الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل تعرض المسيحيون للإبادة الجماعية والتطهير العرقي والثقافي على أيدي وحوش داعش؟

   بعد كل الذي حصل بالموصل ومن ثم جميع مناطق محافظة نينوى يطرح البعض الكثير في المجتمع الدولي السؤال التالي:

   هل ما حصل للإيزيديين والمسيحيين يعتبر شكلاً فاضحاً للإبادة الجماعية والتطهير العرقي والثقافي؟

   ويمكن لهذا السؤال أن يتحمل وجهتا نظر إيجاباً أو سلباً. ومن حق المجتمع الدولي ان يتساءل وأن يعمل على كشف الحقائق بشكل دقيق ومسؤول ويساعد على إيقاف حصول مثل هذه الجرائم المرعبة بحق أجزاء من المجتمع البشري لأسباب دينية أو مذهبية أو قومية أو عشائرية أو حزبية. وهذا السؤال يمكن أن يدلل على:

   1. إنهم لم يطلعوا على حقيقة ما جرى ويجري في هذه المنطقة وعلى أرض الواقع بالنسبة لهذين الكيانين، إضافة لما لحق بالشبك والتركمان، بالتالي فهو مطالبة بالاطلاع الجيد.

   2. أو إنهم لا يريدون تحمل تبعات ما ينبغي لهم أن يفعلوه في حالة اعترافهم بأن ما حصل ويحصل هو جزء صارخ من عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والثقافي.

   3. أو إن الكثير من الناس لم يطلعوا على بنود ومضمون اتفاقية منع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية التي تتميز بالوضوح والتي تنطبق بنودها على الحالة الراهنة بالعراق بالنسبة للمكونات الدينية التي تعرضت للاجتياح والاستباحة والسبي والاختطاف والقتل والاغتصاب والنزوح الجماعي.

   للسبب الأخير سأبدأ بطرح ما تضمنته هذه الاتفاقية وأركز على المسيحيين بالعراق لأني كتبت عن الإيزيديين، رغم أنهم مشمولون بمضمون ما سأكتبه في هذا المقال طبعاً.

   تشير الاتفاقية الدولية لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية إلى ما يلي:

   "إذ ترى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها 96 (د – 1) المؤرخ في 11 كانون الأول / ديسمبر 1946، قد أعلنت أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن.

   وإذ تعترف بأن الإبادة الجماعية قد ألحقت، في جميع عصور التاريخ، خسائر جسيمة بالإنسانية، وإيماناً منها بأن تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلب التعاون الدولي.

   تتفق على ما يلي:

   المــادة الأولى

   تصادق الأطراف المتعاقدة على الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها.

   المــادة الثانية

   في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الج زئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:

   (أ) قتل أعضاء من الجماعة.

   (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.

   (ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

   ( د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.

   (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

   المــادة الثالثة

   يعاقب على الأفعال التالية:

   (أ) الإبادة الجماعية.

   (ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.

   (ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.

   (د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.

   (هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية." (نص الاتفاقية المنشور في الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة حول اتفاقية منع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية).

   فهل ما حصل للإيزيديين وللمسيحيين ينطبق على المواد الواردة في هذه الاتفاقية :

   تؤكد كل الأفعال التي مارسها وحوش داعش ضد المسيحيين بالعراق كانت تهدف إلى ممارسة القتل الجماعي بحق من لا يمتثل لإرادتهم وإجبار الناس على تغيير دينهم أو إخضاعهم للعبودية أو قتلهم أو تهجيرهم من مناطق سكناهم بالجملة. وقد تمكنوا من اختطاف جمهرة منهم وفرض عليهم التحول صوب الإسلام بالقوة والتهديد بالقتل، سواء أكانوا من الرجال أم النساء أم الأطفال أولاً، وقاموا بقتل جمهرة منهم ثم اغتصاب مجموعة من النساء المسيحيات ثانياً، إضافة إلى تهجيرهم الجماعي خارج منطقة سكناهم بهدف ألوصول إلى تحقيق التطهير الديني في محافظة نينوى ومن ثم العراق كله لو تسنى لهم ذلك ثالثاً، كما أنهم مارسوا التهجير القسري الواسع النطاق ونهب وسلب كل ما يملكون والرغبة المخزية ف إذلال هؤلاء المواطنات والمواطنين. وفي ذات الوقت قاموا بالتطهير الثقافي الفاشي وذلك بحرق الكنائس والأديرة والمكتبات التاريخية التي تحفظ تراث المسيحيين الحضاري والتاريخي بالعراق بهدف مسح الذاكرة العراقية.

