الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
ثورة زيد.. ومدى الدافع الشخصي

فُتحت، مع ما يجري باليمن، سيرة زيد بن علي بن الحسين (قُتل 121- 122هـ) وتاريخ ثورته التي تفرعت منها مقالات في الإمامة توارثتها أجيال بعد أجيال، وما زالت محط اختلاف، وتأسست بأثرها دول: كدولة الناصر الأطرش ببلاد الديلم (230هـ)، والدولة الأخيضيرية باليمامة (252هـ) والسلطنة البويهية (334هـ)، إلى الدَّولة الهادوية باليمن (284هـ).. بمعنى أن حدثاً «شخصياً» تشعب إلى ثورات ودول. هذا، ومَن يتتبع المقاتل بعد مقتل زيد عند الأصفهاني في «مقاتل الطَّالبيين»، سيجدها كثيرة، والبداية بولده يحيى الذي نجا من القتل معه، وأُلقي القبض عليه وأُعفي، ثم ثار وقتل (125هـ).

نعتقد أن ثورة الإمام زيد، والتي ملأت الأزمنة أخبارها وتشكل بأثرها مذهب في الإمامة، قامت بدافع شخصي، لعلمنا أن زيد عاش في حياة والده علي بن الحسين (ت 99هـ)، ثم أخيه محمد الباقر (ت 117هـ)، من دون تفكير بقيادة ثورة أو تمرد، ولم يقل عبارته التالية، إن صحت الرّواية، إلا بعد مواجهة مع هشام بن عبد الملك (ت 125هـ): «مَن أراد السَّيف فإليَّ، ومَن أراد العِلم فإلى ابن أخي جعفر» (ابن عباد، نصرة مذاهب الزيدية)، ويقصد الصادق (ت 148هـ).

لا نقلل من منزلة الإمام زيد، ولا من قدر زيدية تقول إنه خرج من أجل الإمامة له، لا للرضا من آل محمد، ضمن الخلاف بين الإمامية والزيدية، إنما المراد كشف الدافع المباشر الذي جعل زيداً لا يسمع نصيحة أخيه، وذلك لألم في نفسه بعد المواجهة مع هشام. كان الأخير طلبه لأمر يتعلق بمال لأمير العراق عليه. وقد جاء ذلك في رواية المؤرخين ذوي الميول الشيعية، كابن واضح اليعقوبي (ت 292هـ)، وأبي الحسن المسعودي (ت 346هـ)، وأبي فرج الأصفهاني (ت 356هـ)، وكان الأخير شيعياً، وهو المرواني الأموي، فحسب معاصره المُحَسَّن التَّنوخي (ت 384هـ): كان «من المتشيعين الذين شاهدناهم»، وعلّق الذهبي (ت 748هـ): «والعَجب أنه أموي شيعي» (سير أعلام النُّبلاء)، ناهيك عن الطَّبري (ت 310هـ): «أَقدم هشام زيد بن علي بن الحسين، فقال: إن يوسف بن عمر الثَّقفي (عامل العراق) كتب يذكر أن خالد بن عبد الله القسري ذكرَ له أن عندك ستمائة ألف درهم وديعة. فقال: ما لخالد عندي شيء! قال: فلابد أن تشخص إلى يوسف بن عمر حتى يجمع بينك وبين خالد. قال: لا توُجه بيَّ إلى عبد ثقيف يتلاعب بيَّ، فقال: لابد من إشخاصك إليه، فكلمه زيد بكلام كثير، فقال له هشام: لقد بلغني أنك تؤهل نفسك للخلافة، وأنت ابن أمةٍ! قال: ويلك مكان أمي يضعني؟ والله لقد كان إسحاق ابن حرة وإسماعيل ابن أمة، فاختص الله عزَّ وجل ولد إسماعيل، فجعل منهم العرب» (تاريخ اليعقوبي وبقية التواريخ المذكورة).

فبُعث بزيد بن علي إلى الكوفة، وهناك انتهى الموقف لصالحه على أن يعود إلى المدينة، إلا أنه حزَّ بنفسه ما سمعه من الخليفة، فاجتمع حوله رجال من الكوفة فتردد بموافقتهم، وأخيراً انتهى الموقف بقتله في معركة غير متكافئة، فالكثير صنعوا معه ما صنعوه الأولون مع جده الحسين (ت 61هـ)، عندما وعدوه بالنصرة ولم يلتزموا. فقال لأبرز خلصائه وآخر المقتولين معه: «أتخاف أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حُسينيةً» (مقاتل الطالبيين).

أسست طريقة تعامل السلطة مع زيد وإخراج جثته من القبر، وصلبها لأكثر من سنة، لمظلومية أخرى للعلويين، لتنتقل ثورة من جيل إلى جيل، وحتى هذه اللحظة تتجدد الثورات باسمه، وامتدت قضيته لعشرات القرون. لا نتحدث عن شرعية هذه الثورات أو عدم شريعتها، فالأقوال كثرت فيها، بقدر ما يأخذنا العجب من موقف كان يمكن أن يغير وجه التاريخ، لو أحسن ولي الأمر حينها التصرف.

ومن جانب آخر، فإن الإمامة الزيدية التي استمرت لأكثر من ألف عام، وتأسست على آلام زيد وبنيه، لم تبنَ الجنة لرعاياها، ولم تختلف بشيء عن الذين ثار زيد ضدهم، فهل تظنون لو انتصر زيد أو تولى والده، وهو ابن الحسين، لم يخرج عليه مَن يقول: «أنا الرِّضا من آل محمد»؟! بعد هذا، لا نطالب الناس بالسكوت عن الجور، لكن أن يبقى الاحتجاج بحدود زمانه، ولا يتحول إلى عقائد متوارثة تقتحم الدين، فيعد كل ثائر نفسه وكيلَ الله. فلا نظن أن الإمام زيد كان هكذا، إنما كيّفه الآخرون مثلما يريدون، بعد إغفال الدافع الشخصي

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 13-05-2015     عدد القراء :  3810       عدد التعليقات : 0