الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
متى يهاجر هذا الوطن؟!

"1"

أترجلُ عن راحلة فرحي لأنها لم تعد أكثر من هودج حزن يسير في صحراء قاحلة، فكل شيء يبعث على البكاء رغم أدعاء البعض بالفرح الكاذب الذي يحاولون أن ينشروه على تقاطيع وجوههم المزيفة، مادام هذا الفرح الكاذب يوفر لهم مساحة واسعة من تغطية سرقاتهم ونفوذهم السلطوي، يكررون على مسامعك همجية خيبتهم ويعتقدون من أنهم وفروا لك القناعة التي تجعلك تفرح مثلهم، يوقدون نار اليأس في روحك ويوهمونك بأنها ستوفر لك الدفء الذي تحتاجه في حب وطنك والموت في سبيله، وأنت المتيقن من أن وطنك هو نسيج خلاياك كلها مثلما هو مسامات جسدك التي يتبخر منها كل الضيم الذي يلحق به، هم يثردون بنزيف دماء الوطن ويطلبون منك أن تنظف جراحه.

"2"

الأسئلة صماء لهذا تكون الأجوبة عليها دون معنى، تنحرُ لأجلها كل مصابيح أحلامك لكي تستفز حافاتها لعلك تستطيع أن ترى وجه الشمس ثانية هناك، ولكن محال ما دام الغيم المتكلس يرفض الاستجابة لكل رياح الجهات، ولم يبق أمامك غير أن تترجى وتتأمل وتصبو وتحلم وتتفاءل إلى حين تنكشف حيل الدجالين ويعرف الناس حقيقتهم، وإلى حينذاك تكون التكنولوجيا قد فشلت في إيصال الأفكار إليك وأنت تحت الأرض إن لم تكن قد احترقت وتم رمي رمادك في البحر.

"3"

المهاجر لا يحمل معه أكثر من حقيبة وبعض ذكريات، ولكن حين يهاجر الوطن فأنه لا يحمل معه غير روحه ويترك كل تاريخه مرميا في الخواء، المهاجر يستطيع أن يرثي حزنه وقتما يشاء، والوطن يرثي فرحه الضائع في كل اللحظات، فليس هناك من وطن لا يبكي فرحه الضائع، مثلما ليس هناك من مهاجر لا يحتضن ذكرياته في ديار الغربة.

"4"

تجلس في (ميدان تقسيم) اسطنبول على حافة السياج الحديدي، تسترق السمع للمارة الذين يتحدثون لغتك، تعرف أن البعض منهم جاء قبل أكثر من ثلاث سنوات إلى هنا، مثلما تعرف أسعار التهريب عبر البحر وعبر البر والجو، والبعض يُقنع البعض بالطريق المأمون والمضمون، وكل واحد فيهم يخفي شكوكه وخوفه عن الأخر، وتسأل نفسك عن مواسم الهجرات، التاريخ البشري يضج بالمئات منها، ولكن أن تهاجر وأنت في وطنك أمر أخر، وليس لك غير أن تطلب من وطنك حين يهاجر أن يأخذ معه حفنة من ترابه، لعله يبني لأبنائه وطنا في الغربة.

"5"

لك يا وطني حين تهاجر أن تخط يافطة على بابك الوهمي في الغربة تحمل كلمات الشاعر محمد الماغوط.

(الأخطار تغريني والنعم تضجرني

وصمت المقهورين يستفزني

ورنين السلاسل يستهويني

إنني دائما محاصر ومتكبر

مثل ماري أنطوانيت بين صفين من الغوغاء في أيامها الأخيرة)

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 27-05-2015     عدد القراء :  3108       عدد التعليقات : 0