الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التحديات التي تواجهها المرأة العراقية

التباين في قضية حقوق المرأة يظهر واضحا في مفاصل الحقوق والقيم، بين النظرة الإنسانية والمتخلفة، بين التحرر والنكوص، بين الأيمان والزعم، وفي كل الأحوال فأنها تواجه تحديا كبيرا ازاء كيانها القانوني والمجتمعي داخل بنية المجتمع بالرغم من تطور الزمن وبالتناسب مع تطور مفهوم الحقوق والحريات. يستهل الدستور العراقي في باب الحقوق والحريات نصوصه بان يتساوى العراقيون امام القانون بغض النظر عن الجنس، كما يمنع الدستور في الفقرة رابعا من المادة (29) منه كل اشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع، وتأكيدا لهذه النصوص فقد وافق العراق الالتزام بمعاهدة (سيداو) التي تنص على الغاء جميع اشكال التمييز الذي تتم ممارسته ضد المرأة. مع ان نصوصا قانونية في العديد من القوانين لم يزل معمولا بها خلافا لهذا الأمر، ومع شديد الأسف لم تزل تلك النظرة الدونية والتي تحكمها الأعراف البالية سائدة في المجتمع العراقي، وما ينسحب على ذلك في قضية الحقوق والقوانين التي لم تزل تغبن حقوق المرأة ولاتساوي بين الجنسين، مما يتطلب مراجعة وانتفاضة قانونية شاملة .

كما تواجه النساء العراقيات اليوم مواجهة شرسة وغير متكافئة تقودها عقول متحجرة وبالية تسبي النساء، وتبيعهن في الأسواق، ويتم خطفهن واغتصابهن بالقوة من قبل المجموعات المتعصبة والمتطرفة والإرهابية(داعش) ، الا انها تواجه هذه الهجمة بصمودها ومواقفها الرافضة والمواجهة حتى أنها حملت السلاح لمواجهة هذه النماذج المتخلفة التي شكلت خطرا كبيرا ليس على النساء فحسب، بل على كل البشرية.

وأذ نقر جميعاً دون اختلاف أن للمرأة الدور الأســاس والمهم في بناء المجتمع مع الرجل، وأن تقدم المجتمع لا يتم الا بتقدم المرأة، وهذا التقدم لا يمكن تصوره دون المساواة الحقيقية التي تنعكس على الواقع، بالإضافة الى تحرير المرأة من قيود التخلف والقيم الاجتماعية البالية التي لا تتناسب مع مكانتها الإنسانية ومع تطور الزمن، والتي يراد تكريسها لإبقائها ضمن دائرة الجمود والتحجر، وتحديا لهذا فقد تطور واقع المرأة تبعاً لتحررها من قيود اجتماعية عديدة كانت تعيق نزولها الى الساحة العملية، وتمنع مساهمتها في البناء جنباً الى جنب مع الرجل، وتحديا لتفسيرات ومواقف من قضية المشاركة والمساهمة قد لا تجد لها حيزاً في عملية تطور المجتمع العراقي على الأقل هذه الأيام، بعد ان تمكنت المرأة من اكتساب العلم والمعرفة، وخبرت العمل وساهمت بشكل فاعل في تطوير المجتمع، من خلال دورها في البيت أو العمل وانخراطها في المؤسسات الفكرية .

