الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مُُفردات سومرية أكدية آرامية لا زالت مستعملة في اللسان العراقي - الجزء الثاني.

   جاءت تسمية اللسان في اللغة الأكدية على شكل (لِسانوم) وكانوا يُسمون اللغة الأكدية ب ( لِسانوم أكديوم )، وفي الأشورية والبابلية (لُشانو أو لُشانة)، وفي الآرامية (لَشنا) وفي العبرية (لشون) وفي العربية (لِسان).

   عِبرَ التأريخ العراقي إنصهرت معاً بعض اللغات العراقية القديمة لأسباب طبيعية أهمها أن أقواماً كثيرة سادت ثم بادت -في نفس المنطقة الجغرافية- مع لُغاتها، كاللغة السومرية التي إضمحلت تماماً في نهاية الألفية الثانية ق.م بعد ذوبان الشعب السومري بالشعب الأكدي الذي كان أكثر منهم عدداً بسبب جذوره السامية.

   وهذا حدث أيضاً للغة البابلية والآشورية حين ذابت في موجة اللغة الآرامية التي كانت أسهل تكلماً وتحوي على الأبجدية الفينيقية المتطورة، وبقيت الآرامية بكل جبروتها إلى أن جاءت العربية التي هيمنت على كل اللغات التي حولها ولأسباب كثيرة أولها أنها كانت لُغة المُنتصرين الذين فرضوها بشكلٍ أو بآخر على كل الشعوب الموطوءة يومها. وكما يقول إبن خلدون: "غلبة أي لُغة هو بغلبة أهلها"، وهذه حقيقة تنطبق تماماً على اللغة العربية التي كانت لغة محصورة في منطقة جغرافية صغيرة في الجزيرة العربية، ثم نراها فجأةً تبتلع الآرامية التي كانت لُغة العالم المتمدن يومها.

   كذلك تُعتبر العربية والآرامية لُغتين شقيقتين تابعتين إلى اللغة السامية الأم والتي لها عدة فروع أخرى، ولهذا يصبحُ تمييز الكلمات الآرامية من العربية صعب نوعاً ما لغير المُختصين المتمرسين في الأمور اللغوية. وحول ذلك يقول بعض العلماء والبحاثة في اللغات السامية بأن أربعة أخماس الكلمات الآرامية تشترك مع الكلمات العربية حرفياً، أو بإختلاف بسيط في حالة التلفظ، أو بتبادل بعض الحروف بينهما مثل (التاء والثاء) (الحاء والخاء)، (الصاد والضاد)، (السين والشين)، (الدال والذال)، (الطاء والظاء)، (العين والغين)، (الباء وال p الفارسية والفاء).

   وبسبب كل ذلك يتصور البعض بأن المُفردة الفلانية هي آرامية صرفة، بينما هي في الحقيقة من ضمن الكلمات المُشتركة بين الآرامية والعربية. ولنفس السبب يتصور بعض الكُتاب والبحاثة واللغوين العرب أن بعض تلك الكلمات هي عربية بحتة خالصة وأصيلة، ويروحون يُثبتوها في كتبهم وأبحاثهم وبعض قواميسهم بصورة ثوابت لا تقبل الشك!، وفي أحيان أخرى يقومون بذلك حين تقف معلومتهم وخبرتهم وجهودهم في إيجاد أصل المُفردة، فيتهربون بلباقة، زاعمين أنها مُولدة أو عامية دخيلة أو -كما يقولون في أغلب الأحيان- فارسية!!.

   يقول د. علي ثويني في كتابه (الألسنة العراقية): [ ثمة صيغ قواعدية مكثت من الآرامية في ألسنة أهل العراق والشام.

   ومن تلك الصِيَغ الكلامية الماكثة نجد صيغة (فاعول) في العراقية، وهي آرامية محضة، مثل (لاعوب) التي تُقابل (لاعب)، و (سابوح) التي تُقابل (سابح)، وكذلك (ناطور)، و ( صاعود) و (حاصود) … الخ.

   وترد كلمة (عود أو عودين) على وزن بعدين، وكذلك (يعمن وزعمن)، ويُمكن أن تكون صيغة قواعدية آرامية بسبب تكرارها ومحدوديتها عند العراقيين. و (بعدين) ظرف زمان آرامي بمعنى عندئذٍ، كذلك تعني (فيما بعد) ].

   وقرأتُ في واحدة من المقالات [ إن صيغة "فَعَلوت" لبعض الأسماء في العربية هي صيغة تكثر في الآرامية وتندر في العربية، وقد صاغت عليها العرب قديماً بعض الأسماء مثل: جَبَروت (جبر، وفي الآرامية هي: جَباروثا)، كذلك مَلَكوت (مَلِك وفي الآرامية هي: مَلكوثا)، وأيضاً رَهبوت (رهبة، وفي الآرامية هي: رَهبوثا)، كذلك رَحموت (رَحمة، وفي الآرامية: رَحموثا)، ومثلها: رغبوت ولاهوت وناسوت وربما هاروت وماروت ].

   كذلك هناك عادة تصغير الأسماء (بالواو والنون) في الآرامية، ومنها إنتقلت إلى اللسان العراقي، كقولهم "حمدون" بدل حمد وحميد وحامد، و"زغيرون" بدل صغير، و "سعدون" بدل سعد، و "بزون" بدل البسينة (القِطة)، وخلدون وزيدون ….. الخ. كذلك يقومون بتصغير أسماء أخرى مثل "دربونة" بدل درب، و "رازونة وبيتونة وأمونة وصغيرونة" … الخ.

   وأيضاً تقوم العامة من الناطقين باللهجة الشعبية العراقية العربية بتسكين أوائل (بعض) الكلمات وليس كُلها وعلى الطريقة الارامية، مثال: حْمار.. بدل حِمار، عْيون .. بدل عُيون، كْبار .. بدل كِبار، مْوت .. بدل مَوت. وهذا على عكس العربية التي لا تبدأ الكلمة بساكن قط.

