الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
وداعا \"الخال\" خليل شوقي

رحل فنان الشعب وذاكرته " الخال " خليل شوقي الفنان والانسان الذي كان وسيظل ملء السمع والبصر، حيث امتدت تخوم دولته الإبداعية إلى كل أطياف المجتمع العراقي لتجده وقد استقر رمزاً يدين له العراقيون جميعا بالحب والامتنان.. اليوم وانا اسمع خبر رحيل فنان الشعب من صديقي الاستاذ زهير الجزائري عادت بي الذاكرة إلى اخر صورة شاهدتها للفنان الراحل لالمح في في عينيه الغربة والحيرة .. فالرجل الذي عشق التجوال في شوارع بغداد، ظل يسير في اخر ايامه وحيدا في شوارع لم يألفها غريبا ومغتربا وهو يفتش عن مجتمع دافئ ومكان أليف وزمن سوي يعترف بالإنسان والضحك وحرية اللسان وشقاوة الأصحاب وترف الأمسيات.. ظل "الخال" خليل شوقي - كما كنا نسميه نحن محبيه- يسير في شوارع الغربة ولا يعرف هو ولا نحن عشاقه، ان النهاية ستكون رحيلا لفنان رفض الاستسلام وغرد خارج السرب.. ونلمح ملامح وجهه المحبب إلى النفس فنقرأ فيه رحلة التعب والمواجهة ممتزجة بأفراح ومسرات الماضي.. تعب في العينين وابتسامة يختلط فيها الحزن والشرود وبساطة ترتفع على التصنع فنغمض أعيننا ونحن نتخيل صوته الرنان ممتزجا بعبارات بغدادية عذبة:

سليمة خاتون الدنيا تغيرت تركض ركض لازم واحد يلحك بيها.

كأن الفنان الكبير قد اكتفى بأحلامه وتخفف من عقد المثقفين.. يقول الشيء المفيد ولا يكترث لزوبعة الأحكام..

ظل الخال خليل شوقي في سنوات الغربة الاخيرة ينظر إلى العالم الذي يحمل برودة المنطق وحرارة القلب.. بين الحزن على حلم تهاوى والاحتجاج الصارخ على ما يكسر الحلم..فكان دائما يصر على أن يكون صحيحاً وان يقول صحيحاً وان يمثل صحيحاً ، أن يكون صورة لفنان الشعب ومرآة العقل والإرادة ، يدافع عن المبادئ النقية ويظل نقياً يقاتل في معركة الحرية دون أن يكترث للربح والخسارة..يمزج بين الحلم والحياة.. تكون الحياة مصدر الهامه ويكون الحلم صوت المستقبل الواعد.

عاش خليل شوقي في سنواته التي تعدت التسعين بعام بعيدا في المنافي ترتجف اليد وتظل الذاكرة شابة تجول في شوارع بغداد تصطاد حكايات العراقيين في الأربعينيات وأحلامهم في الخمسينيات وقلقهم في الستينيات وضياعهم في السبعينيات وبؤسهم في الثمانينيات وتشردهم في التسعينيات ونرى بغداد كلما طلع علينا الخال خليل شوقي بقامته الفارعة من على شاشة التلفزيون ونشم عبقها حين يهمس مصطفى الدلال : "سليمة خاتون تره أني مقصر" ونحس نبضها في ملامح زاير ونرى تضاريسها في عيون عبد القادر بيك الماكرة، وهو يقول "لك رجب أتريد تقشمرني تالي عمري" .. فنشعر أننا إزاء شخصية حملت في جوانحها كل أفراح وأوجاع وأحزان ومسرات العراقيين.

***

ينتمي خليل شوقي إلى طائفة من الممثلين الأثيرين الى قلب المشاهد.. ممثل يتمتع بعبقرية لها طعم خاص يترك أثراً في النفس.. حين تشاهده تشعر وكأنك تقرأ كتابا ممتعا.. فعند هذا الفنان قدرة عجيبة على تشرب الثقافة والحياة الكامنة خلف هذه الثقافة ، فعندما يقف الخال على خشبة المسرح يكون عقله وقلبه وأعصابه جزءاً من الأداء، فيعطي كل ما عنده في البروفة والعرض المسرحي فتراه عندما يبكي على المسرح هو الذي يبكي وعندما يضحك هو الذي يضحك وعندما يبدع الشخصية لم يكن يتوارى خلفها وإنما يقف بالند منها.. كتب ستانسلافسكي مرة :" إن على الممثل أن يكون مخرجا لدوره وهو لم يقصد بالطبع أن يضع الممثل مكان المخرج بل أراد التحدث عن أهمية المبادرة عند الممثل وعن رؤيته الواسعة ودرجة مهارته"، وهكذا كان خليل شوقي في معظم أدواره، ذكياً يعرف ما يفعل. انه لا يؤدي الدور وحسب بل يقوم بتفسيره والتعبير عن وجهة نظره تجاه الأشياء والشخصية التي يؤديها ويمكنك مشاهدته منفردا وحده، فتستمتع وكأنك تشاهد مسرحية بطلها ممثل واحد ولكن بنفس الوقت تراه يخضع بحكمة وهدوء للعمل المسرحي الكلي.. في المسرح والتلفزيون يتصرف خليل شوقي كأنه شخصية من شخصيات ألف ليلة وليلة الخارجة من حضن الأحلام بسدارة بغدادية أو يشماغ جنوبي وابتسامة محببة إلى النفس فيخطف قلوب وإبصار المتفرجين وهو يؤكد:

"لست متعلقاً بالشخصيات البغدادية فقط وإنما أنا متعلق بمجمل الشخصيات التي مثلتها لذلك أطلق عليها تسمية الشخصيات المنحوتة بطريقة زخرفية معبرة جدا "وهو هنا يعي جيدا ما قاله ستانسلافسكي من أن معايشة الدور تعني أن على الممثل في كل مرة وعند كل إعادة أن يحس ويفكر بصدق.. وهو يدرك أن المسرح فن للعب مثلما هو فن للمعايشة ولأجل اللعب يجب أن تكون موهوبا ولأجل المعايشة على المسرح يجب أن تمتلك الموهبة والثقافة وان تدرس وتفهم الكثير عن هذه المهنة وقوانينها.

وقد اعتقد خليل شوقي أن الممثل يجب أن تتاح له طرق الخروج من القوالب التمثيلية الجاهزة وهو يدرك أن الممثل : " يجب أن ينظر إلى الحقيقة في السلوك الواقعي" ووفقا لتعاليم ستانسلافسكي التي يعشقها الخال خليل شوقي فإن العناصر السحرية للتمثيل يجب أن تجمع بين موهبة الممثل وقدرته على التخيل .ٌ

لعلنا نتساءل أين يكمن سر وسحر فنان اصبح جزءا لايتجزأ من تاريخ العراق ؟

  كتب بتأريخ :  الجمعة 10-04-2015     عدد القراء :  3600       عدد التعليقات : 0