الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
في قضية مدير مدرسة الكحلاء

   شكراً للتكنولوجيا الحديثة جداً (الرقمية) ولوسائط الإعلام الجديد، فلولاها ما كانت مواقع التواصل الاجتماعي، وما افتضح عبرها أمر مدير إحدى المدارس الابتدائية في إحدى النواحي المنسية والمهملة من نواحي العراق وهو يضرب تلامذته في عقاب جماعي لا يمكن تسويغه.

   بفضل التكنولوجيا الرقمية والإعلام الجديد صارت قضية تلامذة مدرسة الزهاوي الابتدائية في ناحية الكحلاء ومديرهم القاسي قضية رأي عام، لكن هذه الممارسة ليست مقطوعة الجذور ولا هي بالاستثناء.. إنها ممارسة روتينية قديمة، كانت قائمة منذ عشرات السنين، كتب عنها الكثير من التربويين والكتاب والصحفيين مطالبين بوقفها وفرض عقوبات رادعة في حق ممارسيها، ولم يحصل شيء البتة.

   لم يحصل شيء على هذا الصعيد لأن هذه الممارسة جزء من النظام التعليمي الذي كان ولم يزل فاشلاً، ليس فقط في طرائق التربية وإنما أيضاً في المناهج الدراسية. وهذا النظام التعليمي الفاشل هو جزء من نظام الدولة (السياسي) الفاشل بدوره منذ العهد الملكي حتى عهد الإسلام السياسي الحالي. وهذا النظام السياسي الفاشل هو في حقيقته إفراز وانعكاس لنظام اجتماعي متخلف ظلّ عصياً على التحضر والتمدن في غياب الإرادة السياسية لتحضّره وتمدّنه .

   وزارة التربية ومديرية التربية في محافظة ميسان أظهرتا اهتماماً فائقاً بقضية هذا المدير وممارسته القاسية، لكنها ليست القضية الوحيدة، كما أسلفت.. بالتأكيد انه في اليوم نفسه الذي ضرب ذلك المدير تلامذته ونجح أحدهم بتصوير الواقعة وعرضها في مواقع التواصل الاجتماعي، كان هناك العشرات من مدراء المدارس والمعلمين يقومون بالفعل المُشين نفسه، وربما على نحو أقسى، لكنهم أفلتوا من الفضيحة لأن أحداً لم يصورهم... القضية أكبر بكثير من قضية مدير مدرسة الزهاوي في ناحية الكحلاء الذي سيحوّله وزير التربية ومدير تربية ميسان إلى كبش الفداء حتى يبدوا للناس في مظهر الحريص على العملية التربوية والتعليمية في البلاد وعلى التلامذة وصحتهم النفسية وبيئتهم الدراسية.

   الخدمة الحقيقية التي يتعيّن على وزير التربية ومدير تربية ميسان ومدراء التربية في سائر المحافظات، بل على الحكومة ومجلس النواب بكل أعضائهما، أن يسعوا إلى التأسيس لنظام تعليمي جديد يبدأ بالمناهج التي تكرّس العنف وتحرّض عليه، وبخاصة منهاج التربية الدينية، ولا تنتهي الا بإنشاء مدارس حديثة مناسبة لتربية الأجيال الجديدة تربية سوية، فضلاً عن توفير ظروف العمل والحياة الكريمة للمعلمين كيما يكونوا مربّين حقيقيين.

   هذه ليست بالمهمة السهلة حتى لو كنّا في ظرف أفضل من الظرف الحالي الذي نخوض فيه حرباً ضارية مُكلفة مع الإرهاب .. إنها تحتاج إلى بنية سياسية سليمة ليست متوفرة الآن وإلى بنية اجتماعية سليمة لا يمكن لها أن تكون ما دام مجتمعنا ودولتنا محكومين بطبقة سياسية أنانية فاسدة لا تريد توفير البنية السياسية السليمة ولا تهتم بأمر البنية الاجتماعية السليمة، المتحضرة والمدنية.

  كتب بتأريخ :  السبت 28-03-2015     عدد القراء :  2412       عدد التعليقات : 0