   كذلك يتم تسكين أواخر الفعل في العامية العراقية وعلى الطريقة الآرامية، مثال قولهم: سَبَحْ بدل سَبَحَ، ونامْ بدل نامَ، وقامْ بدل قامَ، وغردْ بدل غَرَدَ.

   وتُلفظ الأفعال التي على وزن (تفعَلَ) و (تفاعَلَ) على صورة (إتفَعَل) و (إتفاعَل)، فيقولون: إتكَسَرْ بدل تَكَسَرَ، و إتلَوَنْ بدل تَلَوَنَ. و إتمَدَنْ بدل تَمَدَنَ.

   هناك مقولة يُرددها البعض بسخرية، عن حالة عدم إستعمال الظوابط العربية بصورة صحيحة في العامية العراقية، لكن غالبيتهم ربما لا تعرف المعنى لهذه المقولة، وهي: (( أكلوني البراغيثُ )). فمن أين جاءت:

   في القواعد اللغوية العربية أن الفعل إذا تقدم الفاعل لا يُطابقهُ في الجمع والتثنية، بل يبقى على إفرادِهِ، أما في اللغة الآرامية فيُطابقهُ في الإفراد والجمع، وقد تابَع أغلب العراقيين هذه القاعدة الآرامية في حديثهم اليومي فقالوا: (راحَوْا إخوْتي) بدل (راحَ إخوَتي)، أو (ماتَوا أهلي) بدل ( ماتَ أهلي)!، ونرى تأثير الآرامية هذا على أهل العراق في لُغتهم ولسانهم العامي العربي، وقد سمتهُ النُحاة سخريةً بلُغة (( أكْلوني البراغيثْ )).

   الحق أن هناك كلمات كثيرة جداً في اللغة العربية مُشتقة أو مأخودة من لُغة الفراتيين الأوائل ومن السومرية والآكدية بفرعيها (البابلي والآشوري) ومن اللغة الآرامية ووريثتها السريانية ومن لُغات كثيرة أخرى قريبة أو بعيدة جغرافياً عن البلاد العربية بحدودها المعروفة اليوم، لكنني سأكتفي بهذا القدر الذي إنتقيته حسب رأيي في أهميته للقاريء العراقي بصورة خاصة والعربي بصورة عامة، وتركت كماً كبيراً من تلك المفردات لكثرتها ولإنه تم تقديم الكثير منها سابقاًعلى مائدة القاريء وبصورة مكرورة. علماً بأن كل ما سيرد من مُفردات في هذا المقال هو من اللغات العراقية القديمة وليس من جيران العراقيين كالفرس والترك وغيرهم. وأرجو المعذرة لو كانت هناك أية أخطاء من أي نوع، وشفيعي كما قلتُ سابقاً بأني لستُ عالماً في اللغات، بل مجرد ناقل للعلم.

   أكو - ماكو:

   يقول د. طه باقر في كِتابه (من تُراثنا اللغوي القديم):

   [ الكلمتان "أكو" و "ماكو" من المُفردات اللغوية الغريبة التي يقتصر تداولها على عامية العراق، وتعنيان، على ما معروف، (يوجد) و (لا يوجد).

   وقد حار المُفسرون المحدثون في تأصيلهما وذهبوا مذاهب شتى، فمنهم من رأى أنهما إختصار ل يكون وما يكون. وجاء في مُعجم الألفاظ الكويتية للشيخ جلال الحنفي البغدادي أن كلمة "ماكو" مُركبة من "ما" النافية ومن كلمة "أكو" التي خَمَنَها تخميناً صحيحاً على أنها من الألفاظ العراقية القديمة التي بقيت معروفة ومتداولة إلى يومنا هذا.

   ونُقِلَ عن الأب إنستاس ماري الكرملي أن "أكو" و "ماكو" من الصابئية (المندائية) التي هي فرع من الآرامية والتي نقلتها عن اليونانية (كذا!).

   وتُعيننا النصوص المسمارية على حل هذا اللغز اللغوي، فقد ورد في اللغة الآكدية كلمة "ماكو" بمعنى: لا يوجد، وتُرادِفُها في اللغة السومرية "نو- كال" No-Gal (لا يوجد). وتعني اللفظة الآكدية "ماكو" عكس معنى الكلمتين اللتين تعنيان يوجد وهما "كاشو" و "باشو".

   ومع أنه لم يرد حتى الآن نص مسماري عن كلمة "أكو" بيد أن من المُرجح قياساً على ورود كلمة "ماكو" أن هذه الصيغة أي "ماكو" هي نَفي لكلمة "أكو".

   وتوسعاً في معنى "ماكو"، راجعنا قاموس شيكاغو للآشوريات (وهو مُعجم كبير يُخصص لكل حرف من حروف الأبجدية الآكدية مُجلداً أو اثنين) فوجدنا إستعمالات كلمة (ماكو) في السياقات الآتية:

   1- بمعنى: فقر، حاجة، عوز. وورد إستعمالها في اللغة البابلية القديمة (بين 2000 ق.م - 1500 ق.م )، والعيلامية، والبابلية الوسطية، والبابلية الفصيحة. وذَكَرَ القاموس أمثلة من الجُمَل التي استعملت فيها مثل: [ عسى أن يجعله (أدد) يُعاني من الجوع والفاقة، فيُلازمه الفقر، والعَوَز، والتعاسة ليل نهار.

   2- كفعل، ترد "ماكو" بمعنى "لا يوجد" كما في الجملة الآتية: (يعلم الملك أنه لا يوجد لديَ مكان أعيش فيه). وقد ورد هذا الإستعمال في أحد الواح تل العمارنة بمصر ( وهي رسائل بين ملكي مصر أمحوتب الثالث وأمحوتب الرابع الذي سمى نفسه فيما بعد أخناتون، وكان ولاتهما من حكام فلسطين وسورية، وكانت تُكتب الرسائل بينهما باللغة البابلية العراقية، لأنها كانت اللغة الدبلوماسية في العصور القديمة).

   3- وورد إستعمال "ماكو" في الواح مدينة ماري قرب دير الزور السورية بمعنى: "فقدان، عدم وجود، غياب".

