الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
حيدر العبادي والحرب والمعاول الهدامة!

   يعيش العراق في حالة حرب شرسة مع تنظيم عراقي، إقليمي ودولي متوحش، يطلق على نفسه "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام". وقد أعلن موجهو هذا التنظيم المشوه "الخلافة" على المسلمين وسمي "الخليفة" المجرم "أبو بكر البغدادي". تم هذا كله بعد ما يقرب من عشر سنوات على بدء نشاط هذه المجموعة المنشقة على تنظيم القاعدة والسائرة في دربها والمزايدة بوحشيتها عليها حين قام قطعان هذا التنظيم باجتياح العراق من بوابة الموصل في العاشر من حزيران 2014 حين كان المستبد بأمره وبمصالح الشعب العراقي نوري المالكي يحكم العراق مباشرة، وحين كان الطائفي المماثل له أسامة النجيفي رئيساً لمجلس النواب وكان أثيل النجيفي محافظاً في نينوى، وحين فرطوا جميعاً بجزء كبير من أرض العراق وسمحوا بنهجهم الطائفي وسياساتهم المناهضة لروح المواطنة أن تجتاح تلك القوات القليلة العدد حدود العراق من الموصل وتهيمن على مساحة كبيرة تفوق مساحة الدولة الإيطالية وتستبيح سكانها وتسيطر على كل الأسلحة والمعدات والأعتدة الأمريكية الحديثة وغير المستخدمة ومئات الملايين من الدولارات التي سمحت لهذه العصابات من تجنيد عشرات الآلاف من المرتزقة والطائفيين وتمارس نهج الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لسكان المنطقة من مسيحيين وإيزيديين وشبك وكاكائيين وتركمان وسبي النساء واغتصابهن أو بيعهن في سوق النخاسة، ومن ثم قتل 1700 مجند في قاعدة سبايكر وتمارس القتل بأعداد غفيرة من الشيعة والسنة ومن أبناء العشائر في الأنبار ومناطق أخرى من العراق.

   وحين أجبر المستبد بأمره ورهطه من الفاسدين والمفسدين على تسليم الحكم إلى حيدر العبادي، وحين وزعت المناصب السيادية في الرئاسات الثلاث وفي تشكيل الحكومة أدركت بما لا يقبل الشك بأن قدرة العبادي على تجاوز سلطة المستبد بأمره نوري المالكي والمحاصصة الطائفية ستكون محدودة جداً أ لم نقل مستحيلة، إذ وضعت منذ البدء العراقيل والعقبات في طريق أي تغيير حقيقي في وضع البلاد، فالرجل نصب نفسه مسؤولاً عن العراق من خلال وجوده في منصب نائب رئيس الجمهورية عملياً.

   سؤل رئيس الجمهورية العراقية عن نوابه فذكر بأن لكل من د. أياد علاوي وأسامة النجيفي مهمات محددة، وحين وصل الحديث عن المالكي قال لا أدري تماماً واعتقد أنه أخذ موضوع الاقتصاد والصناعة! والحقيقة هي أنه لا يدري حقاً لأن هذا السياسي الفاشل الذي مرغ جباه العراقيات والعراقيين بالتراب أمام عصابات وقطعان داعش والذي وضع العراق مع بقية القوى الطائفية المتعصبة في هذا الموقع الكارثي، هو المسؤول حالياً عن الحشد الشعبي الفعلي وهو المسؤول عن الكثير من الأمور الحساسة الأخرى، فماذا يا ترى يمكن أن يقوم به العبادي؟ وأخيراً صرح المالكي بأنه لا يريد أن يعود لرئاسة الوزراء إلا إذا أراد الشعب العراقي ذلك!!! هل تشعرون بمدى العبثية والعدمية التي يتسم بها المستبد بأمره!!

   أما السيد رئيس الجمهورية، الطيب القلب، فيتحدث ببساطة عن صديقه المالكي، ونسى مع الأسف الشديد أن الصداقة لها حدود، أي صداقة كانت، ينبغي لها أن تنتهي أو تشرنق حين يتعلق الأمر بمصالح الشعب العراقي ومستقبله ومستقبل البلاد، وأن من واجبه أن يضع حداً لتدخل هذا المستبد بأمره بشؤون شعب العراق وبهذه الصورة المرضية.

   مشكلة الحكم بالبلاد هي الطائفية السياسية وليس وجود الديانات والمذاهب، هي المحاصصة على أساس الدين والمذهب وليس المواطنة والكفاءة. ومشكلة الحكم بالبلاد تبرز في اقتناع الحكام الخاطئ والخطير بأن المصالحة تعني التفاهم بين الأسماء التي ما يزال يعاني من سياساتها الوطن والشعب، وليس بين أبناء وبنات الشعب العراقي، وليس بين المصالح الحقيقية لأبناء وبنات المكونات الاجتماعية، أي بين قوى الشعب العراقي. وبالتالي فهم يسعون إلى المصالحة بين هذه الأسماء والوجوه التي استُهلكت ولم تعد مقبولة لدى الشعب العراقي ولا مرغوب بها وبغيرها.

