الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
نظرة قانونية الى المحكمة الجنائية الدولية

بالنظر لازدياد الجرائم المرتكبة ضد الانسانية وجرائم الحرب و جرائم الابادة الجماعية التي تم ارتكابها بحق الأنسان ، بالإضافة الى الانتهاكات المريرة لحقوق الانسان من قبل الحكام ، ولعدم وجود نصوص قانونية في أغلب قوانين العقوبات لتعالج مثل تلك الجرائم ، بالإضافة الى تمكن الفاعلين والمتهمين من الإفلات واللجوء الى دول أخرى يصعب معها القبض عليهم ومثولهم أمام العدالة ، فتسنح الفرصة للجناة للتخلص من عقوباتهم في حال ادانتهم ، ولذا فقد أصبحت الحاجة ملحة لتشكيل كيان قانوني دولي يسد هذه الثغرة في البناء الجنائي العام ، لذا تناشدت المؤسسات والتجمعات والهيئات القانونية المختصة في العديد من الدول لمعالجة ذلك الجانب ، ووضع حد فاصل لإخضاع المتهمين في مثل تلك الجرائم الى القضاء الجنائي الدولي ، من خلال هيئة قضائية دولية ومستقلة تختص بالنظر في هذه الجرائم حصرا ، فأصدرت هذه الدول في السابع عشر من شهر تموز عام 1998 ميثاقا يدعو لأنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، وتم ذلك فيما عرف بمعاهدة روما ، وتضمن الميثاق أو المعاهدة تفصيلا ، وخلال تلك الفترة وقعت على تلك الوثيقة ( 60 ) دولة ، في حين أمتنعت عدد من الدول عن التصويت ، وعارضت فكرة أنشاء تلك المحكمة ( 7 ) دول ، ثم توالت الدول بالتوقيع على معاهدة روما وتقديم الطلبات الرسمية للقبول كأعضاء في المعاهدة التي تقر وتؤسس المحكمة الجنائية الدولية .

ما يلفت النظر تعدد الآراء والأفكار في الكتابات والتصريحات التي يطرحها الأخوة سواء من المهتمين في القضايا القانونية والسياسية العراقية أو من المختصين في قضايا القانون في العراق، وخصوصاً بعد انطلاق الأصوات التي تطالب برفع قضايا الانتهاكات الصارخة والجرائم البشعة التي ارتكبت بحق العراقيين من قبل عصابات داعش الإرهابية ، والتي تتشكل من عناصر متطرفة وشريرة باعت عقولها واجسادها وضمائرها للشر ووظفت قدراتها للجريمة، ومن بين المطالبات العراقية الشعبية أن يتم رفع القضايا الخاصة بتلك الجرائم الى المحاكم والمحافل الدولية، مما يتطلب اولاً أن نستعرض خلفية وظروف أنشاء وتشكيل المحكمة الجنائية الدولية للفائدة.

من المصادفات اللافتة للنظر أن تكون الولايات المتحدة والعراق منذ العهد الصدامي البائد من بين الدول التي رفضت الإقرار والموافقة والتوقيع على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، وبعد سقوط صدام ، وبعد اشهر بادرت الحكومة المؤقتة للانضمام والاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية ، الا انها تداركت ذلك الانضمام بسحبه والغاءه بعد يوم أو يومين ، وابقت العراق من بين الدول التي لم تقر بالمعاهدة .

