الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الشاه.. ليس أقل إيرانيةً

ليس كلُّ ما دونته الملكة «فرح ديبا» في مذكراتها كان خطأً، وفي الوقت نفسه ليس الكلُّ صحيحاً، والحال ينطبق على مذكرات الشَّيخ هاشمي رفسنجاني (حياتي)، أحد أعمدة «ولاية الفقيه»، وينطبق على كلِّ مَن كتب الوقائع مِن أعمدة النظامين. إنه أمر طبيعي ألا يرى غير الإيجابي في نظامه، ويصور المعارضة خيانةً للبلاد، وفي حالة رجل الدِّين الحاكم أنها ضد الإسلام. لكنَّ الفرق أن فرح الشَّاهنابو كتبت بعاطفة المهزوم، بينما كتب رفسنجاني بروح المنتصر، مسح كلَّ إنجاز للفترة السَّابقة، وكانت بلاداً متقدمة!

لا يخفى أن هذا الإنكار مِن عادة الثَّورات، تمسح ذاكرة النَّاس، فإذا اُفتتح سد أو مصنع أو طريق، كان البدء به في الأيام السابقة، يسجل مِن إنجازاتها، فمعلوم أن الشَّاه فكر بالثَّورة البيضاء وأنجزها، مِن إصلاح زراعي وشراكة العمال في المصانع، ووالده أسس إيران الجديدة وضم إليها خزين نفط الأهواز، وكان أول إنجاز للثورة محو قبره مِن الوجود. نقرأ في مذكرات الشَّيخ أن كلَّ ما كان في زمن الشَّاه مِن الفنون والعِمارة والموسيقى والسينما (أحرقت دورها) وميادين الثَّقافة ومشاركة النِّساء في الاستفتاء كان فساداً في فساد.

كان شاه إيران صادقاً في محاولته بنقل إيران إلى مصافي الدول المتقدمة، وهو بتعظيم دار حكمه لم يكن أقل مِن الولي الفقيه، إلا أنه كان ينفذ فكرته معتمداً على قوة إيران الدَّاخلية، فليس لديه عقيدة سياسية يمدها إلى الخارج، لا عبر الجيش فقط وإنما في الصِّناعة والزِّراعة والتقدم العلمي، مغازلاً النَّاس بأمجاد الأمة قبل 2500 عام، حتى نهاية العهد الصَّفوي (1501-1723).

عاملاً على إيحاء إمبراطورية «كورش الكبير»، كذباً على أنه سليله، «كورش» الذي امتد حكمه إلى العِراق وأنهى دولة بابل، وربط هذا الاحتفال الإمبراطوري (16/10/1971) بنجاحات الثَّورة البيضاء، مِن دون تصدير الأزمات، عن طريق تأسيس أحزاب ومقاومات خارجية مثل الولي الفقيه، ومِن دون إغفال مطاردة «السافاك» للمعارضين الخطرين عليه أينما وجدوا. وقف الشَّاه أمام قبر كورش قائلاً: «إليك يا كورش الملك العظيم، ملك الملوك، إمبراطور الإخمينيين عاهل أرض إيران، أُقدم أنا شاهنشاه إيران تحياتي وتحيات أمتنا» (مذكرات بهلوي). على ما يبدو أنها المرة الأولى التي يسمي نفسه بـ «شاهنشاه» (ملك الملوك).

كانت الملكة رئيسةً لمهرجانات إحياء الإمبراطورية الفارسية، وقد أعلنت: «علينا أن نمضي يداً بيد متحدين لإثبات أن العصر الذي نحياه الآن عصر بهلوي، فترة البعث للحضارة الإيرانية» (المذكرات). عُقدت الاحتفالات على أنقاض العاصمة القديمة «تخت جمشيد». في وقتها وقف آيات الله الثوار حانقين، ليس لأنه احتفال يُذكر بالهيمنة ويثير استفزاز الشُّعوب والدُّول المحيطة وفي مقدمتها العراق، فبابل هي العِراق، إنما أرادوا تحقيقه بالعِمامة لا بالتاج (الأنصاري، الفُقهاء حُكام على الملوك).

كتبت الصُّحف: أن الإمبراطورية «فقدت وجودها منذ (1722) عندما خسرت الأسرة الصّفوية الحكم، واستمر ذلك طوال القرن التَّاسع عشر والسَّنوات الأولى مِن القرن العشرين» (مذكرات). أي حتى تغلب الضَّابط رضا خان (ت 1944) على آخر القاجاريين، وتم تتويجه (1926). مِن دون تفكير أن الصَّفويين كانوا أتراكاً وليس فرساً، وسُنة قبل أن يصبحوا شيعة مِن أجل مواجهة العثمانيين، فلا بد مِن اختلاف العقيدة، وإلا كيف تحشد الحشود.

لقد نجح محمد رضا (ت 1980) باحتفال إعادة الإمبراطوية، لكنه لم ينجح بحمايتها لنفسه، إنما تحولت إلى الولي الفقيه، وقد باشر الولي بإتمام الحلم الإمبراطوري بتجنيد ما يقدر عليه مِن أحزاب ومنظمات تحت راية المذهب قرابين له. بينما أطاح الشَّعب الكُردي بأحلام أردوغان للغرض نفسه، ذاك يحيي أمجاد الصَّفويين وذا يحيي أمجاد العثمانيين.

ليس الشَّاه أقل إيرانيةً مِن خلفه، والفرق أن ذاك جُنده إيرانيون والولي الفقيه جُنده الشِّيعة أينما وجد سبيلاً إليهم، لأنه لعب لعبة الدِّين والمذهب والحرب على أميركا وإسرائيل، بينما اكتفى الشَّاه بلعبة أمجاد الأمة! كان الأخير يبحث عن عظمةٍ داخل إيران، أما ولي الفقيه فيوطد عظمته خارجها، فالدَّاخل يضمنه المركز الدِّيني، بعد أن كان يُهدد الشَّاه بفتوى «محاربة صاحب الزَّمان»! فمَن يفتيها بآية الله نائب الإمام!

جاء المقال تعليقاً على أحد أقطاب الإسلام السِّياسي بالعراق، خرج متحمساً بإيرانية صادقة: «يريدون أن تعود إيران شرطياً لدى الاستكبار العالمي»! ويُرد عليه بالآية: «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ» (يس: 78). مَن جعل هذا يهتف وبوسط بغداد غير أميركا (الاستكبار العالمي)؟ وأقول: إذا كنت غيوراً على إيران فالشَّاه لم يكن أقل إيرانيةً.

 

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 01-07-2015     عدد القراء :  3441       عدد التعليقات : 0