   ولكن.. مما يدعو للحيرة أن كلمة "أكو" موجودة في البابلية بمعنى آخر، يختلف عن معناها في العراقية الدارجة المُعاصرة !. في قاموس شيكاغو للآشوريات جاء أن كلمة "أكو" تعني: (محروم، ضعيف، لا حول له، متواضع أو وضيع، أعرج، مُقعد، مُشوه) ]. إنتهى الإقتباس.

   ويقول قيس السعدي في مقال له بعنوان (( أكو ماكو مُفردتان فصيحتان مندائيتان)):

   [ المفردتان " أكو ، ما كو " العراقيتان الشائعتان الى الحد الذي جعل اللهجة العراقية الدارجة تتميز بهما، تثيران أستفسارات عديدة حول مرجعهما، خاصة وأنهما ليستا من المفردات الدخيلة الفارسية أو التركية. ويقود هذا الإستفسار الى كلمات أخرى عديدة جداً. وبما أن هذه الكلمات ليست دخيلة فهي أصيلة إذاً، وأصالتها متأتية من الأكدية أساس لغات ما بين النهرين ووريثتها الآرامية. ولأن اللغة المندائية الفرع الأصيل والنقي من اللغة الآرامية، ولأن المندائية كانت سائدة في الجنوب العراقي ولفترة طويلة كإمتداد لسومرية المندائيين، فإن شعب هذه المنطقة عامة كان يتكلمها بدلالة أن العديد من مفردات هذه اللغة ساد وما زال سائدا في اللغة المحكية لعامة المنطقة، بل وبعضها في عموم العراق وحتى بعض بلدان الجوار. ومن أشيَع هذه المفردات " أكو - ما كو". نعم، أكا: بمعنى موجود في اللغة المندائية ونفيها بـ "لا أو ما" يعني غير موجود. إذن " أكو .. ما كو " ليستا كلمتين للهجة عامية عراقية، بل هما مفردتان فصيحتان في اللغة المندائية حيث يقال: أكا هيي: الحي موجود، أكا ماري: الرب موجود ]. إنتهى الإقتباس.

   أما د. علي ثويني فيقول في (أكو ماكو ): [ وكلمة "أكو" التي تُميز العراقيين عن كل الجماعات اللغوية في الدنيا، وتُفيد لمعنى يوجد، فيقول عنها العلامة د. طه باقر إنها كلمة أكدية بنفس المعنى، ويرى الشيخ جلال الحنفي أنها لفظة صابئية عراقية قديمة، فيما يعتقد عبد الله ثنيان أن كلمة "أكو" تعني (موجود) وهي كلمة مُحرفة من عن كلمة (إيخو) الكلدانية، وهكذا تختلف تحليلات الفيلولوجيين الشعبيين العراقيين في أصول هذه الكلمة ].

   أما في لهجة (السورث) التي هي لِسان كلدان العراق اليوم فإن ( أكو و ماكو ) تُلفظ بهيئة: (إيثْ و ليثْ) و (إيثِن و ليثِن).

   كذلك يستعمل العراقيين إصطلاح ( شكو ماكو ؟ ) حين يُلاقون بعضهم يومياً، وبمعنى: ماذا حدث؟ أو ما هي آخر الأخبار؟ وللنكتة … يُقال أنه تم عرض أكبر وأجود كمبيوتر في العالم في واحدة من الأسواق الأميركية الكبرى، وكان الناس من كل شعوب العالم يسألون ذلك الكمبيوتر أسئلة صعبة لا تخطر على بال، وكان الكمبيوتر يُجيبهم بكل دقة. وحدث أن تقدم عراقي مُغترب وهمس في أذن الكمبيوتر بسؤال، فما كان من الكمبيوتر إلا الإحمرار والإصفرار وإخراج أصوات غريبة عجيبة ثم صرخ وخرج دخان كثيف من بين أجزائه وراح يدور حول نفسه كالسكران ثم سقط على الأرض ميتاً !!. تجمع الناس والشرطة الذين القوا القبض على العراقي المسكين وراحوا يُحققون معه سائلين بخشونة: ماذا سألتَ الكمبيوتر يا رجل!؟ أجابهم وبراءة الأطفال في عينيهِ: سألته: شكو ماكو ؟.

   ومن مُلاحظاتي أن العراقيين في لغة تخاطبهم اليومي يقولون عن نتيجة مباراة لكرة القدم مثلاً: غلبنا واحد ماكو، أو خسرنا 3 ماكو، وهنا نجد أن تعبيرهم للصفر -أحياناً- هو في كلمة (ماكو) والتي تعني حصراً (لا يوجد) أو (غير موجود) أو (صفر)، وهذا يُعيد إلى ذهني مقال -نشر في موقع الحوار- لصديقي د. ريمون شكوري (أستاذ الرياضيات في جامعة بغداد لسنين طويلة) عن الصفر الذي هو من إختراع أبناء الرافدين، والذين كانوا يرمزون له (بفراغ) حين كِتابته، مثلاً كانوا إذا أرادوا كِتابة # (305) يكتبوه على هذه الصورة: (5 3) أي 3 + فراغ + خمسة، حيث الفراغ بين الخمسة والثلاثة كان يُمثل الصفر في حسابات ومفاهيم أبناء وادي الرافدين القدماء.

   كذلك لو أرادوا مثلاً كِتابة (7004) فيكتبوها على هذه الصورة: (4 7) أي يتركون فراغين بين السبعة والأربعة حيث يُمثل كل منهما صفراً.

   ويقول د. ريمون شكوري في مقاله عن الصفر الرافديني: [ إن عدم ضم الصفر إلى قائمة الرافدينيين يُشكل بتراً إلى حد ما لنظامهم، لكنه لم يكن أبداً جهلاً بوجود الصفر كما تصور أو يتصور البعض، فالرافدينيين لم يجهلوا وجود الصفر ولا تجاهلوه، بل كانوا يتركون في ألواحهم الطينية (فراغات) في الأمكنة والخانات التي يجب أن يكون فيها الصفر مع بقية الأرقام ]. إنتهى الإقتباس.