تطورت العلاقات الدولية تبعاً للتطور والتفاهم الإنساني والمصالح بين الدول ، وبدأت الدول تهتم بالقوانين الدولية التي تنظم علاقاتها وتحكم معاهداتها واتفاقياتها الثنائية اوتركن الى التمسك بتطبيق المعاهدات المنعقدة بين دولتين او مجموعة من الدول، وبدأت تسعى حثيثاً الى مفاهيم متمدنة وأعراف تتناسب مع حقوق الأنسان وضمان كرامته وما يفرضه تطور العصر والعبور الى الألفية الثالثة وبما يضمن استمرار الحياة البشرية وحمايتها من الانتهاكات والمجازر والحروب والإبادة وحفظ كرامة الناس وحقوقها من التعسف والأفعال الجرمية ، وبما يضمن حماية حقوق الأنسان ويحميها بشكل عام ، كبديل عن الحروب والمجازر والانتهاكات الإنسانية التي كانت تحكم العلاقات بين الدول ، وبغية ايجاد سبل للعمل وفق صيغ قانونية متفق عليها، تنادت البشرية لتقنين الأسس العامة لحقوق الأنسان في الحياة والذي شكلت العامل المشترك لدساتير جميع دول الأرض فخرجت البشرية بالتوقيع على ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الأنسان.

ومع أن الإعلان العالمي لحقوق الأنســـان الصادر في باريس في العاشر من كانون الأول ( ديسمبر ) في العام 1948 يعد من أهم وأشمل التطورات القانونية الدولية في تلك المرحلة ، على الرغم من عدم وجود صيغة الإلزام فيه عند صدوره ، الا انه أصبح مصدراً قانونياً ووثيقة مهمة من وثائق القانون الدولي التي اكتسبت قبولا واسعا وخطوة انسانية مهمة للاعتراف بكرامة الانسان وحقه في الحياة الحرة الكريمة ، وصار علامة من علامات التطور الحضاري ومقياس حضاري للتمدن من خلال تمسك أو عدم تمسك الدول بنصوصه.

وتشكل اهمية الاعلان العالمي في تمسك اغلب الدول الاعضاء بماورد فيه وتضمين النصوص القانونية الوطنية لهذه الدول بما ينسجم وفق ما جاء بالإعلان العالمي لحقوق الأنسان.

ومن بين أهم ما جاء في الإعلان العالمي منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والاقتصاص من مرتكبي جرائم الحروب والتحريض على الإبادة الجماعية والاشتراك فيها وعدم شمول هذه الجرائم بمبدأ التقادم المسقط للعقوبة بالإضافة الى شمول العقوبة لأي من الحكام المتمتعين بحصانتهم الدستورية والتي تغطي سلطتهم وأفعالهم الجرمية أو الموظفين العامين أو الأفراد.

ونصت المادة السادسة من الاتفاقية الخاصة بمنع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقب عليها والتي اقرت وبدأ تنفيذها بتاريخ 12 كانون الثاني 1951 على ما يلي :

(( يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص أزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد أعترف بولايتها. )).

ومعروف أن لكل دولة الحق في محاكمة مواطنيها بسبب جرائم الحرب أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، الا أن جرائم بعض الأفراد والهيئات تعدت النطاق الوطني لتصيب دول أخرى ومجاميع بشرية خارج نطاق عمل السلطات وسيادتها ، وتتعاون الدول بعضها مع بعض على أساس ثنائي أو متعدد الأطراف بغية أيقاف الجرائم والحيلولة دون وقوعها، وتتم مؤازرة الدول وتكاتفها في تعقب وملاحقة واعتقال ومحاكمة الذين يشتبه بأنهم ارتكبوا مثل هذه الجرائم، وفي معاقبتهم بعد ادانتهم بالفعل.

وتطور التطبيق العملي لهذه النصوص منذ صدور معاهدة فرساي مرورا بتشكيل المحكمة الجنائية الدولية الخاصة براوندا في العام 1994 ، والتي منحت سلطة محاكمة الاشخاص الذين ارتكبوا او امروا بارتكاب انتهاكات جسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف ، المبرمة في 12 في اب 1949لحماية ضحايا الحرب، وصولا الى حاجة المجتمع الانساني الى محكمة دائميه تقوم بتطبيق النصوص القانونية الواضحة بناء على التحقيقات الجارية من قبل اللجان المختصة.

