الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
زوربا عراقي

سألني قارئ عزيز: لماذا تعود دوما إلى تجارب الشعوب وتستعير الحكم والأمثلة من بطون الكتب؟ وأضاف القارئ: هل تتوقع أن ساستنا ومسؤولينا يقرأون؟ وانهم سيطيلون النظر في سطور مقتبسة من شكسبير او طه حسين او حتى المرحوم علي الوردي؟ أنا يا سيدي الكريم لا أكتب من اجل الموعظة، بل ضد التخلف، ولست أريد من مسؤولينا الأكارم أن يمضوا أعمارهم في تقليب صفحات ابن الأثير، والتغني بأشعار السياب، كل ما أريده وأتمناه ان أشاهد نائبة تختنق بالعبرات وهي تخرج من خيمة عائلة نازحة، ما اطمح اليه نواب وساسة يعرفون معنى المواطنة، لا أقبل أن يتحسر العراقي وهو يشاهد الممثلة انجلينا جولي تقبل يد عجوز ايزيدية، فيما العديد من نوابنا يقضون عطلة البرلمان في مولات بيروت ودبي.

هل شاهد ساستنا الأفاضل كيف احتضنت الممثلة الأميركية الاطفال والنساء وهي تذرف الدموع؟ ربما البعض منهم سخر وقال انها مشاهد سينمائية متقنة الأداء، لا يا سيدي لقد مات المئات من الأطفال في برد معسكرات النازحين من دون كلمة رثاء سياسية واحدة.

يا عزيزي القارئ الكريم.. انا وانت مواطنون في بلد ضعيف يستقوي عليه ساسته وإخوانهم ورفاقهم.. كنت امنّي النفس بنائب من المؤمنين والمتقين على شاكلة الكافر الألماني وزير خارجية المانيا شتاينماير، وهو يفترش الأرض في مخيم للاجئين العراقيين.

في اليومين الماضيين عاشت اليونان تجربة سياسية أرادت ان تثبت فيها للعالم ان الفعل البشري الحر يمكن أن يفعل الكثير اذا توافرت له الإرادة والرؤية الصادقة، حيث تبدو هذه البلاد التي عانت خلال السنوات الماضية من ازمات مالية وسياسية كأنها تريد ان تقدم نموذجا جديدا للحكم، نموذجاً ينتخب رئيس وزراء شاب يصر في أول خطاب له ان لا يتجاوز عدد اعضاء حكومته العشرة وزراء، وحين سأله احد الصحفيين كيف سيعمل بهذا العدد القليل، قال: علينا ان نشارك هذا الشعب العمل لإعادة الهيبة والاحترام الى العمل السياسي والحكومي، واستشهد رئيس الوزراء الشاب بثلاثة من عباقرة اليونان؛ الممثلة الكبيرة ميلينا ميركوري، وصاحب زوربا كزنتزاكي، غافراس، مخرج الفيلم الشهير "زد".

كأنما الدرس الذي تعطيه بعض الشعوب موجه على نحو خاص، الى بلد ساسة الخطب والشعارات البراقة واصحاب عبارات الرفض، ورافعي شعار "وحدي وليذهب الجميع الى الطوفان"، مجبولون على كره الحوار، يأنفون من ثقافة الشراكة السياسية. فيعيش الشعب معهم على الهامش. اكثر من مليوني عراقي يخوضون حرب الحياة مع الاهمال والتشرد والبرد لم يجدوا حتى اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة اي مسؤول يقف منتظرا عسى ان يتم مساعدتهم، لكن الساسة والمسؤولين ذهبوا صوب مايكرفونات الاعلام، يبثون يحتجون وينددون فيما العوائل المشردة لاتزال حتى هذه اللحظة تنتظر من يمد يده اليها لينفذها من العوز والفقر والتهجير القسري، الحكومات الفاعلة تفتح طرق الحياة مع مواطنيها، فيما يشيّد ساستنا سدوداً بينهم وبين الناس تكبر يوما بعد يوم.

سقطت الموصل بيد داعش ليس فقط بسبب تقاعس المسؤولين الأمنيين، بل بسبب النزاع بين ساستنا الأكارم، هكذا أيضاً سقطت الانبار بسبب نشيد الفقاعات والصراع الممل بين أحقية فلان بالكرسي وموقف علان من العملية السياسية، انتشر الخراب والوباء بسبب مسؤولين لم يقدموا لنا سوى الهم والغم وخطب معارك المصير والفقر والموت واخبرا وليس اخرا التقشف.

اليوم رئيس وزراء اليونان يحلم بأن يرقص مثل زوربا، فيما ساستنا يتعوذون من الشيطان حين يسمعون كلمة "فن " ويعتقدون أن تشريع لزواج القاصرات اهم وابقى من قانون رعاية الأيتام والأرامل.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 28-01-2015     عدد القراء :  3243       عدد التعليقات : 0