   إن الإطلاع على أوضاع النازحين في أقضية ونواحي محافظتي أربيل ودهوك والسليمانية وأعدادهم الكبيرة هي التي يفترض فيها أن تجلب انتباه المجتمع الدولي، إذ هم يعيشون في أسوأ الحالات التي لا يرتضيها الإنسان لنفسه أو لغيره.

   وعلينا أن نعيد على الذاكرة ما تعرض له المسيحيون خلال الفترة التي أعقبت إسقاط الدكتاتورية البعثية بالعراق على أيدي قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإقامة النظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية في حكم البلاد و"الفوضى الخلاقة!" التي سادت البلاد. فقد تعرض مسيحيو العراق إلى حملات قتل وتطهير عرقي وديني من مناطق في جنوب ووسط العراق وبغداد العاصمة أيضاً، أجبر الكثير منهم على مغادرة مناطق سكناهم والانتقال إلى إقليم كردستان العراق أو مغادرة العراق، كما استشهد الكثير منهم عبر القتل المباشر أو بإشعال الحرائق في الكنائس ودور السكن ببغداد، ومنها كنيسة سيدة النجاة التي قتل فيها 58 شخصاً وجرح وعوق 78 شخصاً ممن كانوا في داخل الكنيسة وعلى أيدي وحزش داعش. ومنذ عدة سنوات بدأت عمليات تهديد وقتل وتشريد المسيحيين بالموصل، إضافة إلى قتل العديد من المطارنة وحرق الكنائس. وكان على رأس هذه القوى العدوانية والإرهابية عصابات القاعدة ومن المتعاونين معهم من العراقيين المتعصبين وعصابات داعش. وقد قتل خلال الفترة المنصرمة 1100 مسيحي ومسيحية بالعراق. ولم تبذل الحكومة الاتحادية في فترة حكم نوري المالكي أي جهد حقيقي لحمايتهم وحماية أتباع الديانات الأخرى. وقد تحمل المسيحيون كل ذلك في سبيل البقاء في وطنهم العراق، إذ كانوا يشيرون باستمرار إلى إن الإرهاب قد عم البلاد ويتعرض له الكثير من ابتاع الديانات والمذاهب الأخرى، خاصة وأن الحياة السياسية غير ديمقراطية والصراعات الطائفية حول السلطة كانت في تفاقم مستمر ولم تستجب الحكومة الاتحادية لمطالب المجتمع، بل تصدت للمطالبين بالعنف واستخدام القوة العسكرية.

   لقد وفر النظام السياسي الطائفي بالعراق مستلزمات ما حصل في العاشر من حزيران/يونيو 2014 حين اجتاحت مجموعات من قوى الإرهاب والتطرف المنظم تحت راية ما يطلق عليه بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) مدينة الموصل واستباحتها. وأول الجماعات السكانية التي تعرضت للتهديد والغدر والاستباحة هي العائلات المسيحية، إذ وضعوهم أمام خيار التخلي عن دينهم والدخول تحت "عباءة" الإسلام أو دفع الجزية وفقدان حقوق المواطنة كجزء من الرعية الذمية أو مغادرة العراق أو القتل. فكانت الهجرة الجماعية من الموصل إلى مناطق سهل نينوى ومنها إلى إقليم كردستان العراق. وتدريجاً تعرضت مناطق أخرى من محافظة نينوى إلى نفس الاجتياح والاستباحة والطرد. ثم جاء دور الإيزيديين والشبك والتركمان منذ أوائل آب/أغسطس 2014. (أقرأ مقالاتي المنشورة في أكثر من موقع عن مأساة الإيزيديين بالعراق).

   وقد تم اختطاف المئات من النساء الإيزيديات وسبيهن واغتصابهن وقتل المئات من الرجال والأطفال الإيزيديين، كما تم اختطاف مجموعة من المسيحيات والمسيحيين التي ربما فرض على أفرادها التحول صوب الإسلام أو تمت تصفيتهم أو اغتصاب النساء منهم. وقد قتل على أيدي هذه الوحوش المنفلتة من عقالها عشرات المسيحيين، إضافة إلى قتل الكثير من الشبك والتركمان. إن ما تعرض له المسيحيون بالعراق وما يتعرضون له حتى الآن يدخل ضمن بنود اتفاقية منع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والثقافي. إن التساهل في تفسير هذه الاتفاقية والسكوت عن أفعال القتلة لا يساعد على إيقاف هذه الجرائم بل استمرارها، ولذلك لا بد من اتخاذ قرار دولي باعتبار ما حصل بمحافظة نينوى إزاء الإيزيديين والمسيحيين هي ضمن جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والثقافي. وهنا نورد بعض المعلومات بهذا الصدد: (راجع في هذا الصدد التقرير السنوي لعام 2014 عن حالة حقوق الإنسان بالعراق الصادر عن الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية).