   وهكذا نجد أن الصفر عند العراقيين القدماء كانَ يُرَمز له بالفراغ، أو في كلمة (ماكو) والتي تعني صفراً أو لا شيء أو فراغ أو غير موجود. ولهذا أيضاً فلفظة (أكو وماكو) هي عراقية قديمة وبحتة وتم إستعمالها منذ قديم الزمان، ولا يهم أن كانت سومرية أو آكدية (بابلية وآشورية) أو آرامية سريانية.

   * اله - إبل - ايلو - الله :

   إختلف المُفسرون واللغويون في معنى لفظ الجلالة "الله" وتأصيله. كما رأى بعض اللغوين من أهل الكوفة أنها مُركبة من أداة التعريف "ال" ومن كلمة "إله". وحول هذه الآراء أنظر على سبيل المثال تفسير الطبري واللسان وتفسير الرازي.

   وقد ذهب بعض المُفسرين مثل الرازي إلى أن كلمة الله أصلها سرياني أو

   عبراني، والصحيح في هذه الكلمة المُهمة ألا يُقتصَر في تأصيلها على أنها سريانية أو عبرانية فقط، وإنما هي من الكلمات المُشتركة في جميع ما يُسمى باللغات السامية القديمة، وأقدمها تدويناً الكتلة الشرقية في وادي الرافدين التي سميناها الآكدية (البابلية والآشورية بأدوارهما المُختلفة). فيُطلق على كلمة الرب في هذه اللغة لفظة "ايلو" بالضم، وتُجمع على "ايلي" في حالتي النصب والجر، و"ايلو" في حالة الرفع وبهيئة "ايلاني"على الإطلاق (منذُ العهد البابلي الوسيط، في منتصف الألف الثاني ق.م).

   ولا يُعلَمُ بوجه التأكيد جذر هذه الكلمة في اللغات السامية، وكل ما يُمكن إستنتاجه من نصوص هذه اللغات اللغوية أن هذا الجذر من حرفين أي بهيئة "ال" أو "ايل" (IL) ( EL) ولكن لا يُمكن الجزم بشكل الحرف الأول .. هل هو الهاء أو العين أو الألف أو الهمزة ؟. وقد قيلت أراء كثيرة ومُختلفة في معنى هذا الجذر السامي العتيق منها: "الأهل، الخيمة، العشيرة، القبيلة"، أو أنها من العلو والسمو!.

   * بعل:

   كلمة (بعل) بمعنى السيد والرب والمالك والصاحب موجودة في جميع اللغات السامية القديمة منذُ أقدم الأزمان، بدليل ورودها في النصوص الآكدية القديمة والوسيطة والمتأخرة، أي منذُ منتصف الألف الثالث ق.م. ولكن .. فُقِد حرف الحَلِق أي "العين" في الآكدية بسبب إتخاذ البابليين للخط المسماري الذي لا يوجد فيه كثير من حروف الحلق، وهو الخط الذي قُلنا أن السومريين هم الذين إخترعوه، وأن لغتهم خالية من أغلب تلك الحروف.

   المعنى الأساسي الأصلي لكلمة "بعل" هي للسيد، ولكن إتسع معناها لتدل على الرب والإله، كما نُعِتَ الإله البابلي مردوخ بأنه "بعل شامي وأرصيتهم" أي (رب السماوات والأرض)، ولُقبت الآلهة عشتار الشهيرة بأنها "بعلة ايلاني" أي: (سيدة الآلهة).

   * مسكين:

   تشتقّ المعاجم العربية كلمة "مسكين" من جذر "سَكَنَ" ومنه "إستَكانَ"، ويعني كذلك (الذليل)، وإنتقل هذا المُصطلح إلى كثير من اللغات العالمية، ومع أنه لا يشكّ في تأصيل هذا المُصطلح لوجوده في معظم اللغات السامية، بيد أنه يجدر أن ننوه تأييداً لهذا الإشتقاق بأن هذا اللفظ هو من الكلمات الشائعة في اللغة الآكدية (البابلية والآشورية) وعلى هيئة "مُشكينو" و (مُشكينم بالتمييم)، الذي إكتسب معنى إصطلاحياً في العرف القانوني والإجتماعي. فقد أُطلق في قوانين العراق القديم -مثل شريعة حمورابي الشهيرة- على الطبقة الوسطى من المجتمع التي تأتي في السلم الإجتماعي ما بين طبقة العبيد (أردو، وردو) وبين الطبقة العليا (طبقة الأويلو).

   ويُرجح كثيراً أن الجذر الذي أُشتق منه هذا المصطلح البابلي هو فعل "كانو" من الصيغة التي تعرف في نحو اللغة الآكدية بالصيغة الثالثة بإضافة حرف الشين إلى الثلاثي لتعديته، وتضاهي هذه الصيغة صيغة أفعَل العربية (أي تعدية الفعل بالألف مثل كرم، أكرم). ومنها إسم الفاعل الآكدي "مشكينو" كما يشتقه باحثون آخرون من فعل "شكانو" الذي يعني: سَكَنَ وإستَكانَ، الخ.

   * نون:

   ورد عن كلمة "نون" في المعجمات العربية عدة معان، منها ( السمك، الحوت، والحبر )، ولعل هذا من الآية القرآنية: نون والقلم… الخ. وجاءت كلمة "نونو" في البابلية والآشورية، وهي تعني نفس المعاني العربية وأشهرها (السمك والحوت).

   ومما يجدر ذكره بهذا الصدد أن إسم مدينة نينوى في الموصل (المدينة الآشورية الشهيرة) يتضمن معناها ولفظها "نيموآ" معنى الحوت والسمك.

   * نفط:

   عُرِفَ النفط الخام في العراق القديم منذ أقدم الأزمان، ولكن لا يُمكن البت هل أُستعمل للإنارة ؟، بإستثناء بعض الإشارات التي وردت في النصوص المسمارية إلى إستعمال المشاعل التي يرجح أن النفط الخام أو ( النفط الأسود) قد أُستعمل فيها.