ويذكر الدكتور شريف بسيوني في كتابه مدخل لدراسة القانون الانساني الدولي في الصفحة 127 : (( انه تم تشكيل خمس لجان تحقيق دولية منذ عام 1919 هي لجنة تحديد مسؤوليات مبتدئي الحرب وتنفيذ العقوبات ولجنة الامم المتحدة لجرائم الحرب ولجنة الشرق الاقصى ولجنة الخبراء الخاصة بيوغسلافيا السابقة 1992 ولجنة الخبراء الخاصة برواندا 1994، كما تشكلت اربع محاكم دولية خاصة هي المحكمة العسكرية الدولية لمحاكمة كبار مجرمي الحرب على الساحة الاوربية 1945 والمحكمة العسكرية الدولية لمحاكمة كبار مجرمي الحرب في الشرق الاقصى 1946، وثلاث محاكمات دولية منذ العام 1919 هي المحاكمات التي اجرتها المحكمة العليا الألمانية ( 1921 – 1923 ) والمحاكمات التي اجراها الحلفاء الاربعة الكبار على الساحة الاوربية ( 1946 – 1955 ) والمحاكمات التي اجرتها الدول المتحالفة في الشرق الاقصى بناء على توجيهات لجنة الشرق الاقصى. )).

وفي الفترة الممتدة من 1995 ولغاية 1998 كانت الدعوة والحاجة ملحة لأنشاء نظام قضائي دولي وتجسيد هذه الرغبة البشرية بأنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وإزاء التطور السياسي العالمي تمت متابعة الاختصاص الجنائي الذي يعرقل عملية معاقبة مرتكبي جرائم الحروب والإبادة الجماعية والجرائم الأخرى ضد الجنس البشري من قبل المجموعة القانونية الدولية، حيث أن الاختصاص الشخصي والمكاني والموضوعي يتناقض مع مفهوم السيادة الوطنية لكل بلد ، والتي تعتبر الكيان الوطني هو الملزم ، وأن الالتزام ببنود ميثاق اللائحة هو الزام اخلاقي، حيث يرتب القانون الوطني اختصاصا شخصياً ومكانياً وموضوعياً بخصوص بحث الجريمة المرتكبة ضمن مواد قوانينه الجزائية ( الجنائية )، وهذه القوانين لا يمكن تطبيقها بطبيعة الحال على مرتكبيها ممن لم يزل مسيطراً على السلطة وخصوصاً في الأنظمة الدكتاتورية أو غير الديمقراطية وحتى في الانظمة الديمقراطية المنحرفة .

وتأسيساً على المبادئ العامة لحقوق الأنسان ومن اجل ايجاد صيغة عالمية تحمي البشرية وتعاقب الجاني، لجأت المجموعات القانونية الدولية الى اجتماعات وندوات وتجمعات وتمخضت هذه الاجتماعات واللقاءات الى إقرار النظام الأساسي للمحكمة حيث اقرته الجمعية العامة الأمم المتحدة.

لقد تم التوصل الى هذه الصيغة الدولية بأنشاء المحكمة الجنائية الدولية والموافقة على المشروع من قبل 60 دولة ابتداء في حينها ، في الوقت الذي ابدت الولايات المتحدة الامريكية تحفظها على الاتفاق الدولي ، على اساس انه ينبغي ان تقوم الدولة المعنية بتسليم مواطنها المتهم بهذه الجرائم بموافقة مسبقة لتتم محاكمته امام المحكمة الجنائية الدولية، في حين وقعت الولايات المتحدة الأمريكية بعدئذ على الاتفاقية بصيغتها النهائية قبل انتهاء الوقت المحدد في 21 تشرين الثاني 2000 اذ بلغت الدول الموقعة بالموافقة 139 دولة في حين بقيت 50 دولة لم توقع عليها من بينها العراق .

أن الحاجة التي خلصت من المحاكمات الدولية السابقة والتجارب القضائية الدولية لكون هذه المحاكم كانت تتخصص في محاكمات ذات نزاعات خاصة، وأثارت تطبيقاتها القضائية تساؤلات جوهرية حول انطباق مبادئ الشرعية الدولية والعدالة ، بالنظر لعدم وجود نصوص عقابية متفق عليها، بالإضافة الى عدم الشعور بالمساوة في التعامل مع المتهمين من قبل بعض الدول ومن قبل النافذين سياسيا مما يخل بتوازن العدالة.

