الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إمـــام المتقــــين

جميع مسؤولينا يتحدثون ليل نهار عن القيم الدينية، وأخلاق الحاكم، ورضا  الله والعباد، ومصطلحات وعبارات ضخمة.  لكن 99٪ منهم لا ينفذون شيئاً مما  يقولونه، سياسيون تعددت صورهم وأشكالهم، يلبس البعض منهم عباءة الفضيلة  ليداري رذائله، روائح فسادهم ملأت أروقة مؤسسات الدولة وتسربت منها إلى  الشوارع والأقضية والنواحي والمدن، وتحول بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس  الناس، وجوه غابت عنها صفات الشهامة والرجولة، والسمعة الطيبة، تجدهم يتصدرون المشهد في جميع المناسبات، يتحدثون عن العدالة والحق ولكنهم يمارسون الظلم والانتهازية، ممتلئون غلظة وقحطا روحيا يسيئون إلى الدين والاخلاق صباح كل يوم.

تذكرتهم اليوم وأنا اقرأ  كتاب "إمام المتقين"لعبد الرحمن الشرقاوي  ، وتمنيت لو أنهم وقفوا وقفة حقيقية أمام هذه السيرة وتعلموا منها، لكن للأسف فقد ابتلينا بمسؤولين يتحدثون باسم الدين ويسرقون باسم الدين، يصدعون رؤوسنا ليل نهار بخطب عن الحق والعدالة  والمظلومية في عبارات فقدت معناها من سوء استخدامها وجرأة تزييفها.

هل تساءل احدهم كيف مارس علي بن ابي طالب السلطة بأعوام خلافته الأربعة، لم يجد الإمام في الخلافة حقا استثنائيا في المال والأرض، فساوى نفسه مع الجميع، رفض أن يسكن قصر الإمارة ونزل  مستاجرا في منزل يملكه أفقر فقراء الكوفة، سيقولون هذه مثالية مطلقة وسنقول لهم إنها عدل شامل، فالخليفة لم يرض أن يسكن القصور فيما رعيته يسكنون بيوتا من الصفيح.

كان معارضوه يتجاوزون عليه إلى حد شتمه فلا يبطش بهم ولا يمنع عنهم المال ولا يستنفر مناصريه للخروج في تظاهرات، لأنه يرى أن الخلاف أمر شخصي بينه وبينهم، وما بيده من حكم ليس سلطة يقاضي بها مخالفيه في الرأي ولكنه يقاضي بها أعداء الناس، فمهمته إقامة الحق ودفع الباطل، ونراه يقول لمن يريد أن يفتك بالمعارضين: اتركوهم طالما لم يؤذوا الناس، مشيرا إلى أن السلطة ملك للناس وليست للحاكم ومهمتها حماية الناس لا حمايته.

ذهب وهو خليفة المسلمين مع سارق درعه ليقف أمام قاضي الكوفة يحكم بينه وبين السارق، ولم يأخذه منه قسرا، وحين حكم شريح القاضي بحق السارق في الدرع باعتبار ان الإمام ليس لديه بينة تثبت ملكيته، خرج علي راضيا، لا بل قال للقاضي:"اصبت يا شريح"لأنه لم يميز بين الحاكم والمحكوم، حتى وان كان القاضي في قرارة نفسه يعرف أن الدرع ملك لعلي.

هذا النمط بعينه من الحكم هو الذي جعل جبران خليل جبران يقول"لو أن تاج لويس الرابع عشر على ما رصع به من مكارم الأحجار وغوالي اللآلئ لو وضع في ميزان الحقيقة لا يصل إلى نعل علي بن أبي طالب.. تلك النعل التي قال عنها لابن عباس: إنها أحب إلي من إمارتكم هذه، إلا أن أقيم حقا أو ادفع باطلا"، البعض من ساستنا ربما يرى في هذه الأفعال نوعا من المثالية والخيال، لأنه يعيش مع علي ظاهرا ومع معاوية باطنا.

مشكلتنا اليوم إن الجميع يرتكب الجرائم باسم الدين، فيما الناس تريد من يوفر لها الأمن والاستقرار، ويشعرها بالأمل في الغد ويطمئنها على مستقبل ابنائها، الناس لا تريد من المسؤول ان يدافع عن الفساد والمفسدين والمرتشين، ويؤلب فئة على أخرى، ويقيم الدنيا ويقعدها من اجل الحفاظ على كرسيه، الناس لا تريد  مواعظ وحكم الجعفري التي استعصت على الفهم، ولا معارك الفتلاوي  من اجل تطبيق نظريتها في التوازن الطائفي  ، ولا دروشة صالح المطلك  كلما سمع بمفردة استجواب ،المواطن يريد  نظاما سياسيا يطبق مبادئ الحرية والعدالة والكرامة الانسانية.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 24-02-2015     عدد القراء :  3912       عدد التعليقات : 0