الوأد مِن أهلهنَّ (المبرد، الكامل) لإنقاذهنَّ، وليس العرب كافة كانت تمارسه، وعلى ما يتبين من الآيات التي انتقدت ظاهرة الوأد بشدة أنه كان طقساً دينياً، عند البعض، قبل الإسلام، إضافة إلى أسبابه الاجتماعية التي تتعلق بالفقر والخشية مِن العار، وهذا ليس محل تفصيله، ومعلوم أن «الدَّواعش» قد مارسوا بيع النِّساء طقساً دينياً أيضاً. قال الفرزدق مفاخراً: «وجدي الذي منع الوائِدات وأحيا الوئيد فلم يؤدِ» (لسان العرب).

أترون كيف يحكمنا الماضي بشرِّه وخيره أيضاً؟ أترون كيف يعيدنا دعاة «الخلافة»، والإسلام السياسي على العموم، إلى عصور خلتْ؟ فمن مهازلهم أنهم يستخدمون أرقى التقنيات، التي اخترعتها عقول الكفار، الذين يقع عليهم السَّبي -حسب عرفهم- في عرض لائحة أسعار المسبيّات. لقد عاد الماضي بسوأته فيهم، وعاد بخيره على يد مَن لعب دور جد الفرزدق.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 06-01-2015     عدد القراء :  4080       عدد التعليقات : 0