الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
أفكار بسعر الذهب

أعجبني كثيراً الاقتراح الذي تقدّم به وزير الموارد المائية محسن الشمري بأن تتولى وزارته بنفسها تنظيم عملية كري الأنهر في البلاد والتعاقد مع مقاولين من القطاع الخاص للقيام بالعملية وبيع كميات الطمي الناجمة عن عملية الكري الى الناس لقاء مبالغ مالية.

وزارة الموارد المائية، إن تحقق لها ما اقترحته، ستضرب عصفورين بحجر واحد: حل مشكلة تراكم الطمي في الأنهار وتحسين جريان المياه فيها، وتعظيم مواردها المالية في وقت تحتاج إلى مثل هذه الموارد في مواجهة قلة تخصيصاتها، كما سائر الوزارات، في موازنة العام المقبل وربما الأعوام التالية أيضاً، فتجارة الطمي (الزميج) كانت على الدوام رائجة على نحو جيد في المدن.

بالطبع ثمة فوائد كثيرة أخرى تترتب على كري الانهار، منها تحسين النقل النهري وعمليات إرواء الاراضي ومكافحة الملوحة. كما أن الطمي ينفع في تحسين خصوبة الأرض الزراعية وتنشيط صناعة الفخاريات، وما إلى ذلك.

لكن أهم ما ينطوي عليه اقتراح وزير الموارد المالية، وهو أكثر ما أعجبني، أنه يفتح الأذهان على عدد غير محدود من الأفكار التي يمكن لها أن تبعث حياة جديدة في الاقتصاد الوطني في مواجهة "خيانة" النفط لنا بتدهور أسعاره وتراجع موارده التي شكّلت منذ خمسينيات القرن الماضي المصدر الوحيد تقريباً للموازنات السنوية للدولة.

بوسع سائر الوزراء والوكلاء والمدراء العامين استخدام رؤوسهم، كما فعل وزير الموارد المائية أو أحد موظفي وزارته، لاستنباط أفكار بنّاءة من شأنها معالجة مشكلة شح الموارد. لابدّ ان وزارة الزراعة يمكنها أن تجد لنفسها موارد مالية بتنفيذ مشاريع كثيرة على غرار مشروع كري الأنهار وبيع الطمي، وكذا الحال بالنسبة لوزارة الصناعة ووزارة الثقافة والسياحة والآثار ووزارة الصحة وسائر الوزارات والمصالح في الدولة.

لا يحتاج الأمر إلى تخصيصات مالية لا توفّرها الموازنة ولا الى "كتابنا وكتابكم" مع وزارة المالية أو رئاسة مجلس الوزراء أو مجلس النواب.. انه يحتاج فقط الى أن يتوجه الوزير أو الوكيل أو المدير العام إلى موظفي دائرته وعمالها بنداء لإعمال فكرهم وتقديم المقترحات المفيدة. ويمكن للوزير أو الوكيل أو المدير العام أن يكافئ أصحاب الأفكار والمشاريع مادياً ومعنوياً لتنظيم سباق من أجل تقديم الأفكار المرغوب فيها.

الحاجة أم الاختراع، ونحن الآن في أمسّ الحاجة الى أفكار واختراعات من قبيل فكرة كري الانهار وبيع الطمي. وبالتأكيد هناك آلاف الرؤوس في الدولة والمجتمع التي تختزن الواحدة منها فكرة واحدة في الأقل من هذا النوع الذي يعادل وزنه ذهباً وليس نفطاً.. والتجربة أكبر برهان.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 19-10-2015     عدد القراء :  2253       عدد التعليقات : 0