الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
وإذا النزاهة نطقت..

لا أظن أن التكتيك التي اتّبعته هيئة النزاهة في عملها، طوال السنوات الماضية، صحيح وسليم. أعني بهذا على وجه التحديد إحجامها عن كشف أسماء المتهمين بالفساد الإداري والمالي الذين تحيلهم الهيئة إلى القضاء لمحاكمتهم، تاركةً له أن يُعلن عن الأسماء بعد صدور الأحكام بالإدانة.

مسؤولو الهيئة غالباً ما يبرّرون موقفهم بأن المتهمين لديهم عائلات ويُمكن للإعلان عن أسمائهم أن يؤثر نفسياً على أفراد هذه العائلات ويضرّ بمصالحهم.

هذه الحجّة مردودة، ففي العالم كله يجري الكشف عن أسماء المتهمين بارتكاب مختلف الجنح والجنايات، حتى قبل تقديمهم إلى القضاء، فالاتهام لا يعني الإدانة، وليس كل متّهم أو ملقى القبض عليه بتهمة ما مُدان، على وفق القاعدة القانونية التي يعرفها العلماء والجهلة سواء بسواء، القائلة بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وبالتالي ليس من الصحيح والسليم أن تتعامل هيئة حقوقية مرموقة كهيئة النزاهة كما لو أن هذه القاعدة قد انقلبت على نفسها.

حالات عدم الكشف عن أسماء المتهمين – في البلدان الأخرى - قليلة في العادة، ويكون ذلك لفترة محدودة تفادياً لمعرفة متهمين أو مشبوهين آخرين بأمر الاعتقال فيهربون من وجه العدالة، أو خشية من تدخلات أو تأثيرات على مجرى العدالة أثناء التحقيقات الأولية.

مفهوم ألا تعلن الهيئة عن أسماء المتهمين في الفترة التي تُجري فيها هي تحقيقاتها في القضايا المقدّمة إليها، ولكن من المفترض ألا تُحيل هيئة النزاهة ملفاً إلى القضاء ما لم تكن قد وضعت أيديها على الوثائق الصحيحة وتوفّرت لها الأدلة القاطعة على سلامة توجيه الاتهام، بهامش خطأ محدود.

هيئة النزاهة واحدة من أهمّ خمس مؤسسات في دولتنا في الظرف الراهن، إلى جانب البرلمان والحكومة والقضاء ومفوضية الانتخابات. وهذا يرجع إلى أن المهمة المعنية بها، مكافحة الفساد الإداري والمالي، مهمة وطنية مصيرية، فعواقب هذا الفساد المتفشي في كل مفاصل الدولة والكثير من مفاصل المجتمع، كارثية، كما يتبدّى لنا الآن في خواء الخزينة العامة وانهيار نظام الخدمات العامة الأساس، وفي تمكّن الإرهاب من السيطرة على نحو ثلث مساحة البلاد بكل ما ترتّب على ذلك من محن ومآس. هذه المؤسسة لا تأخذ في الاعتبار، وهي تلتزم سياسة عدم الكشف عن أسماء المتهمين في قضايا الفساد الإداري والمالي، الأهمية التي تنطوي عليها عملية الكشف عن الأسماء لجهة ردع الفاسدين والمفسدين الذين اطمأن الكثير منهم إلى أن أسماءهم لن تُطرح للتداول العام، وأن في وسعهم دائماً تحريك آليات أحزابهم وكتلهم لإغلاق ملفاتهم أو ركنها جانباً.

في الأيام الثلاثة الماضية أعلن مسؤولون في الهيئة وفي القضاء ولجنة النزاهة النيابية عن أسماء متهمين بقضايا فساد من كبار المسؤولين في أمانة بغداد ووزارتي الكهرباء والتجارة أحيلت ملفاتهم إلى القضاء.

هذا إجراء صحيح يتعيّن أن يتواصل ويكون عاماً شاملاً لا يستثني أحداً، أياً كان ومهما كان، فبتكتيك كهذا ستهزّ الهيئة عروش الفاسدين والمفسدين، وتطيحها.

  كتب بتأريخ :  الأحد 18-10-2015     عدد القراء :  2328       عدد التعليقات : 0