الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
حوار هادئ مع السيد المالكي(2) الحراك الشعبي، الشعارات والشيوعيون

يأخذ السيد المالكي على الحراك الشعبي انه تطور من المطالبة بتوفير الخدمات، الكهرباء خصوصا، الى طرح شعارات سياسية (الدولة المدنية) مرورا بالمطالبة بتطهير الدولة من الفساد والفاسدين، الى غير ذلك من المطالب المشروعة للحراك الشعبي.

صحيح ان الحراك بدأ بالإحتجاج على نقص الخدمات، بالأحرى انعدامها، وهو امر لا يد للشيوعيين فيه، وقد تصادف ذلك مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، وهذا ايضا امر لا يد للشيوعيين فيه، اللهم الا اذا بدا للمالكي، كما بدا لغيره، ان في الأمر مؤامرة "دبّرت بليل" بين الشيوعيين ورب العباد! للإطاحة بنظام المحاصّصة البغيض ورموزه وأبرزهم السيد المالكي.

أدت هذه "المصادفة" غير السعيدة، اي التقاء النقص المعيب للطاقة الكهربائية بارتفاع درجات الحرارة، الى تفجير مراجل الغضب الشعبي.

كان يمكن تجنب تفاقم تراكم الغضب، بأن يبتهل السيد المالكي، رافعا كفيه الى السماء، ان تغير، بمعجزة، الجو. ولعله فعل، لكن يبدو ان السماء لم تستجب لدعائه، لأمر لا يحق لنا ان نتدخل فيه، اذ لا يحق لنا ان نتدخل في العلاقة بين المعبود وعبده المالكي.

او ان يتنازل السيد المالكي والسكان الآخرين في المنطقة الخضراء عن مساكنهم المتواضعة للمكتوين بنار جهنم الأرضية، التي وفَرها المالكي واضرابه ممن تسنموا سدة الحكم، لعباده. ولم يكن، لوجستيا، تحقيق هذا الأمر ممكنا.

لم يبق، اذن، الا ان يتوقف الناس، في وقدة الحر، ليفكروا: لماذا لم تحل ازمة الكهرباء والأزمات الأخرى، رغم المليارات التي صرفت عليها؟ وقادهم هذا، بالضرورة، الى الإنتقال بالتساؤل، الى مرحلة اخرى: اذا كانت هذه الأموال لم تصرف لحل ازمة الكهرباء، فأين ذهبت اذن؟

يحك المواطن البسيط رأسه، قليلا اوكثيرا، ليتوصل الى ان ثمة خلّل. يضرب كفا بكف فرحا بتقدمه في الأكتشاف، ويواصل الرحلة، ثم يتوقف ليصرخ: هناك فساد! هناك فساد!

لا يتوقف المواطن البسيط عند هذا الحد بل يمضي ليتساءل: اذا كنت انا، المواطن البسيط، توصلت الى ذلك، فكيف لم يكتشفه من هو على درجة عالية من الذكاء والمفهومية، مثل السيد المالكي؟

يتقدم "المواطن البسيط" خطوة اخرى، أكثر خطورة ووعورة في الإكتشاف: اذا كان الناس اللي فوق لا يرون، او لا يريدون ان يروا، فلا بد ان لهم مصلحة في ذلك! لا بد انهم متواطئون!

لكن المواطن، رغم انه بسيط، يقفز الى المنطقة الأكثر خطورة: اذا كان هؤلاء، الذين يحمون الفساد والمفسدين، او يسهلون لهم، او يتعامون عنهم طيلة هذه السنين: على امتداد زمن الأزمات وتفاقمها فثمة، اذن، خلل في النظام الذي أتى بهم الى الحكم، وما يزال!

مرة ثانية، يحك رأسه، يضرب كفا بكف ويهتف اين الحل؟ اين الحل؟

يصدف ان يكون جاره اوقريبه، شيوعيا، لبراليا، او ديمقراطيا يحدثه عن الدولة المدنية، والفرق بينها وبين النظام الذي يتستر بالدين والطائفة لـ" تحليل" النهب والفساد، فيهتف وقد نفذ صبره: وجدتها! وجدتها!