وقد اختصت المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة بالنظر في جرائم القتل العمد والتعذيب والممارسة اللاإنسانية ، واحداث المعاناة الشديدة او الحاق اذى خطير بالجسم او بالصحة ، والحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون ان تكون هناك ضرورة عسكرية لهذا الاستيلاء ، ولأنه يشكل مخالفة القانون بصورة عبثية ، وارغام اسرى الحرب وتعمد حرمانهم من حقوق المحاكمات العادلة والنظامية ، والابعاد والحبس غير المشروع واخذ المدنيين كرهائن. ويمكن أن يكون نفس الاختصاص الممنوح للمحكمة الدولية في راوندا.

وقد اوردت نفس الانتهاكات والجرائم ضمن نصوص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد بتاريخ 17 تموز 1998 ، وتوسعت في شمول الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة، وتعمد توجيه هجمات ضد موظفين مستخدمين أو ضد منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة المساعدات الإنسانية أو حفظ السلام، وكذلك تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن أصابات بين المدنيين أو الحاق أضرار مدنية أو واسعة النطاق، ومهاجمة أو قصف المدن والقرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافــاً عسكرية بأية وسيلة كانت، وقتل أو جرح مقاتل أستسلم أو القى سلاحه، وتعمد توجيه هجمات ضد المباني الدينية او التعليمية او الفنية او العلمية او الاثار التاريخية والمستشفيات، وقتل الافراد او قوات الجيش المعادي غدرا وتدمير الممتلكات والغاء حقوق الطرف الاخر واستخدام الغازات والسموم والاعتداء على الكرامة والاغتصاب وأساءه استعمال الهدنة وكافة الانتهاكات الخطيرة التي اوردتها اتفاقية جنيف.

كما أن المحكمة الجنائية الدولية باقتران موافقة الدول الاعضاء تصبح امتدادا قانونياً تشير لها تلك الدول الاعضاء في دساتيرها وقوانينها ، مع انها ليست بديلاً عن القوانين الجنائية الوطنية ، ولا تمس بأية صيغة كانت السيادة الوطنية ، وتعمل وفق القواعد والأصول المتفق عليها والتي لا تتعارض أو تتناقض بأي حال من الأحوال مع القوانين الوطنية، وبذلك تصبح المحكمة الجنائية الدولية تستمد سلطتها وشرعيتها من موافقة الدول الأعضاء الموقعين على نظامها الأساسي وتصبح هذه المحكمة جزء من نظامها الوطني.

وتعتمد المحكمة في شرعيتها القانونية بالإضافة الى نظامها الأساسي والمعاهدة الموقعة بين أطرافها الدولية، فأنها تستند على المبادئ العامة للقانون الدولي أضافة الى القوانين الوطنية للدول الموقعة عليها، وعلى السوابق القضائية في القرارات التي سبق وأن اصدرتها المحكمة المذكورة.

والجدير بالذكر أن اعمالا تحضيرية ومفاوضات متكررة ورفيعة المستوى جرت للتوصل الى اعداد النظام الاساسي للمحكمة الدولية ، استمرت لسنوات طويلة وبذلت فيها جهود عالية المستوى في الخبرة والمستوى القانونيين، وعارضت الولايات المتحدة العديد من اقتراحات المندوبين والوفود حتى تكلل الجهد الإنساني في مرحلته الأخيرة بإقرار مشروع النظام الأساسي الذي تضمن تعريف الجرائم واختصاص المحكمة واليات البدء والتكامل ودور الادعاء العام ومجلس الأمن وآلية التطبيق المحتمل للنصوص والاحكام الموضوعية للمحكمة.