أن الإقرار بمساواة المرأة للرجل لا تأتي عبر الأقوال والرغبات والتمنيات ، مالم تقترن حقاً بأفعال وممارسة وتطبيق وإيمان واعتقاد بضرورة نهج المساواة، والتي يتقبلها العقل والمنطق والواقع ، من خلال الاعتقاد بها كحقيقة قائمة بعيداً عن التراكمات المتخلفة من الأفكار والأعراف التي تنكر على المرأة حقوقها وتحاول تصغير حجمها الحقيقي والحط من قيمتها ، وإتاحة الفرصة الحقيقية للنساء لإظهار هذه الطاقات التي تتوفر فيها، والتي ستظهر من خلال الفرص المتوفرة في عملية البنيان العلمي أو الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي للبلاد، وأذ نجـــد أن التمييز قائماً في ميادين كثيرة، والتصدي لحقيقة المساواة البشرية في الحقوق بمزاعم وحجج لا تجد لها قاعدة وأساس في الحياة، بعد أن قطعت الإنسانية شوطاً طويلاً في ترسيخ قيم وحريات وحقائق جديدة ومتطورة وإنسانية تليق بالعصر وبالواقع وبالإنسان بشكل عام ، كانت أمم كثيرة قد اعتقدت فعلاً بمساواة المرأة والرجل وطبقتها على واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي لتحلق عالياً في فضاء التطور والرقي والتقدم ، بعد ان قطعت شوطاً طويلاً في تمتين أنظمتها في كافة المجالات على ضوء ذلك، في حين أن بلدان لم تزل تعتبر أن المرأة عقل ناقص وانها ضعيفة وبحاجة للمساعدة دوماً ، وان المرأة لا يمكن لها أن تكون مثل الرجــل في العطاء والفعل وفي القدرة على القيادة، فأنها لم تزل تدور في فلك التردي والتخلف والتراجع المريع لميادين الحياة بالرغم من توفر العديد من وسائل وسبل التطور لديها، وبالرغم من زعمها وتبجحها احترام حقوق الأنسان ، لكنها تفتقد الى وجود عقلية تؤمن بأن الرجل هو حصيلة التلاقح البشري بين الرجل والمرأة أولاً، وأن هذه المرأة هي كائن أنساني مهم لا يمكن تجاوزه أو الغاء دوره في عملية التطوير الحضاري، وعليه فأن مساهمة المرأة في البناء الحضاري لا تتجزأ ولأتأتى بشكل خجول او بطيء أو يمكن القول على الأقساط ، وانما تكون يجب ان تكون واضحة وصريحة ومعقولة ودون إهانة للكرامة الإنسانية في غمط الحقوق وأنصاف الحلول . وبالنظر للدور الكبير الذي ينتظر المرأة العراقية، فأن عليها أن تندفع بشكل مضاعف لتقديم التصورات والأطر التي تجعلها تتشارك وسط عملية البناء دون أن تنتظر من أحد أن يساعدها بهذا الأمر، فقد كانت المرأة على الدوام هي التي تأخذ زمام المبادرة لتبني منظماتها وتشكيلاتها النقابية فثمة أمور عديدة تهمها وتتعلق بشؤون المرأة والأسرة والطفولة والفقر والتخلف وما يتعلق بها من قوانين ونصوص تهم الأسرة العراقية والمجتمع والأحوال الشخصية، وبما يشكل مساهمتها في دائرة العلاقات الإنسانية .

ولا خلاف في أن للمرأة دوراً كبيرا ومتميزا في المجتمع يوازي دور الرجل أن لم يكن أهم منه وأصعب، ولهذا ينبغي أن لا تغيب المرأة عن الأحداث، وأن تكون حاضرة من خلال قياداتها النسوية ومنظماتها الفاعلة ، وتشكيلاتها التي تعبر بشكل وطني عن صوت المرأة ، وعن حقوق المرأة وحضورها في القوانين والسياسة ومجلس النواب، ما يجعلنا نستذكر على الدوام دورها حين ضحت وقدمت وأسهمت وشاركت وساندت وأعطت الكثير لهذا العراق ولم تزل . أن التمييز بين حقوق المرأة والرجل لا يتنافى فقط مع كرامة الأنسان، بل يتناقض مع حقيقة الحياة والتلازم الحتمي في عملية التزاوج والتكوين البشري للأسرة والمجتمع، وكون النساء جزء مهم من عملية التفاعل الإنساني ، والنساء ايضاً طرف من اطراف عملية البناء الوطني في كل زمان ومكان .

  كتب بتأريخ :  الخميس 05-03-2015     عدد القراء :  3960       عدد التعليقات : 0