الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الأزهر لا يُكفِّر وهذا حَسن.. ولكنْ!

قرأنا العديد من المقالات والتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي؛ تعتب على مشيخة الأزهر لأنها لم تُكَفِّر د«اعش»، أو الجماعات الإرهابية الأُخر، ومن كتبَ قد لا يعرف أن الأزهر يتقيد بالعقيدة الأشعرية، التي لا تميل إلى التكفير، نعم قد تشير بالضلال أو الخروج، لكن ليس من تقاليدها «التكفير»، هذا ما سمعناه من لقاءات إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب (إسكاي نيوز عربية).

الأمر ليس بالجديد، إنما كان موقفاً اتخذه صاحب العقيدة نفسه الإمام أبو الحسن الأشعري (ت 324هـ)، الذي يسميه أتباعه من أهل السنة «صاحب الأُصول» (ابن خلكان، وفيات الأعيان). نجد هذا الموقف في مقدمة الأشعري لكتابه «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين»: «اختلف الناس بعد نبيهم، صلى الله عليه وسلم، في أشياء كثيرة، وبرئ بعضهم مِن بعض، فصاروا فرقاً متباينين، وأحزاباً متشتتين، إلا أن الإسلام يجمعهم، ويشتمل عليهم». كذلك لم ألحظ، على حد اطلاعي، عبارة «الفرقة الناجية» في كتابه المذكور.

قال شمس الدين الذهبي (ت 748هـ): «كلمة أعجبتني وهي ثابتة، رواها البيهقي، لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: اشهد عليّ أني لا أكفِّر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا اختلاف العبارات» (سير أعلام النبلاء). وقرأت أيضاً: «يقوم المنهج الأزهري على ثلاثة أركان أساسية موروثة، منذ أكثر مِن ألف عام، هي: أشعرية العقيدة، الجامعة بين العقل والنَّقل دون التَّكفير للمخالف» (زهران، الأزهر والسلفيون، كتاب المسبار 88).

لا يهمني إن كان هناك فقهاء أشاعرة كفروا الآخرين، ولا تهمنا، في هذا المقال، كتب الملل والنِّحل، المحسوب بعضها على الأشعرية، والتي ميز مصنفوها «الفرقة النَّاجية» عن غيرها. ومعلوم أن المذاهب والفرق جميعاً يعتبرون أنفسهم الناجين دون غيرهم، إنما تهمنا البداية بالأشعري، بعد تشكيل العقائد المذهبية، ومَن يمثلها الآن وهو إمام الأزهر.

لهذا فالأزهر لا يُكَفِّرُ، إنما الاكتفاء بنعوت كأهل الضلال، والأهواء، البدع.. إلى غيرها، على أن الكفر والإيمان من حق الفرد، والجنة والنار من شأن الله، وقلنا في العنوان «هذا حَسن»، ونحن نعيش عصر التكفير والقتل بعده. يشبه عصر الأشعري عصرنا في تصادم المذاهب مع بعضها البعض. لم تبق الخلافات بحدود الجدل إنما خرجت إلى التكفير، فالأشعري عاش التناحر بين مختلف المذاهب الكلامية، ببغداد والبصرة، وهو البصري المولد والنشأة والبغدادي النضوج والمدفن (ابن خِلِّكان، وفيات الأعيان)، واشتد التكفير في زمانه، بتداخل السياسة مع الدين، فخروجه بمبدأ عدم التكفير آنذاك يُعد امتيازاً، والتزام الأزهر به في زماننا أيضاً يُعد امتيازاً، وليت الجميع يلتزمونه.

لقد أصدر الأزهر بياناً ضد «داعش» يُعلن الحرابة عليه، وذلك عقب حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً بهذا المشهد المريع، مستنداً إلى نص قرآني: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ»(المائدة: 33).

جاء النَّص في جماعة طلبوا الخروج مِن المدينة، على أنهم أهل ضرع لا زرع، فأهداهم النَّبي إبلاً ينتفعون بألبانها، ولما خرجوا قتلوا الرَّاعي (الواحدي، أسباب النزول). لقد تغير الزمن والعديد من الدول الإسلامية الآن لا ترى تطبيق قطع اليد على السارق، والنص أتى بعد الأول في السورة نفسها. ناهيك عن أن النصوص حمالة أوجه، وكل يرفعها ضد الآخر، إذا صار الأمر سياسة أو قتالا. نعم، «داعش» تستحق الحرابة، على أن يكون ذلك عن طريق القانون، وإلا استفادت «داعش» نفسها مِن تعدد المراكز، وحرص آخرون على تنفيذ الحدود بلا قيود، كما حصل ونفذ «الحد» بخصم الإسلام السياسي فرج فودة (1992) بمصر.

كان موقف الأزهر سليماً في مواجهة الإسلام السياسي، بالوقوف مع ملايين الشعب المصري وجيشه، وسليم في نبذ تكفير المخالفين مهما كانوا، إلا أن للزمن حقه، فإذا لم تُراع «أسباب النُّزول» في التفسير ويُصار إلى التأويل الحكيم، سُيقدم المسلمون أنفسهم، وهم الآن أمام محنة مِن داخلهم وخارجهم، قابعين على أحكام ناسبت ما قبل 14 قرناً. أقول: فليكن اجتهاد الخليفة عمر بن الخطاب (اغتيل 23هـ) في التعامل مع النصوص حجةً وسنداً، وهو مشهور، وسماها «زمان ضرورة» (الطَّبري، تاريخ الأُمم والملوك). وأظن أن الانفتاح على العصر «زمان ضرورة» أيضاً.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 11-02-2015     عدد القراء :  3648       عدد التعليقات : 0