ومن الجدير بالذكر أنه وفقاً لنص المادة ( 11 ) من النظام الأساسي للمحكمة تمارس المحكمة عملها وصلاحياتها القضائية وفقاً للاختصاص الزمني اعتبارا من لحظة النفاذ، أي أن المحكمة تمارس اختصاصها في النظر بالأعمال والانتهاكات والجرائم المرتكبة بعد نفاذ نظامها الأساسي ( في اليوم الأول من الشهر التالي وبمرور 60 يوماً على أيداع الوثيقة التي تم التصديق عليها لدى الأمين العام للأمم المتحدة ) ، يعني هذا أن النفاذ في اليوم الأول من الشهر السابع ( تموز ) من العام 2002، وعلى الرغم من الخلل الذي ولده النص المذكور في إفلات العديد من المتهمين والمجرمين من العقاب، الا أن ذلك الأمر لا يلغي أمكانية معاقبة مرتكب هذه الافعال داخلياً، كما لا يلغي حق دولته وشعبه في طلب أحالته على هذه المحكمة من دولة طرف في النظام الأساسي، وكأن تكون المحكمة الوطنية، وهو ما حصل في العراق مؤخراً حين تمت إحالة قضايا المدان صدام وزمرته الى المحكمة الجنائية العراقية العليا ، والتي اختصت بالنظر في الجرائم المرتكبة في العهد الصدامي البائد من 1968 – 2003 .

وتلتزم المحكمة الجنائية الدولية بالمبادئ العامة للقانون، أذ لا يمكن محاكمة المتهم مرتين عن نفس التهمة، يعني هذا انه اذا حوكم المتهم أمام قانون بلاده فلايمكن للمحكمة الجنائية أعادة محاكمته مرة أخرى لعدم جواز المحاكمة مع عدم جواز تكرار فرض العقوبة.

أن الدافع الأساس لأنشاء مثل هذه المحاكم بروز جرائم ومجازر وانتهاكات صارخة تستهين بحياة الأنسان وتهدد الجنس البشري ، يتم ارتكابها من قبل اشخاص يحتمون بأغطية السيادة والحصانة، وبغية ايجاد ضوابط وضمانات تلزم المجتمع البشري بعدم تمكن المجرم من الافلات من قبضة العدالة والعقاب بأية صفة كانت وعلى المستوى العالمي، مما يمكن ان يجعل ذلك دافعا اكيدا لانضمام بقية الدول الى الموافقة على هذه المحكمة التي سيكون مقرها مدينة لاهاي في هولندا، ويمكن تصور الدافع الذي فرض نفسه على الدول من خلال وقائع المجازر البشرية المرتكبة والحروب البشعة والمروعة والسريعة والكارثية التي وقعت في العديد من بلدان العالم ومن بين اهمها العراق في السنوات الاخيرة، اضافة الى التعدي الصارخ على حق الانسان في الحياة وحريته على ان امرا لم تتم معالجته ضمن نصوص نظام المحكمة ولافي مؤتمر روما، وهو الصلاحيات المخولة الى مجلس الامن فيما يخص تعريف العدوان ومن هي الجهة التي تقرر وقوعه ، والامر الثاني حول الصلاحية بإيقاف الاجراءات التي يتضمنها حق النقض ( الفيتو ) التي يملكها حصرا مجلس الامن متمثلا بأعضائه ، والامر يؤدي الى حدوث تداخل وسلطة تابعة، في حين ان المنطق القانوني يقضي باستقلالية المحكمة عن اي جهة كانت ، مادامت تمثل هذا الاجماع والالزام الدوليين ، كما انها ايضا من يملك صلاحية التفسير والاجتهاد والتقرير، ومع كل ما تقدم تبقى عملية قيام المحكمة مؤشرا قويا على ان البشرية تخطو خطوة جديدة على طريق اتخاذ اسس كفيلة باحترام حقوق الانسان ، وحماية البشرية من الانتهاكات وجرائم الحروب وجرائم الابادة والجرائم ضد الانسانية . ومن خلال ما تقدم نستطيع ان نتعرف على مرجعية النظر في الشكاوى التي يمكن ان يقيمها الأفراد على الدول والجماعات للمطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية أن كان لها مقتضى .

