الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
تقسيم العراق.. نتاج النهج الطائفي

عاد الحديث عن تقسيم العراق قوياً. فأميركا لا تريد إعطاء أسلحة خارج الجيش العراقي، والجيش لا يملك أمره، وحتى إذا أحرز نصراً سُجل لرايات الحشود، والمناطق التي تحت سيطرة «داعش» لا تطمئن للرايات ترى أنها تريد الانتقام الطائفي، فالصور التي ترفعها صور حُكام دولة أجنبية، وبين هذه المناطق مَن يحن إلى النظام السابق، ويمتلك خبرات من بقايا جيشه، الذي أُذل كثيرٌ من ضباطه باغتيال واجتثاث، فمُهد لهم الطريق إلى «داعش»، ومن جانبهم الكُرد لا يثقون بجيش ولا بحشود. ففي هذا الوضع المزري كيف تتصرف أميركا غير تسليح منفرد؟

منذ التاسع من أبريل 2003 والمطارق تدق في وحدة البلاد، وكل فعل يُنتَقدون عليه يأتون بأشنع منه، حتى تقدم رئيس وزراء العراق (العراق كافة) وقال: «المعركة بين يزيد والحسين»، ومعلوم ماذا تغرس العبارة في النّفوس غير نوبات الانتقام، وماذا تنتج إدارة البلاد بفعل الشُّعور بالمظلومية غير الفرز الطائفي. ماذا يترك نهب عقارات الدولة، من الجامعة إلى المطارات كمطار المثنى إلى قصور كرادة مريم، ماذا يعني احتواء السلطة القضائية، والضحك من «المصالحة الوطنية» حتى صارت مكتباً للأكاذيب.

عجبتُ لمَن فعل ما فعل ويصدر بياناً باكياً وحدة العراق. كيف يبكي المتحاصصون على وحده العراق؟ وهم يحطبون لنار تقسيمه؟ تراهم لا يشعرون ولا الذين يهتفون لهم، من السذّج، يشعرون بفداحة ما يفعلون، يظنون أنهم يسيرون في الطريق الصحيحة. فبعد سنوات من المديح للأفعال الشَّنيعة، التي وصلت إلى اغتيال المتظاهرين المسالمين، يخرج علينا مَن يقول: «كلنا فاشلون»!

علام البكاء على وحدة العراق وأفعالكم فشل في فشل؟ وقد ضقتم بالاختلاف، حتى فتح أئمة صلاة الجمعة، ومن المساجد التي سيطروا عليها باختلاف علي وعمر ويزيد والحسين، خطبهم عن نفط شيعي وماء سُني. فإذا أوصلتم البلاد إلى تمذهب موارد الطَّبيعة فلأجل أي وحدة تبكون وعلى أي تقسيم تعترضون؟ عندما يُعلن الحسين، في الشَّوارع والسَّاحات والجامعات والمدارس ودوائر الدَّولة كافة، رمزاً للعنف على مدرعات الميليشيات، وهو من المفروض رمز الوحدة، فعن أي وحدة تتحدثون؟

لقد حولتم الأئمة إلى سيوف تهددون بها مَن لم يحتفل بميلاد ولا يبكي بوفاة، حتى زدتم بما كان يفعله السابقون للقائد الضَّرورة وحزبه، فكيف تريدون التعايش، والمعركة رسمتومها بين الأئمة وخصومهم؟ أنتم بحاجة إلى صرخة توقظكم مما أنتم فيه. لستُ أنا القائل والمنتقد، فهذا وكيل المرجعية الدِّينية نفسه ببغداد آل ياسين، من الأسرة العلمية الكاظمية الشَّهيرة، خرج صارخاً لما تفعله مواكب الأحزاب السياسية في الجيش والشَّرطة، فكيف تريدون الوحدة والاطمئنان لها وأنتم بهذه الحال المستفزة؟

ليس الجانب الآخر بأفضل مما ذكرنا، فسياسيوه لهم مصالحهم خارج الوطنية، وربَّما هناك ائتلاف خفي بين الطرفين، كي يكون الماء سُنياً والنِّفط شيعياً، فبغير هذا التقسيم لا تضمن أصوات الانتخابات، ولا يأتي هذا لرئاسة وزراء ولا ذاك لرئاسة برلمان أو نيابات الجمهورية والوزارة، أما الطَّرف الثالث فلا عليه إلا ضمان وزارات سيادية ورئاسة جمهورية، وليذهب العراق والعراقيون إلى الجحيم.

لم تكن «داعش» عصية إلى هذا الحد، الذي يُقسم العراق الحرب عليها؟ إنما العشرات من السَّاسة يُصلون لـ«داعش» ويدعون لها بالسلامة! لأنها خلقت أعرافاً نافعة للسياسة الجديدة، شأنها شأن قضية فلسطين، لأجلها لا تنتقد أحزاب وجماعات وإن سفكوا الدِّماء وعاثوا في الأرض فساداً، فالعذر هو «الجهاد» من أجل فلسطين! وعلى المنوال نفسه كل جريمة في الدماء وفساد في الأموال تسترها الحرب على «داعش»؟

إن نهاية «داعش» تعني نهاية مصالح دول وجماعات مسلحة تتحكم ببغداد، فـ«داعش» وحدها ضمنت وجود جيوش، وبسببها فُتحت الحدود على مصراعيها لجنرالات خارجية، لا تُسأل من أين أتت وإلى أي ذهبت. لقد هبطت السِّياسة إلى أسفل سالفين، فـ«داعش» حولت المسؤولين عن اغتيالات وفساد إلى أبطال عمالقة، فمَن يحرص على القضاء على نعمته؟ إنها نعمة ما بعدها نعمة لهؤلاء. وإلا ماذا يُعيب الجيش العراقي لو توحدت الكلمة فيه، واندفع بالحرب على «داعش» الإرهابية، تحت راية واحدة، بلا أسماء حشود وميليشيات وصولات عشائر؟ فعن أي تقسيم وتجزئة تتحدثون، وتعتبرونها مؤامرة وأنتم المتآمرون؟

علامَ البكاء على وحدة العراق، والاعتراض على التسليح الأميركي المنفرد! وقد «أقسمتوا بالعروة الوثقى على الانفصام»، وصيرتم الماء سُنياً والنِّفط شيعياً! التقسيم يا سادة ليس فعلاً أجنبياً وإنما نتاج نهجكم الطائفي، وإصراركم على المحاصصة.

  كتب بتأريخ :  السبت 09-05-2015     عدد القراء :  3285       عدد التعليقات : 0