   المصالحة تستوجب الدعوة إلى مؤتمر وطني تساهم فيه الفئات الاجتماعية التي يهمها مصير الوطن وتمنح رئيس الوزراء صلاحيات إجراء تغيير جذري في سياساته الراهنة، فالحزب الذي ينتمي إليه والتحالف الوطني الذي يخضع له لا يريدان المساعدة لبدء سياسة جديدة بعيدة عن الطائفية ومصالح الطائفيين، بل يسعيان إلى تكريس الطائفية والمحاصصة الطائفية ونسيان مصالح أبناء وبنات تلك المذاهب الدينية، مصالح الشعب كله.

   إن أمام العبادي فرصة ثمينة للخروج من دائرة المحاصصة الطائفية إن أراد أن يقدم للعراق شيئاً ملموساً وسليماً، فهل سيكون في مقدوره ذلك والمستبد بأمره مفوض من حزبه وتحالفه بالتدخل في كل شيء ورئيس الجمهورية غير قادر على وضع حد لسلوك هذا الرجل.

   كان العراق ومنذ عقود وما يزال مبتلى بالكثير، وليس الكل، من الشخصيات السياسية الحاكمة المصابة بجنون العظمة والنرجسية المرضية والسادية، مصابة بمرض الشوفينية والعنصرية مرة وبالطائفية السياسية مرة أخرى وبالا ثنين معاً مرة ثالثة. وعلة نفسية - اجتماعية واحدة من تلك العلل كانت و ما تزال كافية لإدخال الشعب العراقي في نفق مظلم، في حروب داخلية وخارجية وقمع واضطهاد وموت وبؤس وحرمان، فكيف يكون حال الشعب حين تجتمع كل تلك العلل في شخص واحد كما كان عليه صدام حسين وبقية المستبدين بأمرهم. ولم تنته هذه الدوامة فهي ما تزال تسحق بنات وأبناء العراق. والعلاقات الإنتاجية والاجتماعية المتخلفة السائدة بالعراق هي التي توفر مستلزمات الكوارث والمآسي للشعب العراقي وهي المنتجة للكثير من صعاليك السياسة والمصابين بشتى الأمراض النفسية والعصبية والموغلين بوحل الاستبداد والقسوة والعنف.

   هل سيكون في مقدور العبادي كسر هذه الظاهرة المرضية التي يعاني منها العراق، وهل سيسمح له رفاقه في حزبه الطائفي وتحالفه الطائفي أيضاً وجيرانه الأكثر طائفية والتحالف الإقليم والدولي الذي شارك في كل ما يعاني منه العراق حالياً، وشعبه الذي برهن حتى الآن أن لا حول له ولا قوة وعاجز عن رؤية حقائق الوضع وأخطار الطائفية السياسية، والقوى الديمقراطية التي ما تزال حتى الآن، رغم الجهود التي تبذلها، لم تستطع تجاوز الأزمة التي تعرضت لها وتعرض لها المجتمع والحركة الوطنية والديمقراطية العراقية منذ بضعة عقود والتي ما تزال لم تتخلص منها وتكسر الحلقة الشيطانية التي تدور فيها.

   لقد تمنيت على المالكي، وكنت أدركت أنه في حزب طائفي، حين جاء إلى السلطة أن يدير اتجاه الحركة الخاطئ الذي تسبب به سلفه إبراهيم الجعفري وعمق الصراعات الطائفية وزج بالمليشيات الطائفية المسلحة في أجهزة الدولة، ولكنه خيب ظن الكثير من المتفائلين. والآن أتمنى للعبادي أن يتمكن من تغيير وجهة دفة الحكم حقاً، وإلا فالكارثة التي تنتظر العراق أكبر بكثير مما تسبب بها المالكي حتى الآن. وإذ يساهم المثقفون في الدعوة للتغيير فهم لا يستطيعون ولا يمتلكون المواقع التي في مقدورهم مساعدة العبادي في ما يتمنونه للعراق. فهم مبعدون عن التأثير المطلوب في المجتمع والإمساك بالدفة المناهضة للطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية. فبعض التعيينات الجديدة تؤكد عجز العبادي عن كسرر الحلقة التي يدور فيها نظام المحاصصة الطائفية وما يريده رهط المالكي.

   إن العراق يخوض حرباً شرسة ولا بد للسيد رئيس الوزراء من اتخاذ الإجراءات الصارمة والكفيلة بإيقاف أولئك الذين يعيقون تنفيذ السياسات والإجراءات الجديدة على محدوديتها، فالوضع الراهن لا يحتمل التساهل مع من يضع العصي في العجلة ويحلم بالعودة إلى الحكم حين يفشل العبادي، حيث تبذل الجهود الحثيثة المكشوفة والمستورة لإفشال العبادي وفرض تخليه عن السلطة لكي يعود المستبد بأمره إلى الحكم!!! إن الوضع العام يساعد العبادي على اتخاذ القرارات المناسبة التي تستوجبها عملية التغيير المنشودة! فهل سيفعل ذلك؟ أتمنى ذلك وأعمل من أجله..

  كتب بتأريخ :  الجمعة 06-02-2015     عدد القراء :  4164       عدد التعليقات : 0