يخرج الى الشارع وهو يهتف:

لا لنظام الأزمات! لا لنظام الفساد والمفسدين! لا لنظام المحاصصة! نعم للدولة المدنية! (ليس الأمر، بالتأكيد، بهذا القدر من البساطة، فمراحل تكون الوعي وتطوره اكثر تعقيدا)

و"يصدف" ان يلتقي بالمئات، الآلوف، مئات الألوف، الملايين الذين توصلوا مثله، بعد رحلة معاناة طويلة، الى الإستنتاج ذاته.

فماذا كان المالكي يريد من الشيوعيين وأصدقائهم ان يفعلوا؟ ان يضلّلوا الناس ويخدعوهم ويقولوا لهم انهم - اي الناس- على خطأ وان السيد المالكي والمستفيدين من نظام النهب واللصوصية والأزماتَ هم على صواب؟

لم يدّخر الشيوعيون وسعا في النصح والتنبيه والتحذير، سواء في اللقاءات مع قيادات الحكم، المالكي خصوصا، او بالمذكرات، او في ادبياتهم ووثائقهم، وما تنشره صحافتهم، من النتائج الكارثية التي تقود اليها سياسات اقطاب الحكم، وعلى رأسهم المالكي، على مجمل الوضع وعلى ما يسمى بـ" العملية السياسية" بل يذهب البعض، الى انهم بالغوا في الحرص على"عملية سياسية" كان المستفيدون منها يئدونها .

لماذا لم يقدم السيد المالكي وبطانته نظاما آخر يلبي مطالب الناس وحاجاتهم ليسيروا وراءه، بدل ان يعتبروه – يا لأسف - رمزا للنظام الذي تسبب لهم بكل ما يعانونه؟ لا ينبغي ان يلوم السيد المالكي الشيوعيين على ذلك، فلا يلومنّ الا نفسه.

لم ينعزل السيد المالكي عن الأكثرية الساحقة من الناس، بل عن بعض قيادات حزبه، بعد ان بات يشكل مشكلة لها، هذا فضلا عن المرجعية وعن حلفاء آخرين بارزين في التحالف الوطني، دعك عن قوى سياسية اُخرى. طالما عبرت، لدوافع مختلفة، عن معارضتها وتحفظاتها على ساسات السيد المالكي

طبيعي، اذن، ان يجد الشيوعيون مكانهم بين الناس وحراكهم، لا ضدهم، كما يريد لهم السيد المالكي وغيره، منطلقين في ذلك من مبادئهم وتاريخهم وسياساتهم، لكنهم لا يدّعون انهم خالقوه - اي الحراك الشعبي - فقد خلقه المالكي ونظامه وسياسته. ولا يدّعون انهم منظموه والناشطون الوحيدون فيه، فثمة العشرات، بل المئات غيرهم. ويولد ويتطور، خلال الحراك الشعبي العشرات، بل المئات من النشطاء، وتبرز ما لا يحصى من المواهب في التعبير عن مطالب الناس ومشاكلهم وهممومهم، من التشكيل الى الغناء الى المسرح وغير ذلك من اشكال الإبداع، الفردي والجماعي. ذلك ان الناس يعبرون عن الفرح بإعادة اكتشافهم لذواتهم وما تنطوي عليه من طاقات غيبتها عقود من القهر.

من حق المرء ان يتساءل، اذا كان المالكي، ومن يذهب مذهبه، محق فيما يدعيه عن دور الشيوعيين في "تحريك" الحراك، واذا كانوا يملكون حقا هذه القدرة الخارقة على زج الملايين في الشارع وهم خارج السلطة، وبدون ان يوزعوا العطايا ولا سندات ملكية الأرض، غير الموجودة فعلا (يذرع بالجنة!) وغير ذلك من اساليب الترغيب والترهيب فضلا عن الخداع والتضليل بما في ذلك استخدام الدين والمذهب لتجييش الأنصار والمحازبين، فاين اذن، ذهبت، الآن، قوته؟

ان بين من نزلوا الى الشارع عشرات الآلاف ممن صوتوا له، لكنهم عندما اكتشفوا خداع الوعود التي اهرقت بلا حساب ، وهي لا تغني ولا تسمن – حقا - من جوع، لا توفر الكهرباء ولا الخدمات نزلوا الى الشارع يهتفون :

"باسم الدين باكَونا الحرامية"!

فلماذا يغضب السيد المالكي؛ أ لغيرة على الدين ام لعزة بالأثم؟

  كتب بتأريخ :  الجمعة 11-09-2015     عدد القراء :  2931       عدد التعليقات : 0