   كلمة "نفط" وردت في اللغة الآكدية (البابلية والآشورية) بصيغة مُضاهية للعربية وهي "نبطو" بالباء الباريسية أو الباء البابلية. كما يوجد فعل "نباطو" (مثل مادة نبط العربية). وتُكتب كلمة نفط في نظام الخط المسماري بعلامات مسمارية سومرية منها "يا - اسِر" ، ويُرادفها في البابلية "شمن - اتي" بمعنى سمن أو زيت القير، حيث كلمة "اسِر" السومرية تُرادف الكلمة البابلية Ittu أي القير، ومنه إسم مدينة "هيت" التي تعني القير أو مدينة القير. وتُكتب كلمة "نفط" البابلية بعلامات مسمارية سومرية أخرى، وهي "يا - كُر - را" I - Kur - Ra K ، ومعناها في المسمارية زيت الجبل أو الحجر.

   * شعر:

   لا خلاف بين الباحثين في أن كلمة الشعر من مادة عربية (هي جذر شعر)، ولكن الذي تحوم حوله الشكوك هو أصل الشعر، وهل أنه من الغناء والإنشاد ونحوهما، ثم نقل أحد معاني جذر شعر إلى المعنى الإصطلاحي أو المجازي أي شعر؟.

   وهناك إحتمال أن نشوء الشعر كان من الإنشاد كما يُشير إلى ذلك المُصطلح الذي يُطلق على الشعر في حضارة وادي الرافدين، وهو كلمة "شيرو" Shiru البابلية و "شير" أو "سير" أو "سر" Sir السومرية، حيث ظهرت العلامة المسمارية التي تُكتَب بها هذه الكلمة في نظام الخط المسماري منذُ ظهور هذا الخط في منتصف الألف الرابع ق.م، وتعني بالدرجة الأولى ( الغناء والإنشاد والترنيم).

   ولكن لا يُمكن الجزم هل أن الكلمة السومرية "سير" أو "شير" مُشتقة من البابلية "شيرو" "شعرو" أو أن العكس هو الصحيح !؟. على أن ما يُرجح الأصل البابلي أن مُصطلح "شير" "شعرو" موجود في اللغات السامية القديمة، مثل: "شير" العبرانية، و"شور" الآرامية، التي فقدت حرف العين الوسطى. ومن ذلك المُصطلح العبراني "شير هشريم" أي: (نشيد الأنشاد) المنسوب إلى سليمان في التوراة. ومن قبيل هذا ما جاء في المآثر العربية عن أصل أوزان الشعر أنها من الغناء وحداء الإبل، والمُصطلح الأدبي في رواية الشعر من خِلال قولهم "وأنشد فُلان".

   وفي كلمة (شعر) يقول د. علي الشوك في كِتابه (جولة في أقاليم اللغة والأسطورة): [ لفظة "شيرو" الأكدية و "سير" أو "سِر" السومرية التي تُقال للشعر، ومثلها كلمة "شعر" العربية، و "ش ي ر" الكنعانية، و"شير" العبرية، قد تعود إلى هذه المادة بصلة، (وهناك

   أيضاً Shur السنسكريتية والتي تعني: يُغني). وذلك إستناداً إلى الصلة بين القيثارة السومرية وبين الثور، لإن أوتار هذه الآلة تبدو في النقوش وكأنها تخرج مُباشرةً من جسد الثور، ربما إشارة إلى أصواتها إنما تند من أمعاء هذا الحيوان - ألإله ]. إنتهى الإقتباس.

   * جا: بالجيم الفارسية.

   لفظة (جا) مُقتصرة حصراً على سُكان الجنوب العراقي، حيث يستخدمونها بغزارة واضحة في لسانهم اليومي ولُغتهم الشعبية الجميلة.

   وأصل هذه الكلمة من (كا) أو (قا) الآرامية، وقد تحولت عبر السنين إلى (جا) Ch بالضبط كما تحولت مثلاً كلمة (كلب) إلى (جَلِب) بالجيم الفارسية، أو كلمة (كف) إلى ( جَف) بالجيم الفارسية !.

   ومن أشهر إستخدامات هذه اللفظة في الجنوب العراقي:

   - جا شلون ؟ …........... بمعنى: كيف إذن ؟.

   - جا شِفِت شلون ؟ .….. بمعنى: هل رأيتَ كيف ؟.

   - جا ليش ؟ …........... بمعنى: لماذا إذن ؟.

   - جا وينك ؟ ….......... بمعنى: أينَ أنتَ ؟.

   - جا شمدريني …...... بمعنى: كيف لي أن أدري ؟.

   - جا هيجي ؟ …........ بمعنى: هكذا إذن ؟.

   وكل ذلك يُذكرني بالأغنية العراقية الشعبية، لطيبة الذكر، المغنية وحيدة خليل:

   "مالي صِحِت يُمة إحا … جا وين أهلنة ؟ جا وين .. جا وين أهلنة ؟".

   * لّعّد:

   كقولنا: لعد وينة جاسم؟. وفي هذه الكلمة يقول د. علي ثويني:[ كلمة (لعد) مُركبة من لا-عاد وعاد، و بالمندائية هي كلمة (أد) وتعني: (فإن، إذن، إلى حين، حتى) وبذا تكون ال (لعد) البغدادية هي ربط بين لا وحتى أو إلى حين أو إذن. ويكون المعنى أوضح في (كافي عاد) و (بس عاد) و (يزي عاد) ].

   وفي مقطع آخر يقول د. علي ثويني: [ وتحمل الأهازيج الشعبية دلالات رمزية في اللهجة العراقية أبعد من (السذاجة) التي يظنها بعض المُتفذلكين!. فمثلاً الأهزوجة الشعبية الجنوبية التي تحولت إلى أغنية شهيرة: ( هاي وهوي وهية ) التي تستعملها النسوة حين إستعمالهن للجاون، وهو هاون خشبي كبير يُستعمل لهرس الغلال، وعند البحث، وجدنا أنها واردة في النص العبري و الآرامي المُشترك ( هيا، هيو، يهية )، وفي الأصل هي إهزوجة دينية يُراد منها صيغة للتوحيد، والمقصود فيها: (( أنه الذي كان موجوداً في الماضي، وهو كائنٌ اليوم، وسيبقى كائِناً في المستقبل ))، أي كما هي الصيغة القرآنية (الحي القيوم) أو (الأزلية الربانية). ونفس الشيء يُطلقه الصابئة بصيغة (شميت هيا) الذي يعني (السرمدي الحي) أو التي نجدها في العبرية بصيغة (ألوهيم أو شَداي) ومعناها صاحب الألوهية والشدة ( الجبروت) ].

