الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الموصل.. ما قبل التحرير

السؤال الاستباقي، هو كيف يمكن ان تتحرر الموصل من براثن الغزاة الارهابيين قبل ان يجري التحقيق في اسباب سقوطها المدوي، ومساءلة المسؤولين عن تسليمها دون قتال؟ وملحق هذا السؤال هو: الى اين ستنتهي سيناريوهات «تكريم» كبار المسؤولين عن الكارثة؟.

طبعا، يحق للمراقب ان يحتفظ بشكوكه بسلامة النيات المتداولة عن التحقيق النيابي في سقوط الموصل، وهي ثكنة محصنة بالجيوش والشرطة والحراسات والغطاءات الجوية، على يد فلول مغيرة لبضعة الآف من المسلحين الذين لا يمكلون سوى ما تملكه العصابات من التدريب والجاهزية، مما لم يحدث إلا في دول تُعد نفسها الى الاستقالة من الخارطة، ومن جيوش للارزاق لا للقتال، وخنادق حوّلها الجنرالات الى استراحات خلفية للتراشق بالشتائم في ما بينهم بانتظار قذيفة واحدة ليخلعوا بزاتهم العسكرية ويهربوا بملابس رعيان الغنم، تاركين جنودهم الى طوابير الذبح الجماعي، والسكان الى حكم الهمج المتعطشين للدماء.

اقول، لا بد للمراقب ان يشك في حلول اليوم الذي تُعلن فيه نتائج التحقيق في اسباب سقوط الموصل، ومردّ ذلك، بكل بساطة، الى ان احدا من المعنيين المباشرين بهذا الزلزال، لم يعلن مسؤوليته (أو حتى جزءا من مسؤوليته) عن الهزيمة الشنيعة لهذه الطوابير الجرارة من الدبابات والافراد والنياشين من دون معركة، ولا احد منهم زاول المراجعة، وحساب الضمير واحترام ابسط قواعد الفروسية العسكرية والسياسية، وحتى الاعتذار، وهو اضعف الايمان.

بل انهم، من اعلى العناوين الى ادناها، راحوا يركلون المسؤولية بخفة ويتقاذفون بها من واحد لآخر، ومن تبرير مثير للضحك الى تبرير آخر مثير للعويل.. وفي تلك وهذه، ثمة استخفاف سافر بالعقول والذاكرة والسمعة والدماء التي اهدرت، وهي ثمن الهزيمة الاكثر هولا، بما تركته من مناحة في كل بيت، ومذلة في كل نفس.

وإذ يواصل العصاة إخضاع الموصل المحتلة الى محاكم الشوارع الكيفية وحفلات الاعدام اليومية، وسبي النساء، ونسف شواهد الحضارة، وفرض البيعة والخلافة والولاءات بقوة الحديد والنار، واستصال التنوع والعقائد والديانات، فان ابسط موجبات الاسى حيال ما يحدث في هذه المدينة المسبيّة تتمثل، بالنسبة للمسؤولين العسكريين والسياسيين، في حكمة السكوت والخجل، والكف عن إطلاق التصريحات والروايات، والمبادرة الى وضع انفسهم تحت تصرف القضاء والعدالة، لكن، بدلا من ذلك كله، ينظّم الذين اداروا سلطة القرار السياسي والعسكري واولئك الذين سلموا المدينة للعصابات حفلات الاعلام المغشوشة لتبرئة النفس، وتحميل شركائهم وتابعيهم الاداريين مسؤولية سقوطها والهروب المخزي من مواجهة الارهابيين.

ولعل الفصل الاكثر انحطاطا في ملف سقوط الموصل والمسؤوليات المباشرة وغير المباشرة عن تسليم المدينة الى زمر داعش يمكن ان نتابعه في اللجاجة عن وجود مؤامرة مبيتة على العملية السياسية وسلطة القرار «اكبر بكثير مما تتصورون» لكي يرهبوا الرأي العام ويحملوه على قبول الكذبة الجاهزة بان الهزيمة، بهذا المعنى، لا تعدو عن كونها انتصارا، وبهذا فلا حاجة لتحقيق ومحققين، ولا ضرورة للمزيد من الفصول والديكورات.. ولكل مسرحية خاتمة.

ستارة. تصفيق.

*******

«انك تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، أو بعض الناس كل الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت» .

إبراهام لينكولين

  كتب بتأريخ :  الأحد 11-01-2015     عدد القراء :  3972       عدد التعليقات : 0