الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إصلاح العبادي مع الحزب.. سحائب ليس تنتظم البلادا

مازال الرَّأي برئيس الوزراء حيدر العبادي إيجابياً، ومن جمهور العراقيين- مع أنه أخذ بالهبوط التدريجي- فلا مشكلة للرَّجل مع الكُرد ولا مع السُّنَّة، ولا مع الشِّيعة، وأقول ذلك لمجرد وصف الحال، وإلا تلك التسميات، التي غيمت على اسم العراق غير مستساغة عندي وعند السَّواد الأغلب. فهو  مازال مقبولاً عند البغداديين لأنه بغدادي الاصل والولادة، ومقبولاً عن المتحضرين فهو رجل متحضر، وعند دول الجوار  لأنه لم يفتح معركة مع دولة، وعلى العكس يحاول ترميم ما هدمه السابق، لم يتنطع بالتثاقف كالذي لا يميز بين الدبلوماسية ومجلس عزاء أو خطبة الجمعة، أو تعاليم حملدارية، فيخطئ من يقول: إن مشكلتنا مع حزب بعينه، إنما مع مَن يمثل هذا الحزب ويُقدم خطابه.

لكنَّ بعد التَّظاهرات العارمة (آب 2015 وما زالت) ثبت أن مشكلة العبادي هي الحزب وقيادته، وليس هو شخصياً، بينما السابقان المشكلة معهما والحزب، فللأسف أن هذا الحزب قدم ثلاثة رؤساء وزراء: الأول مشغول في نيل درجة المفكر  والتعالي بها على العراقيين الغلابة، ولا يريد أن يفهم أن الكلمات المتقاطعة وضعت للتسلية والتمرين لا لإدارة البلدان، وأن المفكر من يمنحها  له الآخرون لا رتبة يمنحها الشَّخص لنفسه.

أما الثَّاني فلم يفقه غير حياكة المؤامرات، ويعتقد أنه بها يتمكن مِن التأبيد في حكم العراق، رجل لم يترك حوله سواء الأغبياء. أما الثَّالث فلديه ما يمكن أن يُقدمه للبلاد لكن مشكلته الحزب، وتلك العصبة، التي ظهر أحد المعممين منها يقول: “لم ولن يترك حيدر العبادي حزب الدَّعوة، لا اليوم ولا في المستقبل”! وهذا خطاب الجبريين لا السياسيين، الذين يفهمون أن الحزب حراك سياسي وقناعات تتبدل.

حتى صار حزب الدعوة القدر المحتوم بعد البعث، وكأن لم يخرج منه مَن فضح قصصاً عن قيادته، في اليوم والأمس، وبالتالي إنه حزب كأي حزب آخر، يختلف داخله الأعضاء، يخرج منه جيل ويدخل جيل آخر، مع علمنا، وهذا منقول من أهل دراية لا رواية، أنه منذ الثمانينيات، وبعد اعدام محمد باقر الصدر (1980)، ظلوا يبالغون بدوره في الحزب، وبعده ظل الموجودون حالياً في رئاسة الوزراء وأعضاء في دولة القانون، يبحثون عن وجوه تُقدم للجمهور، على أنهم يمثلون حزب الدعوة كفكر وتنظيم، وقد اتصلوا بأحد الموجودين، وهو أمينه العام حالياً، يرجونه أن يجرى معه حوار  في صحيفة الحزب آنذاك، إلا أنه تعذر بعذر أنه لا يستطيع التحدث في السياسة، وأنه ليست لديه قابلية.

أما أحد قيادييه الآخرين فقصته مشهورة عندما قدم تقريراً، في بداية الثمانينيات، إلى المخابرات الإيرانية عن المجلس الأعلى، وأن محمد باقر الحكيم (قُتل 2003) كان منسقاً مع النظام العراقي، لكن الأمر أُكتشف وخرج صاحبنا مِن إيران، بعد أن عُرض الأمر على مكتب الخميني نفسه، وبعد حين عاد إلى الحضن الدافئ.

هذا شيء نزير مِن تاريخ قيادة الحزب الحالية، وما تفرع منها من جماعات، كالإصلاح مثلاً، فالذين عاشوا بإيران في تلك الفترة يعرفون ذلك جيداً. بمعنى أنه حزب مهلهل بقيادته منذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا، فلا يمكن للشَّعب العراقي أن يصبر على قيادته وهي في أعلى سلطاته التنفيذية لأكثر مما صبر.

لهذا لا يُرجى مِن حيدر العبادي، وهو  مازال مستمراً، في داخل حزب الدعوة الإسلامية وفي ظل هذه القيادة التي هي المشكلة، أن يصلح أو يبدأ بخطوات إصلاحية، لهذا سارع جمهور التظاهرات إلى مطالبته بترك الحزب، فحزبه الآن هذا الجمهور العريض، وجله مِن الشباب الواعي، الذي قدم صورة حضارية عن العراق، ولولا هذا الصوت لما استدرك الخائفون على هذه البلاد وشعروا بتاريخها العريق. مشكلة العبادي أنه متردد، وهذا التردد مصدره وجوده داخل الدعوة، وهو رئيس وزراء، لأن قيادة هذا الحزب والعديد مِن أعضائه الفاعلين متهمون بالفساد والإفساد.

مجابهة أسراب الجراد عن الزروع، الذي يريد العبادي مجابهته وهم كما قال عنهم شاعر قديم وبرواية ابن بحر الجاحظ(ت 255هـ): “مرَّ الجراد على زرعي فقلت له/إياك إياك أن تعمل بإفساد/فقام منهم خطيب فوق سنبلةٍ/ أنا على سفر لا بد مِن زاد”.

أسراب جراد، بداية مِن الذي قال: “لم ولن يخرج العبادي من الحزب لا الآن ولا مستقبلاً”، وانتهاء بخاطفي العقارات والامتيازات، والسبب يا سادة أن خروج العبادي مِن حزبه سيطلق يده ضد الفساد المالي والإداري، وسيجرأ على تحقيق إصلاحات حقيقية، لا محاولة ذر الرماد في العيون بالاستغناء عن وكيل وزير أو مدير عام، بالأساس لا عمل له.

لا أظن أن العبادي سيكون جريئاً ويترك حزبه مِن أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، مِن مافيات الفساد والمحسوبية والمنسوبية القاتلة! هذا ما نفهمه ممَن عرفه جيداً، منذ أيام المعارضة، وقدم تقييماً مقبولاً حول شخصيته، لكن إذا كان ذلك سلوكه داخل الحزب فالآن أمامه مهمة إنقاذ وطن لا تنظيم حزب، وأن الوفاء للحزب، بعد هذا الفشل الذريع في إدارة وحماية البلاد وتسليمها إلى جنرال إيراني يحضر اجتماعات الأحزاب كآمر ناهي، يُعد خيانة كبرى في كل المقاييس.

لقد سارع حزب الدَّعوة إلى إصدار بيانات مؤيدة للإصلاحات، وماهي إلا أقوال لا أفعال، فالأفعال أن يتخلى الحزب فعلاً عما نهبه من عقارات، شراء واهداء، وبعد ذلك يستطيع رفع صوته بقوة لمطالبة الآخرين. غير أنها خطوة لا يقدر عليها الدعويون، وإذا اختار العبادي الحزب على تحقيق الإصلاح، فعليه أن لا يستمر  بوعود غير ماطرة: “سحائب ليس تنتظم البلادا”.

  كتب بتأريخ :  السبت 12-09-2015     عدد القراء :  3426       عدد التعليقات : 0