   ** 3000 عائلة مسيحية هربت من مدينة الموصل خشية القتل على أيدي داعش.

   ** 19000 عائلة مسيحية هربت من قرى وأرياف ونواحي سهل نينوى إلى محافظات دهوك وأربيل خشية القتل.

   ** تم أختطف عشرات النساء والرجال والأطفال المسيحيين من قبل عصابات داعش المجرمة ولا يعرف مصيرهم حتى الآن. ومن المعروف عن هؤلاء القتلة أنهم يغتصبون النساء حتى البنات القاصرات.

   ** فرض التحول صوب الدين الإسلامي والتخلي عن دينهم المسيحي، وهو تجاوز فظ على حقوق الإنسان، خاصة وإنه يجري تحت التهديد بالقتل، أو يتم اغتصاب النساء تحت تهديد القتل.

   ** تدمير الكنائس والمزارات والأديرة المسيحية والتي بلغ عددها 109 كنيسة ومزاراً دينياً في محافظة نينوى وحدها.

   ** تدمير التراث الحضاري للمسيحيين وللعراق عموماً بمحافظة نينوى وحرق الكتب والمخطوطات الأثرية للمسيحيين وتدمير تماثيل الرموز الدينية والتاريخية للمسيحيين.

   ** وعلينا أن نتذكر بأن هدف "تطهير" العراق من المسيحيين كان وما يزال قائماً في جدول عمل هذه المجموعة الشريرة من المسلمين المتطرفين والتي يشترك فيها معه الكثير من المتعصبين من المسلمين بالعراق. وقد أدى هذا الواقع إلى تقلص نفوس المسيحيين من 1600000 نسمة إلى حدود 250000 نسمة حالياً والنازحون يعيشون في الولايات المتحدة وكندا واستراليا وأوروبا الغربية وبعيداً عن وطنهم وهم من أصل أهل البلاد.

   إن الكوارث التي تعرض لها الإيزيديون وحدت قواهم وعبأتهم للنضال من أجل اعتراف العالم كله بارتكاب داعش جرائم إبادة جماعية وضد الإنسانية وتطهير عرقي وثقافي موجه ضدهم. وكل الدلائل تشير إلى إن العالم سيعترف لهم بذلك لأنهم وقفوا وقفة موحدة ودافعوا عن أبناء وبنات شعبهم ولأنهم تعرضوا فعلاً لهذه الجرائم البشعة.

   ومثل هذا الموقف هو ما يحتاجه المسيحيون بالعراق وليس التشرذم والاختلاف على هذه القضية الصغيرة أو تلك أو الادعاء بأن من تخلى عن دينه لا ندافع عنه وكأنه تخلى عن دينه برضاه وليس تحت التهديد بالموت على أيدي قتلة مجرمين. أو أن هناك من يعتقد بعدم الدفاع عن النساء المسيحيات المغتصبات، وكأنهن مسؤولات عن اغتصابهن من قبل وحوش داعش. ينبغي لنا جميعاً أن لا نحول غضبنا على الجلاد إلى غضب على الضحية وكأنه المسؤول عما حصل له!

   نحن المدافعين عن حقوق الشعب المسيحي بالعراق نتطلع إلى موقف موحد لكل المسيحيين بالعراق، عندها سيقف الرأي العام العراقي والدولي إلى جانبهم وسيعترف العالم بأن ما حصل لهم في محافظة نينوى هو جزء من عمليات الإبادة الجماعية التي تعرض لها أبناء وبنات هذه المنطقة من العراق. لنناضل من أجل الحصول على دعم ومساعدة لإنقاذ المختطفين من الإيزيديين والإيزيديات والمسيحيين والمسيحيات ومن بقية أتباع الديانات والمذاهب. لنناضل من أجل أن لا يتكرر ما حصل بالعراق ثانية ولكي يقف العالم كله ضد المحاصصة الطائفية وسياساتها وعواقبها على المجتمع ومكوناته وأرادته ومصالحه.

24/3/2015

  كتب بتأريخ :  الخميس 26-03-2015     عدد القراء :  3168       عدد التعليقات : 0