   * تانيني:

   وتعني: إنتظرني، كقولنا مثلاً: تانيتة وما إجة: بمعنى إنتظرته ولم يأتِ، كذلك تُذكِرنا بالأغنية التراثية العراقية الشهيرة: "تانيني صِحِت عَمي يا جَمال". و "الجَمال" هنا هي الرجل الذي يقود الجَمَل.

   "تانا" في اللغة الآرامية تعني (قريب أو إقتَرَبَ أو إقتَرِب)، وهي قريبة لحدٍ ما من كلمة (دَنا يدنو) العربية.

   * سْليمة:

   بتسكين حرف السين. وتُستعمل في العراق بصورة (سْليمة تِكُرفَك) أو (سْليمة تِطُمَك)، وهي تعابير عدائية تستعمل ضد من لا نحبهم من الناس.

   كلمة أو لفظة (سليمة) أو (سليموت) أصلها بابلي وآرامي وتعني: الموت، أو شبح الموت، أو ملاك وجِني الموت. أما كلمة (تُكرفك وجمعها تُكرفكم) فهي عربية من فعل ( جَرَفَ) أي أخَذَ، وهكذا تصبح (سليمة تكرفك) بمعنى: ليأخذك الموت، أو: ليجرفك الموت أو ملاك وجني الموت.

   وبالنسبة لكلمة (تطمك)، فهي من الفعل الفصيح (طَمَرَ ، يَطمرُ) والمقصود ب (سليمة تطمك) هو: ليطمرك الموت، وكلها من أساليب الدعاء السلبي على الآخر.

   * رَكَة: بالكاف الفارسية

   بمعنى سلحفاة، من (رقو) الآكدية.

   * كّرَزَ : جمعها كَرَزات.

   وهي (المكسرات والنقل) من فستق وبندق وجوز وكاشيوز وحبوب، وتُلفظ في العراق (جَرَزات)، وفي الزمن البابلي كان الناس يستعملونها كما يلي: (كَرَزَ فلان فلاناً) أي إتهمه بالباطل وإغتابه.

   * عَزَة:

   تأتي كلمة ( عَزَة ) على لِسان المرأة العراقية بمعنى المصيبة، أو حين تعترضها مشكلة أو حدث سلبي، وهي مُفردة ولفظة آرامية بمعنى (النار المتقدة)، والتي تُعطي معنى المصيبة أو الكارثة والفاجعة أو الحريق المُدمر.

   حين كنتُ في سن السابعة إنتقلت عائلتي للسكن في منطقة (سبع قصور) في الكرادة بين منطقة الزوية والبوليص خانة، وكانت كلمة (عَزَة) متداولة في ألسنة أهل المنطقة بدرجة كبيرة جداً، وحتى الرجال والأطفال كانوا يستعملونها، ولكن ليس بقدر إستعمال النسوة لها. وبصورة لا أرادية أصبَحَت كلمة (عَزَة) مُلازمة لكلامي اليومي. وحين إنتقلنا بعدها إلى مدينة المأمون في جانب الكرخ، وجدتُ أن الناس لم يكونوا يستعملون أو يستسيغون هذه المُفردة بالمرة، وكانت كلمة (عزة) كلما ترددت على لِساني تواجَه بإستنكار الآخرين الذين كانوا يزجروني بقولهم: عَزَة لِعَزيك !!، إلى أن نسيها عقلي ولِساني بتقادم الأيام والزمن.

   * بوجي: بالجيم الفارسية.

   بعض العراقيين يُسمون الكلب الصغير (بوجي)، وهي لفظة وصلتنا من البابلية والآرامية (بوكي) بالكاف الفارسية. ويُقال أن منها جاءت كلمة (بعبع).

   كذلك نجد في اللغة الإنكليزية إصطلاح ال Boogyman الذي يُستعمل لإحدى شخصيات الأفلام المرعبة.

   وبعد أن تقصيتُ جذور هذه الكلمة الإنكليزية في "كوكل" وجدتُ أن أصلها من تسمية لشبح وهمي مُخيف ليس له شكل معين أو معروف، تعمد الأمهات الغربيات للإستعانة به لتخويف أطفالهن في محاولة لضبط الأطفال المُشاكسين وتهدئة شغبهم المنزلي وإجبارهم على النوم، وكانت الأمهات يقلن بأنه ينام دائماً تحت أسرة الأطفال، ويقولون للطفل بأن لا يتحرك أو يترك سريره مخافة إيقاظ "البوكي مان" النائم تحت السرير، كذلك كانت الأمهات يقلن بأن "البوكي مان" يخربش بأظافره زجاج نوافذ غرف الأطفال، وخاصةً في الليالي الماطرة حيث تُسمع عشرات الأصوات. "وخرافة "البوكي مان"معروفة ومتداولة في أوربا منذ القرن 16 الميلادي، وهي رمز للشيطان .

   وربما تكون هذه الكلمة قد إنتقلت مِنا إليهم -أو العكس- عبر الزمن!؟، وربما يكون التشابه في اللفظ محظ صدفة فقط!.

   * بوخَة: بالباء الفارسية.

   بُخار، رائحة. لفظة آرامية (بوحا) بمعنى: رائحة، نسيم.

   * تَشَطَحَ:

   كقولنا: راح أتشطح شوية. آرامية وتعني: تسَطَحَ، إنبسط، تمدد، إضطجعَ.

   * دامي، دامِيَة:

   في العراق يلفظها المسيحي "دامي" ويلفظها المُسلم "دامية".

   مُفردة آرامية (داميا) بمعنى: السعلاة أو السعلوة، غول، وحش خيالي على هيئة إنسان قبيح غريب الصورة تُخَوِفُ به الأمهات أطفالهن، وفي الآرامية تعني: مماثل، مُشابه، وسُميَ كذلك لأنه يتخيل مُشابهاً للإنسان.

