الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
قرارات الثقة بالنفس

رجل الدولة الحقيقي، وكذا نظيرته امرأة الدولة، يعمل ويتخذ قراراته استناداً الى ثقة عالية بالنفس، لكنها ثقة منزوعة الغرور. هذا شرط لازم التحقق، فغرور رجل الدولة يُفضي الى الدكتاتورية التي يمكن أن تكون متوحشة ومدمرة.. وفي الغالب هي كانت كذلك، وهذا ما حصل مع صدام حسين وسواه.

ورجل الدولة الحقيقي، وكذا نظيرته الأنثى، يعمل ويتخذ قراراته استناداً أيضاً الى الثقة بمعاونيه ومساعديه، لكنها ثقة ليست بلا حدود، فالثقة المطلقة العمياء بالمعاون والمساعد تنتهي الى تنصيب المعاون أو المساعد حاكماً من غير مراسم، والى جعل الحاكم ألعوبة في أيدي المعاون أو المساعد الذي إذا كان فاسداً أفسد كل شيء.

القرارات الأخيرة التي اتخذها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة تعكس ثقة بالنفس وبالمعاونين والمساعدين الذين استشارهم السيد حيدر العبادي في هذا الأمر فأحسنوا المشورة .. لم تكن قرارات سهلة تلك المتعلقة بنزع سلاح الأحياء الرئيسة في العاصمة وبفتح مئة من شوارعها وطرقها، وانتهاء بقرار رفع حظر التجوال الليلي الذي لا يعكس الثقة بالنفس وبالمعاونين والمساعدين حسب، وإنما الشجاعة أيضاً.

الثمار الطيبة والنتائج الإيجابية لهذه القرارات لن تتحصل من تلقاء نفسها، فثمة متضررون سيسعون للعمل بالضد منها، وهؤلاء هم بشكل خاص الفاسدون الذين كانت الإجراءات الأمنية المُشدّدة مصدر ثروة وسلطة بالنسبة لهم. وعليه يتعيّن أن تقترن هذه القرارات بإجراءات تعززها، فالإرهابيون وعصابات الجريمة المنظمة سيحاولون الاستفادة من الوضع الجديد، ولابدّ أن يجري التعويل من جانب الأجهزة الأمنية على الأنظمة الأكثر فعالية لحفظ الأمن، وبخاصة أجهزة التحسس والمراقبة والتفتيش والتصوير الإلكترونية المتطورة الثابتة والمتنقلة التي بوسعها اكتشاف الأسلحة والمتفجرات، وملاحقة مرتكبي الجرائم الإرهابية والجنائية الى أوكارهم ومخابئهم. حتى في أكثر البلدان أمناً واستقراراً يجري نشر هذه الأنظمة في المدن وعلى الطرق الخارجية، لكي تكون عوناً لأجهزة الأمن في مكافحة الجريمة وسائر أشكال التجاوز على القانون والنظام العام، وتحقيق السلم الأهلي.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فان قوات الأمن المنتشرة في العاصمة والمدن الأخرى يتعيّن أن تتصرف بكامل الالتزام بحقوق الإنسان وبحقيقة أنها قوات الشعب المشكّلة لخدمته وضمان تمتعه بحقوقه وحرياته، وليس للتحكم به واستعباده وإهانته، فمن المهم للغاية أن تكسب هذه القوات ثقة الناس وصداقتهم كيما يكونوا عيوناً لها تراقب وتلاحق حالات انتهاك القانون بمختلف أشكالها.

لكن الأمن ليس مهمة الدولة وأجهزتها الأمنية وحدها.. إنها مهمة وواجب كل فرد في المجتمع، واذا كنّا نرفع الصوت عالياً طوال السنوات الماضية بالتذمر من السيطرات وقطع الشوارع وإغلاق الأحياء وحظر التجوال الليلي، فان قرارات العبادي الأخيرة تُلقي بالمسؤولية على كل فرد كيما يتعهد حصته ودوره في حفظ الأمن للمجتمع والدولة.

  كتب بتأريخ :  السبت 07-02-2015     عدد القراء :  3213       عدد التعليقات : 0