الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أيتها الياء...ما أقساك

في كل لغة مفرداتها وأختصاراتها ومصطلحاتها، إذ ممكن لحرف واحد أن يختزل جملة، وبه قد أبدع الأسلاف في رفد اللغة بما يناسب تطورها، إلا إنهم لم يعلموا نقمة هذا الأختصار احياناً، عليهم وعلى أجيالهم ومن ثم أجيالنا. ومن الإختصارات، حرف الياء الجميل، مسك الحروف الهجائية، فيه الغرابة والعجب، تارةً يفيد معنى التملك، وأخرى يدل على العلاقة، وتارة تفيد الإنتماء.

عندما نقول هذه  نقودي، يكون وجود الياء إختصار لجملة: (أنا املك هذه النقود وليس غيري)، وايضاً الياء في كلمة بيتي، قميصي، طعامي وغيرها.

عندما نقول أبي أو زوجتي أو أبني، من المفروض أن لا يكون للتملك وجود، لا من بعيد ولا من قريب، بل المعنى يفيد العلاقة، إبني، أي الإنسان الذي خرج من صلبي أنا، والياء في وزوجتي تعني الإنسانة الذي إقترنت بها، وهي ليست شيء بل كيان عاقل مثله مثلي. ولا ننسى بأنها تقول ذات الشيء عن الزوج. أما ديني ووطني ومذهبي، فالياء فيها دليل إنتماء وأنتساب، أي الوطن الذي أنتسب له والمذهب الذي أنا أتبعه. والمشكلة في كل الياءات المذكورة أصبحت للأنسان ياء تملك وتملك سلبي فقط، فكيف يكون هذا التملك سلبي؟

يقول القدامى بأن أساس المشاكل في العالم  كان مع بداية أول شخص وضع يديه على قطعة أرض وقال: هذه الأرض لي، ويا ليتها كانت على قطعة الأرض!

لقد وضع الإنسان نفسه في هاوية الأنا ليصبح كل مايذكره بحرف الياء إمتلاك، ولا شيء يضاهي ما يملك  خصوصاً في مسألة الإنتماء. أنا من البلد الفلاني وأدعي بأنه أفضل بلد وكل بلاد العالم دون بلدي، وديني هو الصحيح والأديان الأخرى فلتسحق، ورأيي هو الصحيح ومايقوله غيري تخلف، وأنا فقط ولا  كائن غيري!

أصبح الإنسان يلعب في الوطن كونه يملكه، ويفعل في الزوجة والأبناء كما يشاء كونه يملكهم، ويريد أن يغير كل شيء على إعتبار أنه السيد المطلق!

ولم يكتفِ بكل شيء، ولم يشبع، بل إمتلك المطلق أيضاً.

إلهي، هذه الكلمة تقال عن الخالق ليصبح لدى البعض إمتلاك أيضا!. إلهي الذي أتبع أصبح لدى الإنسان الإله المملوك والعبد! حتى الخالق لم يسلم من أنانية الإنسان، بل سخَّره على هواه وهو لا يُسخَّر.

فماذا يريد أن يمتلك الإنسان بعد وهو لايعلم بأنه لايملك شيئاً؟ فهل هي الياء التي جعلته يستحوذ على كل شيء؟ تباً لها من ياء نقمة، فبدلاً أن تكون لخدمتنا أصبحت سبباً في دمارنا.

zaidmisho@gmail.com

  كتب بتأريخ :  الأحد 27-09-2015     عدد القراء :  3282       عدد التعليقات : 0