   * دُمية: اللعبة.

   أصلها من الآرامية (دوميا) بمعنى صورة أو مِثال، وهي ليست مُفردة عربية كما يتوهم البعض، وقد جاء في كِتاب التاج عن أبي العلاء قوله: سُمِيَت دُمية لإنها كانت تُصَوَر بالحُمرة فكأنها اُخِذَت من الدم!.

   * رَبان:

   ومعناها رئيس الرُهبان في الدير، وأصلها (ربانا) لفظة سريانية وعبرانية تعني: إمام، مُعلم، أستاذ، رئيس، كذلك "ربان" تسمية تُطلق على الشخص البحار الرئيس الذي يقود السفينة، وجمعها "ربابين".

   * رحمان:

   جاء في كِتاب التاج: حكى الأزهري عن أبي العباس في قوله تعالى الرحمن الرحيم، جَمَعَ بينهما لأن الرحمن عبراني والرحيم عربي، وفي الآرامية (رَحمانا) رحوم، شفيق، رؤوف، وفي ألأكدية "رحمانو و "رحمانن".

   * زبون:

   وهو الشخص الذي يشتري، والكلمة هذه من الآرامية (زاونا) مُشترِ، مُبتاع، من الفعل (زْبِنِ). وفي لسان (السورث) لكلدان وآشوريي اليوم نقول: "زْبِني" بمعنى إشتريتُ، و "زْبونِ" بمعنى إشتريهِ.

   *زقطة:

   ويُسموها أيضاً في العراق ( زنقطة ) و ( زقطاية ) و ( زنقطاية )، وهي الثؤلول والدُمُلة والبثر، وأصلها جميعاً لفظة (سكثا) الآرامية.

   * زلابية:

   عجين يوضع قبل قليهِ بالدهن على هيئة شُباك، ويُحلى بالعسل أو السُكر المائع. وهي مُفردة آرامية (زلويا)

   * سْلابات:

   ويستعملها أهل العراق في قولهم مثلاً: (أشو صاير سْلابات) وتُستعمل لمن فقد بعض وزنه ومال للهزال والضعف، وأصلها آرامي ( سياووا) بمعنى ضعيف، مهزول، نحيف.

   * شاطر:

   وتُستعمل في العراق وكل الدول العربية كصفة مدح، بمعنى: نشيط وصاحب عزم وإجتهاد ودراية وحذق. ولكن .. جاء في كِتاب التاج: الشاطر من أعيى أهله ومؤدبه خُبثاً ومُكراً، وجمعهُ "شطار". والأكثر أنه مُفردة آرامية (شاطورا) بمعنى: جاهل، أحمق، غبي، ضال !، وهذا عكس المعنى المعروف عن هذه الكلمة في لسان العراقيين وكل العرب!.

   * المسيح:

   هناك إختلاف بين بعض العلماء وأصحاب الشأن حول تأصيل كلمة أو إسم "المسيح"، لكن أكثر تلك الإجتهادات قُرباً من الحقيقة هي التي تقول بأن تسمية المسيح مأخوذة من اللغة الآرامية "مْشيحا"، ولا يزال الكلدان والسريان لحد اليوم يلفظونها على شكل (مْشيحا)، أما الآخوة الآشوريون فيلفظونها (مْشيخا). أما تسمية (المسيح) فهي تعريب للكلمة الآرامية الأصل.

   وقد تم إشتقاق كلمة "مْشيحا" من "الممسوح"، والذي كانوا يعنون بهِ (الممسوح بالزيت)، حيث كانت واحدة من عادات بني إسرائيل قديماً مَسحَ ملوكهم أو سادتهم بالزيت المُطَيب، ولا زال الطفل الرضيع الحديث الولادة -في الطقوس المسيحية- يُمسح بالزيت عند تعميذهِ، كذلك يقوم الكهنة المسيحيين بمسح رأس المُحتَضِر قبل نزعه الأخير مع قراءة بعض الأدعية الدينية، ويُسمى كل ذلك ب (المشحة الأخيرة).

   * بُراخ:

   كلمة تُستعمل في مجتمع مسيحيي العراق للدلالة على الزواج الديني وبحضور الكاهن، كقولنا: بَرَخوا العروس، بمعنى عقدوا مراسيم زواجها، وهي من الفعل ( بَرَخ -بوراخا) الآرامي، ويعني: تبريك، تكليل، تزويج.

   * بَهدَلَة:

   كقولنا في العامية العراقية: (بَهدَلهُ وبَهدَل أحواله).

   كذلك تُعطي معنى: حقارة، شناعة، فضيحة، إهمال، تسيب، وهي من الأصل الآرامي: "بهتثا": خزي، خجل، عار، عيب، هوان، فضيحة.

   * جوا و برا:

   جوا بمعنى الشيء في الداخل، كقولنا جواباً عل سؤال: أين فلان؟ فالجواب: جَوة في البيت، أما "برا" فتعني الشيء خارج البيت. وكانت منطقة الكرادة الشرقية في بغداد مقسومة إلى جزئين (كرادة جوة وكرادة برة)، ولا زال صراخ مساعدي السواق "السِكنية" للحافلات الأهلية يصم أذني وهم يتصارخون طلباً للزبائن: عَل جوة جوة جوة، أو عَل برة برة برة.

   * عْوبَة:

   كانت والدتي حين تُريد أن تُعيب إمرأة أخرى تقول في وصفها: (عوبة)، والحق حاولتُ ولمدة طويلة أن أجد أصل لهذه الكلمة أو اللفظة لكني فشلتُ، إلى أن قرأتها مؤخراً في كِتاب (الألسنة العراقية) للدكتور علي ثويني له كل الشكر، حيث يقول في شرحها: [ عوبَة في اللهجة البغدادية تعني المرأة القبيحة، والتي تعني في الآرامية: المُخزِية. وهذه المُفردة مأخودة من الآرامية (حوبة)، من مصدر (حوبو)، وتعني: (خطايا أو آثام)، كذلك تعني: (هموم وحزن وحاجة وحالة)، وهي ترد في القرآن كما في الآية القرآنية: (ولا تأكُلُوا أموالهم إلى أموالِكُم أنه كلان حُوباً كبيرا) ]. إنتهى الإقتباس.

