الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
فرصة للمجتمع المدني

حتى المسؤول عن العشائر في محافظة البصرة لم يستطع إلا التبرّؤ مما أقدمت عليه عشيرتان في محافظته بالحطّ من قدر نساء العشيرتين، وعموم النساء، والنزول بمستواهن الى مستوى البقر والأغنام بجعل عدد منهن ديّة (فصلية) تُقدّمها إحدى العشيرتين الى العشيرة الأخرى لفضّ نزاع مسلح كان قد نشب بين رجال من العشيرتين استبد بهم الجهل والتخلف والرعونة.

مستشار محافظ البصرة لشؤون العشائر الشيخ محمد المرياني أعلن في تصريح صحفي ان الفصل العشائري بالمرأة "مرفوض من قبل أغلب العشائر في المحافظة، ومن العادات والتقاليد الجاهلية"، معتبراً ان المرأة "لا تقدر بثمن" وان الديّة "شرّعها الله على أن تكون للبقر والأغنام أو بالذهب وليس للمرأة".

المرياني أكد ان عدد النساء اللائي جعلت منهن العشيرتان المتنازعتان سبايا ورقيقاً كان 12 إمرأة وليس ثلاثة كما أعلن سابقاً مسؤول آخر في المحافظة اختار أن يهاجم الإعلام الوطني ويتهمه بانه بالغ وهوّل في عدد النساء المسبيات عشائرياً، قائلاً ان العدد ثلاثة وليس خمسين كما جاء في الإعلام من قبل!

لجنة العشائر النيابية من جهتها ندّدت بما جرى في البصرة، وأعضاء في مجلس النواب ومسؤولون حكوميون تسابقوا للإعلان عن موقف مماثل لهم ، برغم ان الكثير من هؤلاء هم ممن كان لهم القسط الأوفر في المساعي المتواصلة، والمكمّلة لما حصل في عهد نظام صدام، لتحطيم مدنية المجتمع العراقي والعودة به الى ظلمات التخلف القبلي الجاهلي.

لكنّ حملة البراءة الحكومية والنيابية من العمل المشين والمخالف للقانون والأعراف الاجتماعية الذي أقدمت عليه العشيرتان البصريتان ما كان لها أن تنطلق وأن تكون بهذه القوة لولا المبادرات المنطلقة من منظمات المجتمع المدني وعدد من الشخصيات الثقافية والناشطين المدنيين في البصرة وهنا في بغداد وفي العديد من مدن البلاد الأخرى.

هذه النتيجة يجدر بنا أن ننظر إليها بوصفها مؤشراً قوياً على قدرة المجتمع المدني على التأثير في الرأي العام وفي أوساط البرلمان والحكومة... ومن المفترض أن تشجّع هذه النتيجة على بعث الحيوية والنشاط من جديد في المجتمع المدني ومنظماته الحقيقية التي يتراجع دورها وتأثيرها وتكاد أن تنزاح من الحياة العامة بسبب سيادة نشاط المنظمات غير الحقيقية التي تستغل اسم المجتمع المدني وشعاراته ومبادئه وأهدافه لتحقيق مصالح شخصية وحزبية ضيقة.

لدينا مشكلات اجتماعية كثيرة في مستوى "الديّة" و"الفصلية" من الخطورة وأكثر، يُمكن للمجتمع المدني أن يضغط لحمل الحكومة والبرلمان والقضاء، والمجتمع برمته، على وضع حلول لها، أو في الأقل التخفيف منها، على غرار ما يجري الآن مع قضية السبي النسوي في البصرة المختفي خلف عنوان "الفصلية".

  كتب بتأريخ :  الخميس 04-06-2015     عدد القراء :  2562       عدد التعليقات : 0