أن في منظمة الأمم المتحدة محكمة تحت أسم ( محكمة العدل الدولية ) ومقرها بلاهاي في هولندا ، وهي تختلف عن المحكمة الجنائية الدولية ، حيث أن القاعدة الأساسية التي تستند عليها المحكمة الجنائية الدولية من أنها ليست جهازا من أجهزة الأمم المتحدة ، وتتمتع بالاستقلالية المفترضة الا انها مطبق امين للقرارات الدولية ، في حين أن محكمة العدل الدولية تعتبر من بين الأجهزة التابعة للأمم المتحدة ، وهذه القاعدة تشكل فرقا واضحا وكبيرا في التابعية والاختصاصات ، حيث أن اختصاص محكمة العدل الدولية ينحصر في حل الخلافات بين الدول الأعضاء ، في حين تكون سلطة الجنائية الدولية على مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب وجرائم الإبادة الجماعية .

اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية :

ووفقا لنص المادة ( 10 ) من النظام الأساسي للمحكمة والخاصة بالقانون الواجب التطبيق ، فأن الأمر يتطلب الانسجام والتطبيق الوارد في نص المادة ( 38 ) من نظام محكمة العدل الدولية وهي :

1- المعاهدات الدولية العامة او الخاصة .

2- العرف الدولي

3- القواعد العامة للقانون المعترف بها من قبل الامم المتحضرة

4- الاحكام القضائية والدراسات القانونية المقبولة لدى الامم المتحدة كوسائل اعلون تحديد قواعد القانون .

يقتصر اختصاص المحكمة على ثلاث جرائم دولية محددة بشكل دقيق وهي :

1- جريمة الابادة الجماعية

2- جرائم الحرب

3- الجرائم ضد الانسانية

وجريمة الابادة الجماعية تعتبر من ابشع الجرائم المرتكبة بحق الانسان ، وتشمل جرائم القتل والحاق الضرر الجسدي والعقلي الجسيم والإخضاع عمدا لأحوال معيشية يقصد بها الإهلاك الجسدي كليا أو جزئيا ، وفرض تدابير تستهدف منع الأنجاب ، ونقل الأطفال عنوة من الجماعة الى جماعة أخرى .

أما الجرائم ضد الإنسانية فتتشكل من الافعال التالية :

القتل العمد ، جريمة الابادة الجماعية ، الاسترقاق بما فيه الاتجار بالبشر خصوصا النساء والاطفال ، ابعاد السكان او النقل القسري للسكان ، التعذيب ، السجن او الحرمان الشديد على اي نحجو اخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الاساسية للقانون الدولي ، الاغتصاب او الاستعباد الجنسي او الاكراه على البغاء او اي شكل اخر من اشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة .

واضطهاد اي جماعة محددة او مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية او عرقية او قومية او اثنية او ثقافية او دينية او متعلقة بنوع الجنس او لأسباب اخرى من المسلم عالميا بان القانون الدولي لا يجيزها .

والاختفاء القسري للأشخاص ، وجريمة الفصل العنصري ، والافعال اللاإنسانية الاخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة او في اذى خطير يلحق بالجسم او بالصحة البدنية او العقلية .

ونلاحظ هنا أن الجرائم ضد الإنسانية تشكل حيزا واسعا في شمولها توصيف أشكال الجرائم المرتكبة وبضمنها جريمة الإبادة الجماعية ، وبذلك فهي تنطبق على جميع الجرائم المرتكبة من قبل التنظيمات الإرهابية بحق المواطنين العراقيين .

اما جرائم الحرب فهي تشمل الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف 1949 في حال ارتكابها ضد الاشخاص الجرحى والمرضى وافراد القوات المسلحة واسرى الحرب و المدنيين او على الممتلكات او اجراء التجارب الكيمياوية بما فيها :

1- القتل العمد .

2- التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية .

3 - القيام عمدا بإحداث معاناة شديدة أو إصابات خطيرة بالجسم أو بالصحة .

4- التحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة .

5- إرغام أي أسير حرب أو أي شخص مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية .

6- تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية .

7- الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع .

8- أخذ الرهائن .

9- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم تلك وكذلك ضد الأفراد المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية .

10- تعمد توجيه هجمات ضد منشآت مدنية لا تشكل أهدافا عسكرية .

11- تعمد شن هجمات ضد موظفين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملا بميثاق الأمم المتحدة ويستحقون الحماية التي يتمتع بها المدنيون أو المواقع المدنية بموجب القانون الدولي للمنازعات المسلحـة .

12- تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق ضرر بأهداف مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطاً واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة .

13- مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء والتي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت .

14- قتل أو جرح مقاتل ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع أو أستسلم مختاراً.

15- إساءة استعمال علم الهدنة أو علم العدو أو شارته العسكرية أو زيه العسكري أو علم الأمم المتحدة أو شاراتها وأزيائها وكذلك الشعارات المميزة لاتفاقيات جنيف مما يسفر عن قتل الأفراد أو إلحاق إصابات بالغة بهم .

16- قيام الدولة القائمة بالاحتلال - على نحو مباشر أو غير مباشر -بنقل أجزاء من سكانها إلي الأرض التي تحتلها أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها .

17- تعمد توجيه الهجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية أو المعالم التاريخية ، أو المستشفيات أو أماكن تجمع المرضى والجرحى ، شريطة ألا تكون تلك الأماكن مستخدمة آنذاك لأغراض عسكرية.

18- إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة الطرف الخصم للتشويه البدني أو لأي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي لا تبررها المعالجة الطبية أو معالجة الأسنان أو المعالجة في المستشفى للشخص المعنى والتي لا تجرى لصالحه والتي تتسبب في وفاة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو في تعريض صحتهم للخطر .

19- قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو جيش معاد أو إصابتهم غدراً .

20- إعلان انه لن يبقي أحد علي قيد الحياة .

21- تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورات الحرب .

22- إعلان أن حقوق ودعاوى رعايا الطرف المعادي ملغاة أو معلقة أو غير مقبولة في أي محكمة .

23- إجبار رعايا الطرف المعادي علي الاشتراك في عمليات حربية موجهة ضد بلدهم حتى وان كانوا قبل نشوب الحرب في خدمة الدولة المحاربة .

24- نهب أي بلدة أو مكان حتى لو تم الاستيلاء عليه عنوة .

25- استخدام السموم أو الأسلحة المسممة .

26- استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات وجميع ما في حكمها من السوائل أو المواد أو الأجهزة .

27- استخدام الرصاصات التي تتمدد أو تتسطح بسهولة في الجسم البشرى مثل الرصاصات ذات الأغلفة الصلبية التي لا تغطى كامل جسم الرصاصة أو الرصاصات المحززة الغلاف .

28- استخدام الأسلحة أو القذائف أو المواد أو الأساليب التي تسبب بطبيعتها أضرارا زائدة أو آلاما لا لزوم لها أو تكون عشوائية بطبيعتها بالمخالفة للقانون الدولي للمنازعات المسلحة بشرط أن تكون هذه الأسلحة والقذائف والمواد والأساليب الحربية موضع حظر شامل وان تدرج في مرفق لهذا النظام الأساسي ،عن طريق تعديل يتفق والأحكام ذات الصلة الواردة في المادتين 121 و123 .

29- الاعتداء علي كرامة الشخص ،وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة .

30- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري على النحو المعرف في الفقرة 2 (و) من المادة 7 ، أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضا انتهاكا خطيرا لاتفاقيات جنيف .

31- استغلال وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين متمتعين بحماية لإضفاء الحصانة من العمليات العسكرية علي نقاط أو مناطق أو قوات عسكرية معينة.

32- تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقا للقانون الدولي .

33- تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غني عنها لبقائهم ، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية علي النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف .

34- تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية أو استخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية .

  كتب بتأريخ :  السبت 18-07-2015     عدد القراء :  3933       عدد التعليقات : 0