   كذلك نقول في اللسان العراقي الدارج حين يُصيبُ غريمنا أو عدُونا مكروه: (هذه حوبتي)، وكانما هناك عدالة إلهية إنتقمت لنا من عدونا أو غريمنا!!. وعلى غرارِها نسمع بعض الجهلة من مُعتنقي الخرافات يقولون حين تُصيب أميركا أو الغرب أية مصيبة بأنها (حوبة العراق أو فلسطين أو العرب ... الخ)، لكنها تبقى في العقل المتنور مُجرد إعتقادت ما ورائية غيبية جاهلة مُستمدة أساساً من الجهل الديني الذي يُشجع مثل هذه السخافات والهُلاميات وتسطيح العقول!!.

   * إنقَهَرَ .. إنقَهَرتُ :

   وتأتي في اللغة العامية العراقية بمعنى: (حَزَنَ .. حَزَنتُ)، وهي مأخودة من الكلمة الآرامية (كَهَر) وتعني حُزن.

   * سبت (سُبات) :

   وهي من الكلمة الأكدية "شباتو" (اليوم الخامس عشر من الشهر، البدر) محققة في الأكدية من الحقبة القديمة، ومنها جاءت كلمة (سبات) العربية، وأسم شهر (شباط) الآرامي، وكذلك إسم (أليزابيث) الذي شاع في الغرب، وهو مُرَكَب أكدي (إيل-سابات) أي سكون وراحة الإله وسباته. وقد إنتقلت هذه المُفردة إلى اللغات الأوربية ولا سيما اللاتينية Sabato وهو اليوم الذي أوجده البابليون وسموه بيوم (نوح لِبي) بمعنى: يوم راحة قلبي، ولا يزال العراقيون يقولون في لِسانهم المحلي: (قلبي لا يعرف النياحة)، بمعنى: قلبي لا يعرف الراحة.

   * سولَة:

   مُفردة آرامية بمعنى التقليد أو إستحكام العادة، كقولنا: المُقاطعة أثناء الكلام سولة قبيحة، أي عادة قبيحة. والكلمة هذه واردة في الأغنية الشعبية العراقية التي تقول:

   كولولة … كولولة الما بيه لولة، بس الخزر بالعين صايرلَ سولة.

   وترجمتها للفصيح: قولوا له.. قولوا للذي لا عيب بهِ، غير الخزر بالعين الذي أصبح عادة لهُ.

   * سِدارة:

   نوع من الطاقيات التي يعتمر بها العراقيون، وأصل الكلمة آرامي، وكانت متداولة حتى في الأكدية، وتعني "قلنسوة"، لبسها أصحاب الحيثيات والصدارة والأفندية في العراق قبل غيرهم، ويلبسها الهنود إلى حد اليوم، ومنهم الزعماء جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح.

   إنقرضت السِدارة بعد الزمن الملكي في العراق، وكان قد بدأ إستعمالها ولبسها في بداية القرن الماضي وبعد تأسيس الدولة العراقية سنة 1927، لكن شهرتها وسرعة إنتشارها في العراق بدأت حقاً حين إرتداها الراحل الملك فيصل الأول، لذلك سُميت بالفيصلية.

   *المَسجِد:

   البيت الذي يُسجد فيه، وكل موضع يُتعبد فيه، فهو مَسجِد. وهو وارد من فعل السِجود في الصلاة، والذي يعني في اللغة "الخضوع"، وكذلك فعل وَضْع الجبهة على الأرض خضوعاً، وهو نوع من كشف ظهر الرقبة وتعريضها للنحر، وهو دلالة على التسليم والخضوع، كما ورد في الثقافات الكنعانية والآرامية، ونجد السيوطي يقول بأن المعنى وارد في السريانية الآرامية، كما ورد في قوله تعالى: (وأدخلوا الباب سُجداً)، بمعنى مُقنعي الرؤوس بالسريانية.

   يقول الراحل هادي العلوي البغدادي: المسجِد إسم مكان من السجود، ويُعطي السجود دلالتين متعارضتين: الإنحناء حتى مُلامسة القاع، والإنتصاب .. ومن كلمة الإنتصاب جاءت كلمة المسجِد الآرامية وتعني التمثال (النُصب).

   * مْصَخَم:

   السُخام، وهو سواد الفحم والقدور والدخان والحرائق. وبعض العراقيين -قديماً وحديثاً- يعمدون لتلطيخ الوجه والأذرع بالسخام إظهاراً للحزن الشديد. ولا تزال بعض نسوة العراق يهيلون التراب فوق رؤوسهن ووجوههن حين يموت شخص عزيز عليهن.

   كذلك من عادة النساء العراقيات إهانة من لهن معه عداء من النساء والرجال بكلمة (مْصخم) للرجل، و (مْصخمة) للمرأة، وفي أغلب الأحيان يقلن: (مْصَخَم مْلَطَم)، ومْلطَم ربما من اللطم على الرأس والوجه، أو ربما هي للسجع، والمصخم في اللسان البغدادي أيضاً يعني: الشخص المفعول بهِ جنسياً، كقولهم: صخموه بمعنى: فعلوا أو لاطوا به جنسياً !!، و صَخموهة، للمرأة، بمعنى إغتصبوها.

   وعائدية هذه الكلمة للسومريين والبابليين، حين كانت المرأة المفجوعة لسبب ما تُطين رأسها للتمويه على بعض الأرواح الشريرة كي تضل طريقها ولا تتعرف على الشخص المطلوب، أي كانوا يتطينون لتفادي شر الأرواح والأشباح!!.

   المقال طويل نسبياً، لِذا إخترتُ لنهايته قولاً جميلاً جاء عن لِسان قدماء المصريين : "كلُ شيء منذورٌ للموت إلا ما كُتب".

   المجد للإنسان.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 25-02-2015     عدد القراء :  5343       عدد التعليقات : 0