الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
يا ابناء جلدتي.. اخشى ان تكون نهاية المشوار قد أزفت
بقلم : جنان بولص كوركيس
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يبدو ان الحس التشاؤمي عندي قد فاق الحد.. هذا ما يستشفه القارئ من عنوان هذا المقال.. فأنا مُذ وعيتُ على هذه الدنيا، ارى شعبي ينكمش، يتقلص، يُختصر و يختزل يوماً بعد اخر، و كأنه لا يخضع لنظرية  النمو السكاني الطبيعية، وكأن الولادات فيه قد توقفت او تلاشت.

نكبة تلو نكبة، تهميش وتغيير ديموغرافي، نكران جميل على كل المستويات، معاناة مستمرة، حرية مستلبة، حقوق مهضومة، نظرة دونية، فقدان المساواة و العدالة  الاجتماعية، مواطنة من الدرجة الـ(    )، الحلقة الاضعف، و اخيراً(ن).. اننا نعيش في زمن ملؤه القبح و الخيانة، لذا قد نجبر على ان ننهي مشوارنا في وطن نحن اصحابه قبل ان يفترسنا عصر الايديولوجيات و المذاهب و الفتاوى الجائرة.

عندما حلت الفاجعة الكبرى، بطرد اصحاب الارض منذ الاف السنين من ارضٍ تعبق برائحة الاجداد و انفاسهم، ارض حبلى بكل ما يحكي عن اصالتهم و عمق تجذرهم، لم يمهلهم الغاصب الآتي من عصور الغابرة، حتى ولو بالقاء نظرة وداعية على قبور موتاهم، او الوقوف هنيهة للتحسر على كل ما  صمّدوه و ادّخروه بعرق جبينهم، او التأمل في ذكريات العمر في مرتع طفولتهم و صباهم و شيخوختهم. حملوا صليب عذاباتهم فوق ظهورهم و ولّوا هاربين لا يلوون على شيء..

-   يقولون: "اننا نفهم احزانكم يا (اصلاء)، و نتعاطف معكم"!!

ادانات متفاوتة الشدة و المصداقية لعمليات التهجير القسري او الابادة الجماعية (ان صح التعبير)..

محللون و منظرون مسترزقون ازدحمت بهم الفضائيات، فالكل اصبح اليوم يدلي بدلوه في بئر (مأساتنا)، من طفل او ابسط انسان تصادفه في الشارع الى المثقف و العالم و المتبحر في مثل هذه الشؤون. فأنا شخصياً كنت  سابقاً ابدي رأيي في ما حصل لشعبنا في حلقات نقاش لا تنتهي كلما اجتمعنا، اما اليوم فقد تغيرت نظرتي تماماً..إذ ماجدوى النقاش.. ماجدوى البحث عن العلة..ما جدوى ان يكون رأيي صائباً.. فكل الاحتمالات واردة، و كل العلل واردة، و كل التفسيرات منطقية لظرف غير منطقي.

كيف حصلت المأساة؟ و من وارءها؟، و كم ستدوم؟ و من هو العدو المغتصب؟ و من هو الصديق الصدوق و الجار المخلص؟ كل يوم تسقط اقنعة و اوراق توت و تتعرى الخيانة، و لكن دوماً العقاب غائب و مفقود.

الكل بات متيقناً من ان هذه اللعبة السمجة التي عصفت بابناء شعبنا، قد تنتهي بقرار سياسي  في هذه اللحظة، او بعد اشهر، او تمتد لسنين، حسبما تقتضي مصالح الحيتان الكبيرة بالوصول الى مآربهم الدنيئة و تنفيذ ما خططوا له و شرّعوه، الى ذلك الحين سيبقى شعبي مقيماً في الخيم و الكرفانات و حقائب السفر، يتجرع الذل و الهوان، يحلم او قد لا يحلم بالعودة المشروطة بحماية دولية، مخافة عودة الزائر الغامض بنفس الصورة او بصورة ابشع.. فالسُكنى في بلداتنا اصبحت كالسُكنى على حافة بركان، لا نعرف متى يهدأ و لا نعرف متى يثور، يتحكم بهذا تصارع و توافق مصالح لا ناقة لنا فيها و لا جمل!.

قد ابدو غير موضوعية في طرحي هذا في نظر البعض، و لكن اتساءل:كيف اكون موضوعية حين يكون شعبي هو الموضوع، و هو الجرح و هو الحزن و الالم؟

قالوا لنا قديماً: "سوف يدور الزمان عليكم كما دار علينا، و سوف تقولون في ذات يوم حزين: سلام على الوطن يوم يموت و يوم يبعث حيّا".

  كتب بتأريخ :  الأحد 25-01-2015     عدد القراء :  2571       عدد التعليقات : 0