الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
متحف الصدفة

كل عام، في الثامن عشر من أيار، يكون الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، ولأهمية هذا اليوم اعتادت المتاحف أن تفتح أبوابها مجانا أمام الزائرين.

وعندنا، مرّ هذا اليوم والعراق يشهد انهيارا أمنيا، وداعش قد اعتدى بوحشية على متحف الموصل ومدينتي النمرود والحضر الأثريتين، مستهدفا الهوية والاسم والذاكرة والوجود، بل الإرث الإنساني كله.

وبهذه المناسبة يجدر أن نتحدث عن المتحف العراقي ببغداد، الواقع في علاوي الحلة، فهو أكبر متاحفنا وأقدمها اذ تأسس عام 1923، ويحتوي على مجموعات أثرية تؤرخ لبلاد ما بين النهرين.

ففضلا عن مكتبة هائلة ودار للمخطوطات، يضم هذا المتحف 18 قاعة، وهي مرتبة حسب قدمها، بدءا بآثار عصور ما قبل التأريخ، من الإنسان القديم البائد (النياندرتال) الذي اكتشفت آثاره في كهوف كردستان ونينوى. وكان عالمنا طه باقر مديرا لهذا المتحف بين عامي 1941 و1951.

وتوجد المتاحف في دول العالم كلها، وهي لا تقل أهمية عن متحفنا ان لم تفقه مساحة وأبهة وعروضا، وحتى ان بعضها اكتسب الأهمية من آثارنا المسروقة اثر كل غزو واحتلال ونهب وفرهود.

ولكن من بين المتاحف الكثيرة، هالني أن ثمة متحفا للفن السيء، اسمه "موبا" تأسس عام 1994، وهو الوحيد في العالم المكرس لجمع الفن التشكيلي السيء وعرضه والاحتفاظ والاحتفال به.

ومن شروط هذه المتحف ان تكون الأعمال أصلية، وأن لا تكون مملة، فالقيمون عليه ـ حسب ادعائهم ـ ليسوا مهتمين بعرض الفن الهابط عمدا. ولما انتقد البعض المتحف كونه مضادا للفن، أنكر مؤسسوه ذلك، وأوضحوا قائلين: "نحن هنا نحتفل بحق الفنان في أن يفشل بمجد".

وقد ابتدأت الفكرة عندما مرّ تاجر للسكراب والخردة بصندوق قمامة، فوجد فيه لوحة "لوسي في الحقل مع الزهور". وكان التاجر مهتما بالإطار فقط، لكن صديقه أراد الإطار واللوحة معا. وقد عرض اللوحة بمنزله، ثم شجع أصدقاءه على البحث عن قطع فنية سيئة أخرى، ليتأسس هذا المتحف.

وعلى الرغم من ان شعار المتحف هو "هذا الفن سئ للغاية.. لدرجة انه لا يمكن تجاهله"، فان "موبا" يعتمد معايير صارمة بشأن ما يقبل به. فتسعة من أصل عشر قطع لا تدخل المتحف لأنها ليست سيئة بما فيه الكفاية.

وبعد أن أثبت المتحف أنه ليس ضد الفن وإنما هو متحف للفن السئ، صار السياح يقصدونه، وحتى أن بلدية بوسطن الأمريكية وضعته مَعلما في دليلها.

وعندنا في العراق، تمسّ الحاجة إلى متحف كهذا، على أن تكون تماثيله من الشمع على غرار متحف "مدام توسو"، وأن يكون خاصا بسياسيينا السيئين (وما أكثرهم) وأن يكون اسمه "متحف السياسي العراقي السئ"، وشعاره: "هذا السياسي سئ بحيث لا يمكن تجاهله".

وطبعا لا يتم رفض أحد من سياسيي الصدفة لأنهم سيئون بما فيه الكفاية، ونعرفهم: أمينا.. أمينا، مسؤولا.. مسؤولا، وزيرا.. وزيرا، ونائبا.. نائبة.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 27-05-2015     عدد القراء :  2508       عدد التعليقات : 0