الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الامتحان الأخير للإسلام السياسي

   بخلاف ما جرى مع مظاهرات 2011، حظيت مظاهرات الأيام الفائتة بتأييد قوي، واضح وصريح، من رئيس الحكومة حيدر العبادي، وهذا تطوّر مهم للغاية في موقف الطبقة السياسية الحاكمة، أو جزء منها، من مطالب الشعب التي لم تتغيّر منذ ذلك الوقت، لأن الحال لم يتغير، بل ساء على نحو لم يسبق له نظير.

   وتطوّرٌ مهم أيضاً أن تتسابق هذه المرة القوى السياسية المتنفذة في السلطة، وهي إسلامية في الغالب، شيعية كانت أم سنية، إلى العزف على وتر المظاهرات وإعلان التأييد لها، بل إن البعض منها يدعو الآن إلى مواصلتها وتوسيع نطاقها، وهذا موقف مناقض لموقفها السابق، فالقوى الإسلامية جميعاً تقريباً تبنّت موقف رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي اتّهم متظاهري 2011 حتى قبل أن ينطلقوا بمظاهراتهم بأنهم بعثيون وقاعديون، ففرض حظراً للتجوال في بغداد جمعتين متتاليتين وأمر قواته بالإفراط في استخدام القوة ضد المتظاهرين، وهو ما حصل بالفعل ولزمت القوى المتنفذة الصمت حياله، فلم تُدن أو تشجب أو تستنكر، بل ان القوى الإسلامية المنضوية في إطار دولة القانون قدّمت الدعم الصريح لسياسة المالكي، ونزل عناصرها إلى الميدان لتخريب المظاهرات من داخلها.

   مع تاريخ كهذا، ومع عدم ظهور أية علامة أثناء الدعوة للمظاهرات الأخيرة على أن القوى الإسلامية المتنفذة تؤيد المظاهرات، فإن المرء لا يشعر بالاطمئنان حيال موقفها المؤيد الذي ظهر بعد انطلاق المظاهرات الأخيرة وتضامن رئيس الوزراء معها.

   من الواضح الآن أن القوى الإسلامية المتنفّذة التي ناهضت مظاهرات 2011 ولم تؤيد مظاهرات 2015 إلا بعد حدوثها وتبني رئيس الحكومة لها، تريد ركوب الموجة وتجيير المظاهرات لصالحها وتوجيهها بما يروّج لشعاراتها ويخدم أهدافها، وهي شعارات وأهداف لا علاقة لها بجوهر ما خرج المتظاهرون للمطالبة به والذي يتجاوز أزمة الكهرباء وعموم الخدمات العامة وقضية الفساد الإداري والمالي، إلى إعادة هيكلة العملية السياسية وإلغاء نظام المحاصصة والعمل على بناء الدولة الديمقراطية المدنية.

   قوى الإسلام السياسي التي تريد الآن النزول إلى الشارع لقيادة المظاهرات، تسعى إلى الالتفاف على حقيقة أنها المسؤول الأكبر عمّا يجري في البلاد من خراب، بوصفها القوى المتنفذة في السلطة على مدى الاثنتي عشرة سنة الماضية.

   أفضل ما يمكن أن تفعله قوى الإسلام السياسي الآن، كفّارةً عن أخطائها وخطاياها، ليس النزول الى الشارع والتشويش على شعارات المظاهرات وأهدافها، وإنما الضغط على قياداتها لإزاحة ممثليها الفاسدين في الدولة، وزراءً ووكلاء وزارات ورؤساء هيئات "مستقلة" ومؤسسات ومدراء دوائر، واستبدالهم بعناصر نزيهة وكفوءة وذات خبرة من عناصر هذه القوى ومن خارجها.

   وأفضل ما يمكن أن تقوم به قوى الإسلام السياسي المتنفذة – إذا كانت فعلاً تؤيد المظاهرات الأخيرة ومطالبها – هو الضغط على قياداتها أيضاً للعمل على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة لاستبدال ممثلي هذه القوى في البرلمان، وهم يشكلون الأغلبية، وأغلبية هؤلاء فاسدون هم كذلك، أو في الأقل عديمو الكفاءة والخبرة.

   نعم هذا هو ما يتعيّن أن تقوم به قوى الإسلام السياسي، الشيعية والسنية، إن كانت تريد حقاً الوقوف إلى جانب المتظاهرين وتحقيق مطالبهم، أما نزول عناصرها إلى الشوارع والساحات فلن يمثل إضافة نوعية، فقد أوصل المتظاهرون رسالتهم، وهم ينتظرون الآن الأفعال التي هي في متناول الأغلبية في الحكومة والبرلمان، وهذه الأغلبية هي لهذه القوى الإسلامية.

   إنه الامتحان الأخير لقوى الإسلام السياسي... وفي الامتحان يُكرم المرء أو يُهان.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 05-08-2015     عدد القراء :  2457       عدد التعليقات : 0